• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مواقع المشرفين   مواقع المشايخ والعلماء  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حديث: أمر رجلا أن يضع يده عند الخامسة على فيه ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    أربع من الجاهلية..
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    قراءات اقتصادية (61): اليهود والعالم والمال
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    خطبة المولد
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    مفهوم المنهج الدراسي من منظور إسلامي
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الحمد لله (3) حمد الله تعالى نفسه
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    شرح جامع الترمذي في السنن (المستحاضة تجمع بين ...
    الشيخ أ. د. سعد بن عبدالله الحميد
  •  
    حلق رأس المولود حماية ووقاية في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    هديه -صلى الله عليه وسلم- في التداوي بسور مخصوصة
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    فوائد وعبر من قصة قارون (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    من محاسن الدين الإسلامي وجود بدائل لكل عمل صالح ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    من وسائل صناعة الكراهية بين الثقافات: الاستشراق ...
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    وسائل صناعة الكراهية بين الثقافات: الاستشراق ...
    أ. د. علي بن إبراهيم النملة
  •  
    صفر.. والحر..
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    العناية بالشفتين في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

محن في أجوافها منح

الشيخ عبدالله بن محمد البصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/2/2017 ميلادي - 8/5/1438 هجري

الزيارات: 14906

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

محن في أجوافها منح

 

أَمَّا بَعدُ، فـ ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، في عَالَمٍ تَتَوَالَى أَحدَاثُهُ وَتَتَسَارَعُ فِتَنُهُ، وَأَزمِنَةٍ يَشتَدُّ فِيهَا البَلاءُ بِالمُسلِمِينَ وَتَحُلُّ بِهِمُ النَّكَبَاتُ، وَتُحِيطُ بِهِمُ الأَزَمَاتُ حَتَّى لَتَكُونُ قَرِيبًا مِن دِيَارِهِم أَو تَحُلُّ فِيهَا قَصدًا مِن أَعدَائِهِم، لا بُدَّ أَن يَكُونَ في نَفسِ كُلِّ مُسلِمٍ بَقِيَّةٌ مِن فَألٍ حَسَنٍ، وَرُؤيَةٌ مِلؤُهَا الاستِبشَارُ بِأَنَّ بَعدَ كُلِّ لَيلٍ فَجرًا، وَعَقِبَ كُلِّ ظُلمَةٍ نُورًا، وَخَلفَ كُلِّ رِيَاحٍ غَيثًا؛ فَقَد كَانَ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يُعجِبُهُ الفَألُ الحَسَنُ وَيُحِبُّ أَن يَسمَعَ الكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ.

 

نَعَم - أَيُّهَا الإِخوَةُ - لا بُدَّ مِنَ التَّفَاؤُلِ وَإِن ظَهَرَ انقِلابٌ في المَوَازِينِ، أَو تَعَالى البَاطِلُ قَلِيلاً وَتَكَبَّرَ وَانتَفَشَ؛ ذَلِكُم أَنَّ مِن سُنَنِ اللهِ العَظِيمَةِ أنْ لا هَيمَنَةَ مُطلَقَةً في العَالَمِ إِلاَّ لَهُ - سُبحَانَهُ -، وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِهِ ﴿ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الرعد: 16] ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 18] فَلا مُعَسكَرَ شَرقِيًّا وَلا غَربِيًّا، وَلا قُوَّةَ عُظمَى وَلا صُغرَى، وَلَكِنَّهُ إِملاءٌ مِنَ اللهِ القَائِلِ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِ ﴾ [الأعراف: 183] وَهُوَ - تَعَالى - يُجرِي أَقدَارَهُ في خَلقِهِ بِحِكمَةٍ بَالِغَةٍ، وَيَمكُرُ بِأَعدَائِهِ وَيَجعَلُ تَدبِيرَهُم تَدمِيرَهُم، وَيرُدُّ كَيدَهُم في نُحُورِهِم ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 30] ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا ﴾ [الطارق: 15، 16] ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ [الحج: 62].

 

نَعَم - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - تَتَغَيَّرُ المَوَازِينُ في العَالَمِ وَتَتَقَلَّبُ الأَحوَالُ، وَتَذهَبُ حُكُومَاتٌ وَتَجِيءُ أُخرَى، وَتَتَبَدَّلُ قِيَادَاتٌ وَتَتَحَوَّلُ زَعَامَاتٌ، وَيَمضِي حِزبٌ وَيَتَوَلَّى الأَمرَ آخَرُ، وَتَتَعَدَّدُ الأَهدَافُ وَتَختَلِفُ الغَايَاتُ، وَتَتَنَوَّعُ الحُرُوبُ وَيَزدَادُ الصَّدُّ عَن سَبِيلِ اللهِ، وَلَكِنَّ اللهَ - تَعَالى - بَاقٍ لا يَزُولُ وَلا يَحُولُ ﴿ هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ [غافر: 65] ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 26، 27] وَمَا دَامَ الوَاحِدُ - سُبحَانَهُ - بَاقِيًا ﴿ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ﴾ [الرعد: 41] فَإِنَّ الحَقَّ لَن يَزَالَ أَبلَجَ ظَاهِرًا، وَسَيَظَلُّ البَاطِلُ لَجلَجَ مُضمَحِلاًّ، وَسَيَبقَى نُورُ اللهِ هُوَ الأَعلَى وَالأَجلَى، وَدِينُهُ هُوَ الأَقوَى وَالأَنقَى ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [المنافقون: 8] وَأَمَّا كَيدُ الكُفَّارِ وَمَن يَسِيرُ في ظِلِّهِم وَيَتَقَوَّى بِهِم، فَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ أَذًى ﴿ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ﴾ [آل عمران: 111] ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 32، 33].

 

وَلَقَد وُجِّهَت لِلإِسلامِ وَالمُسلِمِينَ وَمَا زَالَت تُوَجَّهُ أَسهُمٌ طَائِشَةٌ وَمِن أَقوَاسٍ مُختَلِفَةٍ، فَغُزُوا بِالقَنَوَاتِ الفَضَائِيَّةِ وَالبَثِّ المُبَاشِرِ، ثم بِبَرَامِجِ التَّوَاصُلِ وَمَا فِيهَا مِن تَصوِيرٍ وَنَقلٍ حَيٍّ وَإِغرَاءٍ، وَأُلقِيَت عَلَيهِمُ الشُّبُهَاتُ وَصُبَّتِ الشَّهَوَاتُ صَبًّا، وَدُعُوا لِلفَسَادِ مِن كُلِّ جَانِبٍ وَصَوبٍ، وَلم يَبقَ بَيتٌ إِلاَّ وَصَلَتهُ العَولَمَةُ بِقَضِّهَا وَقَضِيضِهَا، وَلا دَارٌ إِلاَّ سَكَنَتهَا بِجَمِيلِهَا وَقَبِيحِهَا، وَتُحَرَّكُ هُنَا وَهُنَاكَ نَعَرَاتٌ وَتُؤَجَّجُ عَصَبِيَّاتٌ، وَتُثَارُ عُنصُرِيَّاتٌ وَتُبعَثُ قَبَلِيَّاتٌ، وَتُنَظَّمُ بَرَامِجُ مُفَاخَرَةٍ وَمُسَابَقَاتُ مُزَايَنَةٍ، وَيُشغَلُ النَّاسُ بِاللَّهوِ البَاطِلِ وَالتَّرفِيهِ غَيرِ البَرِيءِ، وَتُملأُ أَوقَاتُهُم بِالتَّوَافِهِ مِنَ غِنَاءٍ وَتَمثِيلٍ وَعُرُوضٍ مَسرَحِيَّةٍ، وَيُدعَونَ لِلمَهرَجَانَاتِ المُختَلَطَةِ وَالحَفَلاتِ المَاجِنَةِ وَالسَّهَرَاتِ الهَابِطَةِ، الَّتي تَهدِفُ إِلى إِخرَاجِهِم مِن بُيُوتِهِم وَجَمعِهِم مُختَلِطِينَ؛ لِفَتنِهِم وَتَغيِيرِ مَا في قُلُوبِهِم، وَنَزعِ التَّدَيُّنِ مِن صُدُورِهِم، وَلَكِنَّ كُلَّ هَذِهِ القَوَاطِعَ الَّتي تُبنَى دُونَ الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ، وَتِلكَ العَوَائِقَ الَّتي تُوضَعُ في الطَّرِيقِ القَوِيمِ، لا تَعدُو أَن تَكُونَ مَحَارِقَ تَلتَهِمُ نِيرَانُهَا السُّفَهَاءَ، وَعَوَاصِفَ تَبتَلِعُ الغَوغَاءَ، وَأَمَّا الصَّفوَةُ مِن عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ المُصلِحِينَ، فَلا يَزدَادُونَ إِلاَّ تَأَلَّقًا، وَلا مَعَادِنُهُم إِلاَّ لَمَعَانًا، يَذهَبُ الزَّبَدُ وَتَطِيرُ بِهِ الرِّيَاحُ، وَيَبقَى مَا يَنفَعُ النَّاسَ وَيَمكُثُ في الأَرضِ ﴿ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الرعد: 17].

 

وَأَمَّا الحُرُوبُ المُعلَنَةُ وَالأَزَمَاتُ المُفتَعَلَةُ، وَسِيَاسَاتُ التَّقتِيلِ وَالتَّنكِيلِ وَالحَظرِ وَالتَّجوِيعِ، فَقَد مُورِسَت مَعَ المُسلِمِينَ كُلِّهِم إِلاَّ مَن رَحِمَ اللهُ، وَلَم يَبقَ بَلَدٌ مَن بُلدَانِهِم إِلاَّ وَذَاقَ مِنهَا مَا ذَاقَ، وَمَا زَالَ الأَعدَاءُ مَاضِينَ فِيهَا وَلَن يَزَالُوا كَمَا قَالَ اللهُ - تَعَالى -: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ﴾ [البقرة: 217] وَرَغمَ تَعَدُّدِ تِلكَ الحُرُوبِ وَقُوَّتِهَا، وَتَفَانِيهِم في الإِعدَادِ لَهَا، وَمَا نَتَجَ عَنهَا مِن قَتلِ آلافِ المُسلِمِينَ وَتَدمِيرِ دِيَارٍ بِأَكمَلِهَا وَهَدَمِ بُيُوتٍ عَلَى أَهلِهَا، وَتَشرِيدِ سُكَّانٍ وَتَبدِيدِ ثَرَوَاتٍ، وَإِضعَافِ دُوَلٍ وَحُكُومَاتٍ، إِلاَّ أَنَّهَا لم تَعْدُ أَن تَكُونَ مِحَنًا اشتَمَلَت عَلَى مِنَحٍ، وَرَزَايَا لم تَخلُ مِن عَطَايَا، وَبَلايَا تَضَمَّنَت هَدَايَا، وَكَم مِن تَصَرُّفِ كَافِرٍ أَخرَقَ أَوِ اندِفَاعِ فَاجِرٍ أَحمَقَ، أَرَادَ بِهِ إِطفَاءَ نُورِ اللهِ وَإِضعَافِ وَهَجِ الإِيمَانِ في قُلُوبِ عِبَادِ اللهِ، وَقَصَدَ بِهِ إِيقَافَ مَدِّ الإِسلامِ وَتَحجِيمِهِ، فَكَانَت نَتِيجَتُهُ عَكسَ مَا أَرَادَ، وَتَحَقَّقَ مَا ثَبَتَ عَنهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في الصَّحِيحَينِ حَيثُ قَالَ: "وَإِنَّ اللهَ لَيُؤَيِّدُ هذا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الفاجِرِ" نَعَم، لَقَد تَحَرَّكَت في قُلُوبِ المُؤمِنِينَ الغَيرَةُ، وَاستَيقَظَت في نُفُوسِهِمُ النَّخوَةُ، وَأَدرَكَتهُمُ الحَمِيَّةُ وَعَادَت إِلَيهِمُ الأَنَفَةُ، وَمَلَكَتهُمُ العِزَّةُ وَقَوِيَت فِيهِمُ الهِمَّةُ، فَهَبُّوا لِلدِّفَاعِ عَن دِينِهِم وَحِمَايَةِ أَوطَانِهِم، وَالذَّبِّ عَن أَغلَى مَا يَملِكُونَ بَينَ جَوَانِحِهِم، وَقَامُوا للهِ جَمَاعَاتٍ وَأَفرَادًا، وَانطَلَقُوا يَدعُونَ إِلى اللهِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ، وَنَشِطُوا يُظهِرُونَ مِن صَحِيحِ العَقَائِدِ وَجَلِيلِ السُّنَنِ وَمَتِينِ الدِّينِ وَرَاسِخِ القِيَمِ، مَا لم يَخطُرْ لِمُحَارِبِهِم عَلَى بَالٍ، بَل إِنَّ اجتِمَاعَ بَعضِ الكُفَّارِ عَلَى حَربِ الدِّينِ، وَسَيرِ بَعضِ فَسَقَةِ المُسلِمِينَ في طَرِيقِهِم وَاتِّبَاعِهِم نَهجَهُم، فَتَحَ عُيُونًا مُغمَضَةً، وَلَفَت قُلُوبًا غَافِلَةً، إِلى أُمُورٍ لم يَكُنْ غَيرُ المُسلِمِينَ عَلَى عِلمٍ بها وَلا دِرَايَةٍ، فَعَلِمُوا أَنَّ ثَمَّةَ دِينًا عَظِيمًا وَمَبَادِئَ كَرِيمَةً، وَقِيَمًا عَالِيَةً وَأُصُولاً رَاسِخَةً، وَإِلاَّ لَمَا أُزهِقَت في سَبِيلِ حِفظِهَا نُفُوسٌ، وَلا أُذهِبَت لِلإِبقَاءِ عَلَيهَا أَروَاحٌ، وَلا أُنفِقَت لِنَشرِهَا أَموَالٌ، وَلا بُذِلَت لِبَثِّهَا جُهُودٌ وَلا قُضِيَت أَوقَاتٌ، فَتَعَاطَفَ بَعضُهُم مَعَ المُسلِمِينَ، وَرَاحُوا يُنَدِّدُونَ بِالحُرُوبِ المُوَجَّهَةِ إِلَيهِم، وَاستَثَارَتِ الأَحدَاثُ آخَرِينَ فَجَعَلُوا يَبحَثُونَ وَيَتَسَاءَلُونَ، وَيَقرَؤُونَ وَيَطَّلِعُونَ، وَيَتَوَاصَلُونَ وَيُنَاقِشُونَ، فَلَرُبَّمَا وَصَلَ بَعضُهُم إِلى الحَقِيقَةِ فَاعتَنَقَهَا وَدَخَلَ في دِينِ اللهِ مُقتَنِعًا، وَاهتَزَّت قَنَاعَةُ آخَرِينَ بما هُم عَلَيهِ هُم وَقَومُهُم مِن ضِلالٍ، وَزَهِدُوا فِيمَا هُم فِيهِ مِن ضِيَاعٍ، فَوَقَعَت في نُفُوسِهِم أَسئِلَةٌ عَدِيدَةٌ، وَبَدَت لَهُم عَلامَاتُ استِفهَامٍ كَثِيرَةٌ، وَعَزَمُوا عَلَى دِرَاسَةِ القُرآنِ وَالبَحثِ في سُنَّةِ نَبيِّ الإِسلامِ، فَكَانَ مِنهُم خُدَّامٌ لِلإِسلامِ نَاشِرُونَ لِلحَقِّ، إِمَّا عَن مَحَبَّةٍ وَقَنَاعَةٍ، وَإِمَّا عَن وُقُوفٍ مِنهُ مَوقِفَ العَدلِ وَالتَّوسُّطِ، أَوِ الانبِهَارِ وَانَقِطَاعِ الحُجَّةِ، وَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لم يَكُنِ الإِسلامُ لِيَضعُفَ لَولا ضَعفُ المُسلِمِينَ عَن تَبلِيغِهِ وَنَشرِهِ، وَلم يَكُنْ لِجَذوَتِهِ أَن تَخبُوَ لَولا تَأَخُّرُهُم في بَثِّ مَبَادِئِهِ وَأُصُولِهِ، وَمَا كَانَ لِيَتَوَقَّفَ لَولا تَهَاوُنُهُم في الدَّعوَةِ إِلَيهِ وَتَرغِيبِ النَّاسِ فِيهِ، وَإِلاَّ فَلَو كَانُوا لَهُ خَيرَ سُفَرَاءَ في كُلِّ مُنَاسَبَةٍ، وَعَمِلُوا عَلَى إِيصَالِهِ بِكُلِّ طَرِيقَةٍ مَشرُوعَةٍ، وَاستَثمَرُوا الوَسَائِلَ الَّتي يَغزُوهُمُ الكُفَّارُ عَن طَرِيقِهَا وَخَاصَّةً وَسَائِلَ الاتِّصَالِ وَبَرَامِجَ التَّوَاصُلِ، فَحَوَّلُوهَا إِلى قَنَوَاتٍ لِنَشرِ الخَيرِ وَتَبلِيغِ دِينِ اللهِ عَبرَهَا، لَمَا بَقِيَ بَيتٌ إِلاَّ دَخَلَهُ الإِسلامُ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَو بِذُلِّ ذَلِيلٍ، وَهُوَ الأَمرُ العَظِيمُ وَالوَعدُ الصَّادِقُ الكَائِنُ وَلا مَحَالَةَ، عَلَى أَيدِي مَن يَصطَفِيهِ اللهُ لَهُ مِنَ المُسلِمِينَ اليَومَ أَو غَدًا، مَتى مَا وُجِدَ الرِّجَالُ المُمتَثِلِينَ لأَمرِ إِمَامِهِم - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - القَائِلِ فِيمَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ: " بَلِّغُوا عَنِّي وَلَو آيَةً " وَالقَائِلِ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ: " نَضَّرَ اللهُ امرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوعَى مِن سَامِعٍ " فَاللَّهُمَّ يَا رَبَّنَا وَيَا مَولانَا، اِجعَلْنَا مِمَّن آمَنَ بِكَ فَزِدتَهُ، وَتَوَكَّلَ عَلَيكَ فَحَفِظتَهُ، وَأَنَابَ إِلَيكَ فَقَبِلتَهُ، وَدَعَاكَ فَأَجبَتَهُ، وَدَعَا إِلَيكَ فَثَبَّتَّهُ...

♦ ♦ ♦

 

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَأَطِيعُوا أَمرَهُ وَاجتَنِبُوا نَهيَهُ، وَتَمسَكُوا بِدِينِكُم وَعَضُّوا بِالنَّوَاجِذِ عَلَى إِسلامِكُم، وَاحفَظُوا إِيمَانَكُم وَحَصِّنُوا قُلُوبَكُم، وَكُونُوا مِن أَنصَارِ اللهِ كَمَا أَمَرَكُم رَبُّكُم ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ﴾ [الصف: 14].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، لَقَد عَانَتِ الأُمَّةُ مِنَ النَّكَبَاتِ وَالمَصَائِبِ مَا عَانَت، وَمَا زَالَت تُعَاني زَمَانًا بَعدَ زَمَانٍ وَحِينًا بَعدَ حِينٍ، حَتَّى أَصَابَ بَعضَ أَبنَائِهَا مِنَ الخُمُولِ وَاليَأسِ وَانتِظَارِ النِّهَايَةِ المُخزِيَةِ مَا أَصَابَهُم، وَاستَسلَمَ مِنهُم لِلفِتَنِ مَنِ استَسلَمَ، وَلَكِنَّهَا بَقِيَت بَينَ تِلكَ الجُمُوعِ بَقِيَّةٌ بَل بَقَايَا بَل جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ، مَا زَالَت وَلَن تَزَالَ بِحَمدِ اللهِ قَائِمَةً بِأَمرِ رَبِّهَا، مُتَمَسِّكَةً بِدِينِهَا، نَاذِرَةً لِخَدمَتِهِ نُفُوسَهَا، بَاذِلَةً في سَبِيلِ نَشرِهِ جُهُودَهَا، دَاعِيَةً إِلَيهَ بِحِكمَةٍ وَعلى بَصِيرَةٍ، مُهتَدِيَةً بِقَولِهِ - تَعَالى -: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125] وَقَولِهِ: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾ [يوسف: 108] آمِرَةً بِالمَعرُوفِ نَاهِيَةً عَنِ المُنكَرِ كَمَا وَصَفَهَا رَبُّهَا القَائِلُ: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110] نَاشِرَةً لِلعِلمِ ذَابَّةً عَنِ الشَّرعِ، وَاقِفَةً في وَجهِ كُلِّ تَغيِيرٍ سَيَّئٍ، مُحَارِبَةً لِكُلِّ انحِرَافٍ وَانجِرَافٍ، وَصَدَقَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - حَيثُ قَالَ: " لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِن أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ لا يَضُرُّهُم مَن خَذَلَهُم حَتَّى يَأتِيَ أَمرُ اللهِ وَهُم كَذَلِكَ " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ.

 

أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - إِخوَةَ الإِسلامِ - وَلْنَكُنْ عَلَى ثِقَةٍ بِنَصرِهِ لأَولِيَائِهِ وَإِعلائِهِ كَلِمَتَهُ، وَلْنَكُنْ مِن حِزبِهِ الدَّاعِينَ إِلى سَبِيلِهِ؛ فَإِنَّ حِزبَهُ هُمُ المُفلِحُونَ ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من ثمرات المحن
  • محنة إنسان
  • السفر: منح ومحن

مختارات من الشبكة

  • معاوية الملك المحنك(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • محن المسلمين وابتلاؤهم من أنفسهم ومن أعدائهم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صور من محن العلماء(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • نفحات قرآنية (7)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاعتصام بالسنة وسبيل السلف الصالح(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حاجة العباد إلى الصبر على البلاء في زمن الوباء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطوط عريضة عن أبرز المحن التي تعرض لها ابن تيمية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أيها المحزون(مقالة - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • أخبار التراث والمخطوطات (42)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • من رقائق رمضان (منح بعد رمضان)(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد ست سنوات من البناء.. افتتاح مسجد أوبليتشاني في توميسلافغراد
  • مدينة نازران تستضيف المسابقة الدولية الثانية للقرآن الكريم في إنغوشيا
  • الشعر والمقالات محاور مسابقة "المسجد في حياتي 2025" في بلغاريا
  • كوبريس تستعد لافتتاح مسجد رافنو بعد 85 عاما من الانتظار
  • 57 متسابقا يشاركون في المسابقة الرابعة عشرة لحفظ القرآن في بلغاريا
  • طلاب هارفارد المسلمون يحصلون على مصلى جديد ودائم بحلول هذا الخريف
  • المعرض الرابع للمسلمين الصم بمدينة دالاس الأمريكية
  • كاتشابوري تحتفل ببداية مشروع مسجد جديد في الجبل الأسود

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 28/2/1447هـ - الساعة: 8:36
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب