• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    وصية النبي - صلى الله عليه وسلم- بطلاب العلم
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    الأمن.. والنعم.. والذكاء الاصطناعي
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    يا معاشر المسلمين، زوجوا أولادكم عند البلوغ: ...
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    حديث: يا رسول الله، أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    الأحاديث الطوال (23) وصول النبي صلى الله عليه ...
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    ففروا إلى الله (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    الذكاء الاصطناعي بين نعمة الشكر وخطر التزوير: ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    زمان الدجال.. ومقدمات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    خطبة الملائكة
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    الخشية من الله تعالى (خطبة)
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    استراتيجيات تحقيق الهدف الأول لتدريس المفاهيم ...
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    ما حدود العلاقة بين الخاطب ومخطوبته؟
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    شرح كتاب السنة لأبي بكر الخلال (رحمه الله) المجلس ...
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تلاوة آيات ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    العناية بالشَّعر في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / المعاملات
علامة باركود

القرض الحسن

القرض الحسن
الشيخ عبدالله بن محمد البصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/10/2018 ميلادي - 3/2/1440 هجري

الزيارات: 14015

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

القرض الحسن

 

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَاتَّقُوا النَّارَ وَلَو بِشِقِّ تَمرَةٍ، فَمَن لم يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، أَبوَابُ الخَيرِ كَثِيرَةٌ، وَسُبُلُ البِرِّ مُتَعَدِّدَةٌ، وَأَسبَابُ رِضَا اللهِ عَنِ العَبدِ وَدُخُولِهِ في رَحمَتِهِ أَجَلُّ مِن أَن تُحصَى، وَإِنَّ فِيهَا مِمَّا يَخطُرُ عَلَى البَالِ وَمَا لا يَخطُرُ عَلَيهِ شَيئًا كَثِيرًا وَقَدرًا كَبِيرًا، وَمِن رَحمَتِهِ - تَعَالى - لَمَّا فَاوَتَ بَينَ العِبَادِ في الأَعمَالِ وَالأَرزَاقِ وَالعَزَائِمِ وَالقُدُرَاتِ وَالرَّغَبَاتِ، أَن نَوَّعَ لَهُمُ الأَعمَالَ الَّتي يَدخُلُونَ بِهَا الجَنَّاتِ، وَيَنَالُونَ بِهَا رِضَاهُ عَنهُم وَرَفِيعَ الدَّرَجَاتِ، كُلاًّ بِمَا يُسِّرَ لَهُ وَفُتِحَ لَهُ فِيهِ، فَمَن لم تَرتَفِعْ دَرَجَتُهُ بِالصَّلاةِ، فَرُبَّمَا كَانَت رِفعَتُهُ بِالصِّيَامِ، وَمَن لم يَكُنْ كَثِيرَ تَنَفُّلٍ في هَذَينِ، فَقَد يُرزَقُ مَالاً حَلالاً مُبَارَكًا، تَكُونُ بِهِ نَجَاتُهُ وَرِفعَةُ دَرَجَاتِهِ، وَقَد لا يُوَفَّقُ مُسلِمٌ في العِبَادَاتِ الظَّاهِرَةِ البَارِزَةِ، فَيَكُونُ لَهُ حَظٌّ مِنَ العِبَادَاتِ الخَفِيَّةِ المُخَبَّأَةِ، وَفَضلُ اللهِ عَظِيمٌ لا يَحُدُّهُ حَدٌّ، وَرَحمَتُهُ وَاسِعَةٌ لا يُحَاطُ بِهَا وَلا تَنفَدُ، وَمَا عَلَى العَبدِ إِلاَّ التَّعَرُّضُ لِرَحمَةِ اللهِ، وَالثَّبَاتُ فِيمَا وُفِّقَ إِلَيهِ وَفُتِحَ لَهُ فِيهِ، فَمَن حُبِّبَت إِلَيهِ الصَّلاةُ فَلْيَلْزَمْهَا، وَمَن كَانَ مِن أَهلِ الصِّيَامِ فَلْيَتَمَسَّكْ بِهِ، وَمَن بُورِكَ لَهُ في مَالٍ فَلْيُرَ أَثَرُ ذَلِكَ عَلَيهِ في إِنفَاقِهِ وَعَطَائِهِ، وَفي قَضَائِهِ حَاجَةَ المُحتَاجِ وَتَفرِيجِهِ كُربَةَ المَكرُوبِ.

 

وَإِنَّ ثَمَّةَ عَمَلاً صَالِحًا مَبرُورًا، وَإِحسَانًا مَذكُورًا مَشكُورًا، كَادَ يَختَفِي مِنَ المُجتَمَعِ المُسلِمِ بَينَ شُحِّ الشَّحِيحِ وَخِيَانَةِ الخَائِنِ، وَعَجَلَةِ الحَرِيصِ وَعَجزِ المُفَرِّطِ، مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الأَجرِ العَظِيمِ وَالثَّوَابِ الجَزِيلِ، وَالأَثَرِ المُبَارَكِ عَلَى المُجتَمَعِ في العَاجِلِ وَالآجِلِ، وَغَرسِ المَحَبَّةِ في القُلُوبِ وَتَحبِيبِ بَعضِ النَّاسِ إِلى بَعضٍ... أَتَدرُونَ مَا ذَاكُمُ العَمَلُ؟! إِنَّهُ القَرضُ الحَسَنُ.

 

أَجَل - أَيُّهَا الإِخوَةُ - إِنَّهُ القَرضُ الحَسَنُ، الَّذِي لا يُرِيدُ بَاذِلُهُ مِن وَرَائِهِ إِلاَّ مَا عِندَ الرَّحِيمِ الرَّحمَنِ، وَلا يَنتَظِرُ جَزَاءً وَلا شُكُورًا إِلاَّ مِنَ الكَرِيمِ المَنَّانِ. وَاللهُ - تَعَالى - هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ، يَبسُطُ الرِّزقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقدِرُ، وَيُوَسِّعُ لِهَذَا وَيُضَيِّقُ عَلَى ذَاكَ، وَيَجعَلُ المَالَ الكَثِيرَ عِندَ امرِئٍ بِحِكمَتِهِ، وَيَحُولُ بَينَ آخَرَ وَبَينَهُ حَتَّى لا يَكَادَ يَجتَمِعُ لَدَيهِ مِنهُ قَلِيلٌ وَلا كَثِيرٌ، وَلَو شَاءَ - جَلَّ وَعَلا - لَسَاوَى بَينَ النَّاسِ في مِقدَارِ أَرزَاقِهِم وَجَعَلَهُم كُلَّهُم أَغنِيَاءَ، وَلَيسَ ذَلِكَ بِنَاقِصٍ مِمَّا في خَزَائِنِهِ شَيئًا، وَلا غَائِضًا مِن فَائِضِهَا، فَفِي الحَدِيثِ القُدسِيِّ الَّذِي رَوَاهُ مُسلِمٌ قَالَ اللهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالى -: "يَا عِبَادِي، لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم، وَإِنسَكُم وَجِنَّكُم، قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فَأَعطَيتُ كُلَّ إِنسَانٍ مِنهُم مَسأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِندِي إِلاَّ كَمَا يَنقُصُ المِخيَطُ إِذَا أُدخِلَ البَحرُ".

 

أَجَل - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - إِنَّ تَبَايُنَ النَّاسِ في الرِّزقِ، وَاختِلافَ مَا تَملِكُهُ أَيدِيهِم مِنَ المَالِ، إِنَّ ذَلِكَ لَمِمَّا جَعَلَهُ اللهُ فِيهِم لِحِكمَةٍ بَل لِحِكَمٍ كَثِيرَةٍ، مِنهَا أَن يُسَخِّرَ بَعضُهُم بَعضًا في الأَعمَالِ وَالحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ، وَلَو تَسَاوَوا في الغِنى وَلم يَحتَجْ بَعضُهُم إِلى بَعضٍ، لَتَعَطَّلَت كَثِيرٌ مِن مَصَالِحِهِم وَمَنَافِعِهِم، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [الزخرف: 32] وَمِنَ الحِكَمِ في تَبَايُنِ النَّاسِ في أَرزَاقِهِم أَن يُبتَلَى بَعضُهُم بِبَعضٍ ؛ فَيَعلَمَ اللهُ مَن يَشكُرُ مِمَّن يَكفُرُ، وَمَن يُعطِي مِمَّن يَمنَعُ، وَمَن يَجُودُ مِمَّن يَبخَلُ، وَمَن تَمتَدُّ يَدُهُ لِرِقَّةِ قَلبِهِ، وَمَن يَكُفُّ كَفَّهُ لِشُحِّ نَفسِهِ، وَالجَمِيعُ بَعدَ ذَلِكَ إِلى اللهِ عَائِدُونَ، وَلِمَا في أَيدِيهِم قَلَّ أَو كَثُرَ تَارِكُونَ، وَعِندَ رَبِّهِم مُحَاسَبُونَ، وَإِلى مَا قَدَّمُوا قَادِمُونَ، وَعَلَى مَا قَصَّرُوا فِيهِ نَادِمُونَ. أَمَّا العُقَلاءُ النُّبَلاءُ، فَقَد عَلِمُوا أَنَّ الدُّنيَا ظِلٌّ زَائِلٌ، وَهُم فِيهَا ضُيُوفٌ مُرتَحِلُونَ، وَأَنَّ المَالَ في أَيدِيهِم عَارِيَّةٌ مُؤَدَّاةٌ وَوَدِيعَةٌ مُستَرَدَّةٌ، وَأَنَّ فِيهِ للهِ حُقُوقًا، وَأَنَّهُ لا يَنقُصُ بِإِنفَاقٍ مِنهُ في سَبِيلِ اللهِ، وَمِن ثَمَّ فَقَد جَعَلُوا أَنفُسَهُم في أَعلَى مَنَازِلِ أَهلِ الأَموَالِ، فَوَصَلُوا بِهِ أَرحَامَهُم، وَأَكرَمُوا ضُيُوفَهُم، وَأَعطَوا مِنهُ وَتَصَدَّقُوا، وَبَذَلُوا وَأَجزَلُوا، وَأَقرَضُوا وَصَبَرُوا، وَوَسَّعُوا عَلَى المُعسِرِينَ، وَفَرَّجُوا عَنِ المَكرُوبِينَ، وَقَضَوا حَاجَاتِ المُحتَاجِينَ، وَأَدخَلُوا السُّرُورَ عَلَى المَحزُونِينَ، فَنَالُوا بِذَلِكَ في دُنيَاهُم عَاجِلَ البُشرَى، وَكَسِبُوا حَسَنَ الصِّيتِ وَجَمِيلَ الذِّكرِ، وَحَازُوا حَمِيدَ السُّمعَةِ وَطَيِّبَ الثَّنَاءِ، وَلَهَجَتِ الأَلسِنَةُ لَهُم بِالمَدحِ وَالشُّكرِ وَالدُّعَاءِ، مَعَ مَا يَنتَظِرُهُم إِن خَلَصَتِ النِّيَّةُ مِن حَسَنَاتٍ كَالجِبَالِ. وَأَمَّا أَهلُ الهَلَعِ وَالجَزَعِ، فَقَدِ اشتَغَلُوا بِالجَمعِ وَالمَنعِ، فَلَم تَنْدَ أَيمَانُهُم بِخَيرٍ وَلا بَذلِ مَعرُوفٍ، وَلم تَهتَزَّ نُفُوسُهُم لإِسعَافِ ذِي حَاجَةٍ مَلهُوفٍ، فَقَلَّ حَامِدُهُم، وَكَثُرَ حَاسِدُهُم، وَمَاتَ كَثِيرٌ مِنهُم وَالقُلُوبُ مِنهُ نَافِرَةٌ، بَل وَصَارَ أَفرَحَ النَّاسِ بِمَوتِهِ أَهلُهُ وَأَقَارِبُهُ. وَالمُوفَّقُ مَن وَفَّقَهُ اللهُ، وَالمَخذُولُ مَن تَخَلَّى عَنهُ رَبُّهُ، وَوَكَلَهُ إِلى نَفسِهِ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لَقَد وَرَدَت في فَضلِ قَضَاءِ حَاجَاتِ المُحتَاجِينَ وَالتَّيسِيرِ عَلَى المُعسِرِينَ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ وَأُخرَى حَسَنَةٌ، لا يَسمَعُ بِهَا مُؤمِنٌ مُصَدِّقٌ بِمَا فِيهَا مِن وَعدٍ، إِلاَّ تَمَنَّى لَو قَسَّمَ مَالَهُ كُلَّهُ عَلَى المُحتَاجِينَ وَالمُقِلِّينَ، وَخَاصَّةً أَهلَ الدِّينِ وَالمُرُوءَةِ وَالصِّدقِ، الَّذِينَ ضَاقَت بِهِمُ السُّبُلُ، وَأَرهَقَتهُمُ الحَاجَاتُ وَأَعيَتهُمُ الحِيَلُ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "مَن مَنَحَ مَنِيحَةَ لَبَنٍ أَو وَرِقٍ، أَو هَدَى زُقَاقًا، كَانَ لَهُ مِثلُ عِتقِ رَقَبَةٍ" رَوَاهُ أَحمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

 

وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - " مَن أَقرَضَ وَرِقًا مَرَّتَينِ، كَانَ كَعَدلِ صَدَقَةٍ مَرَّةً " رَوَاهُ البَيهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَالوَرِقُ هُوَ المَالُ مِنَ الفِضَّةِ، فَمَن أَقرَضَ مِنهُ شَيئًا مَرَّتَينِ، كَانَ كَمَا لَو تَصَدَّقَ بِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَأَيُّ فَضلٍ مِثلُ هَذَا الفَضلِ؟! يُقرِضُ المَرءُ مَبلَغًا مِنَ المَالِ مَرَّتَينِ، فَيَعُودُ إِلَيهِ مَالُهُ كَامِلاً، وَيَبقَى عِندَ اللهِ أَجرُهُ مُوَفَّرًا. وَحَتَّى وَإِن كَانَ المُقتَرِضُ قَدِ استَفَادَ مِنَ القَرضِ وَانتَفَعَ بِهِ، إِلاَّ أَن صَاحِبَ المَالِ كَاسِبٌ مِن وَجهَينِ، وَمُنتَفِعٌ في الدَّارَينِ، إِذْ بَقِيَ مَالُهُ عِندَهُ، وَتَقَدَّمَ أَجرُهُ أَمَامَهُ، فَمَن يَزهَدُ في مِثلِ هَذَا إِلاَّ شَحِيحٌ لَئِيمٌ؟! وَإِنَّهُ وَإنْ تَكُنِ الصَّدَقَةُ في الأَصلِ أَفضَلَ مِنَ الإِقرَاضِ ؛ مِن جِهَةِ أَنَّ المُتَصَدِّقَ يَهَبُ المَالَ وَيَسمَحُ بِهِ وَلا يُلحِقُهُ نَفسَهُ، إِلاَّ أَنَّ مَن يُقرِضُ المُحتَاجَ وَيُوَسِّعُ صَدرَهُ وَيَطُولُ صَبرُهُ عَلَيهِ، لَهُ فَضِيلَةٌ أُخرَى وَمَزِيَّةٌ عُظمَى، يَنَالُهَا مِن رَبِّهِ جَزَاءً عَلَى إِحسَانِهِ إِلى خَلقِهِ بِإِنظَارِهِم وَالتَّيسِيرِ عَلَيهِم، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "مَن يَسَّرَ عَلَى مُعسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيهِ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ" رَوَاهُ مُسلِمٌ. وَعَن حُذَيفَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "تَلَقَّتِ المَلائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّن كَانَ قَبلَكُم، فَقَالُوا: عَمِلتَ مِنَ الخَيرِ شَيئًا؟! قَالَ: لا. قَالُوا: تَذَكَّرْ. قَالَ: كُنتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فَآمُرُ فِتيَانِي أَن يُنظِرُوا المُعسِرَ وَيَتَجَوَّزُوا عَنِ المُوسِرِ. قَالَ: قَالَ اللهُ: تَجَاوَزُوا عَنهُ" رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ. وَعَن بُرَيدَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "مَن أَنظَرَ مُعسِرًا فَلَهُ كُلَّ يَومٍ مِثلُهُ صَدَقَةً" ثم سَمِعتُهُ يَقُولُ: "مَن أَنظَرَ مُعسِرًا فَلَهُ كُلَّ يَومٍ مِثلَيهِ صَدَقَةً" فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، سَمِعتُكَ تَقُولُ: "مَن أَنظَرَ مُعسِرًا فَلَهُ كُلَّ يَومٍ مِثلُهُ صَدَقَةً" ثم سَمِعتُكَ تَقُولُ: "مَن أَنظَرَ مُعسِرًا فَلَهُ كُلَّ يَومٍ مِثلَيهِ صَدَقَةً" قَالَ: "لَهُ كُلَّ يَومٍ مِثلُهُ صَدَقَةً قَبلَ أَن يَحِلَّ الدَّينُ، فَإِذَا حَلَّ فَأَنظَرَهُ، فَلَهُ بِكُلِّ يَومٍ مِثلَيهِ صَدَقَةً" رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "مَن أَنظَرَ مُعسِرًا أَو وَضَعَ لَهُ، أَظَلَّهُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ تَحتَ ظِلِّ عَرشِهِ يَومَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ" رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

 

أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَلْنُنفِقْ مِمَّا آتَانَا اللهُ ابتِغَاءَ وَجهِهِ، وَلْنَحذَرِ الطَّمَعَ وَالجَشَعَ، وَخَاصَّةً مَا كَانَ مِنهُ دَاعِيًا إِلى أَكلِ الحَرَامِ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 278 - 281].

♦     ♦    ♦


أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَاشكُرُوهُ وَلا تَكفُرُوهُ، وَاعلَمُوا أَنَّ مِن إِتمَامِ المَعرُوفِ في القَرضِ الحَسَنِ، أَلاَّ يُلحِقَهُ صَاحِبُهُ بِمَنٍّ وَلا أَذًى، وَلا إِلحَافٍ في المُطَالَبَةِ بِالوَفَاءِ وَهُوَ يَعلَمُ حَاجَةَ صَاحِبِهِ وَضِيقَ حَالِهِ، وَأَن يَكُونَ سَمحًا في طَلَبِهِ وَاستِيفَائِهِ، فَهُوَ في الأَصلِ إِنَّمَا بَدَأَ بِهِ طَلَبًا لِمَا عِندَ اللهِ مِن عَظِيمِ الأَجرِ وَجَزِيلِ الثَّوَابِ، وَأَجرُهُ مَا يَزَالُ جَارِيًا بِقَدرِ إِنظَارِهِ صَاحِبَهُ المُعسِرَ، وَمَا عِندَ اللهِ خَيرٌ مِنَ الدُّنيَا وَمَا فِيهَا، وَالعِبرَةُ بِبَرَكَةِ المَالِ وَالانتِفَاعِ بِهِ وَنَفعِ النَّاسِ، لا بِكَثرَتِهِ وَإِحكَامِ حِفظِهِ، وَالتَّمَتُّعِ بِمَا في الخَزَائِنِ أَوِ الحَسَابَاتِ مِنهُ مِن أَرقَامٍ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "مَن طَلَبَ حَقًّا فَلْيَطلُبْهُ في عَفَافٍ، وَافٍ أَو غَيرُ وَافٍ" رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "رَحِمَ اللهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشتَرَى وَإِذَا اقتَضَى" رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

 

وَمَعَ هَذَا، فَإِنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقَالاً، وَحَقُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ الوَفَاءُ لَهُ أَسرَعَ مَا يُمكِنُهُ وَأَوفَاهُ وَأَكمَلَهُ، وَأَلاَّ يُلجِئَهُ إِلى مَا لا يُحمَدُ بِسُوءِ القَضَاءِ أَوِ المُمَاطَلَةِ، وَإِذَا طَلَبَ صَاحِبُ الحَقِّ حَقَّهُ وَرَغِبَ في استِيفَائِهِ، وَكَانَ الغَرِيمُ مَلِيئًا غَنِيًّا، وَمَطَلَهُ وَسَوَّفَ بِهِ، فَهُوَ وَالحَالَةُ هَذِهِ ظَالِمٌ لَهُ، وَالظُّلمُ مُحَرَّمٌ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، فَعَن أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "مَطلُ الغَنيِّ ظُلمٌ، فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُم عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وَعَنهُ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّ رَجُلاً أَتى النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَتَقَاضَاهُ فَأَغلَظَ لَهُ، فَهَمَّ بِهِ أَصحَابُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "دَعُوهُ؛ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مقالاً" ثم قَالَ: "أَعطُوهُ سِنًّا مِثلَ سِنِّهِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، لا نَجِدُ إِلاَّ أَمثَلَ مِن سِنِّهِ. قَالَ: "أَعطُوهُ؛ فَإِنَّ خَيرَكُم أَحسَنُكُم قَضَاءً " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ. وَعَن أَبي رَافِعٍ مَولَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: استَسلَفَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بَكْرًا، فَجَاءَتهُ إِبِلٌ مِنَ الصَّدَقَةِ، قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَأَمَرَني رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أَن أَقضِيَ الرَّجُلَ بَكرَهُ، فَقُلتُ: لا أَجِدُ في الإِبِلِ إِلاَّ جَمَلاً خِيَارًا رَبَاعِيًّا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "أَعطِهِ إِيَّاهُ ؛ فَإِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحسَنُهُم قَضَاءً" رَوَاهُ مُسلِمٌ. وَعَن عَبدِاللهِ بنِ رَبِيعَةِ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - استَسلَفَ مِنهُ حِينَ غَزَا حُنَينًا ثَلاثَينَ أَو أَربَعِينَ أَلفًا، قَضَاهَا إِيَّاهُ ثم قَالَ لَهُ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "بَارَكَ اللهُ لَكَ في أَهلِكَ وَمَالِكَ، إِنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الوَفَاءُ وَالحَمدُ" رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • القرض والدين (1/2)
  • القرض والدين (2/2)
  • ضوابط القرض في الشريعة
  • إما القرض الحسن وإلا...
  • القرض وأحكامه
  • فضل القرض الحسن
  • القرض الحسن بوابة الرزق السريع والثواب العظيم والنماء الكبير
  • من فضل القرض الحسن: القرض الحسن كعتق رقبة
  • القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم

مختارات من الشبكة

  • هشام بن حسان ومروياته عن الحسن المرفوعة: جمعا ودراسة (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: المؤمن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (اللطيف، الخبير)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (القاهر، القهار)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الكبير، العظيم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مراتب الفضل والرحمة في الجزاء الرباني على الحسنة والسيئة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (القوي، المتين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسماء الله الحسنى من خلال الجزء (السابع والعشرون) اسم الله (البر والرحيم) (WORD)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (القريب، المجيب)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (القدوس، والسلام)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • تيوتشاك تحتضن ندوة شاملة عن الدين والدنيا والبيت
  • مسلمون يقيمون ندوة مجتمعية عن الصحة النفسية في كانبرا
  • أول مؤتمر دعوي من نوعه في ليستر بمشاركة أكثر من 100 مؤسسة إسلامية
  • بدأ تطوير مسجد الكاف كامبونج ملايو في سنغافورة
  • أهالي قرية شمبولات يحتفلون بافتتاح أول مسجد بعد أعوام من الانتظار
  • دورات إسلامية وصحية متكاملة للأطفال بمدينة دروججانوفسكي
  • برينجافور تحتفل بالذكرى الـ 19 لافتتاح مسجدها التاريخي
  • أكثر من 70 متسابقا يشاركون في المسابقة القرآنية الثامنة في أزناكاييفو

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 8/2/1447هـ - الساعة: 16:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب