دليل هداية الأسرة المسلمة (PDF)

دَلِيلُ هِدَايةِ الأُسْرَةِ المُسْلِمَةِ

الأسرة المسلمة لبنة في بناء المجتمع الإسلامي الكبير، لهذا حرص ديننا الحنيف على الاهتمام بها اهتماماً بالغ الشأن، وَعَدَّ ذلك من أُمهات الأمور التي يجب أن يهتم بها المسلمون ويكرسوا لها جهودهم، ولم يكن لإعداد الرجال القادة والعلماء والدعاة في الأُسر المسلمة إِلاّ مِنْ قبيل هذا الاهتمام، لهذا كله انبرى المربون الإسلاميون بكل جدية وإخلاص في إعداد مناهج متطورة وفق المنظور العلمي السليم لتربية وبناء الأُسرة المسلمة، فاهتـم بعضهم بتربية الأطفال حصراً، وصنف تناول مرحلة من مراحل التكوين الشخصي والنفسي للمسلم، وآخر اهتم بالأسرة بصورة عامة، فوضع كل واحد من هؤلاء منهجاً يتناسب والمرحلة التي يعيشها المسلم، منهـا المختصر ومنها المطول، حرصاً منهم على إضفاء الصبغة الإسلامية على الأُسرة وإعدادها إعداداً يتلاءم وواقعها الذي تعيش فيه، فتفننوا بالأسلوب وطريقة العرض، فاختاروا لها الوسائل الإيضاحية والجداول البيانية، وكذلك انتقوا العبارات المرغبة البسيطة، كل هذا لأجل أن يتناولها المسلمون بسهولة ويسر، فيحسنون تربية أسرهم ويحفظونها من الانتكاس والإرتكاس، وتكون لهم وقاية وحماية حصينة ضد الزحف الفكـري اللاخلاقي المدّمر الشرقي أو الغربي.

إن تدهور التربيـة وانحطاطها في أُسرنا المسلمة يرجع لأسباب شتى، منها جهل المربي بالإسلام ومبادئه وتعاليمه، وجهله أيضاً بمخططات أعداء الإسلام التي يوجهونها ضد الأُسرة المسلمة، أو عدم إدراكه للتربية المجدية الملائمـة التي يجب أن يسير عليها في توجيه أبنائه، فهو يجهل التركيب النفسي والاجتماعي للجيل الناشئ من الأمراض الحضارية الجديدة والمعقدة، وهناك من المربين من يجعل من القسوة سبيلاً إلى التربية، فيؤدي بذلك إلى انحراف الأبناء وتنكبهم الطريق المعوج، وبعض الآباء يقيم محكمة عرفية يحاكم فيها أبناءه لكل خطأ يرتكبونه، فيتعامل معهم على ضوء النظرة التعسفية القديمة التي تقول : (إياك أن تتبسم في وجه أولادك وزوجك، كي لا يضيع وقارك وتسقط هيبتك)، ويحاذر من أن يقيم بينه وبينهم أية علاقة حميمة، فيبقى الجفاء بينهم قائماً والهوة واسعة، عندئذ تجد الأبناء يعيشون عالمين في آن واحد، عالم داخل البيت (تمثيل وكذب) وخارج البيـت (غش وخداع وتلاعب وربما إجرام)، فلا يعرف الأب عن أبنائه إِلاّ الصورة الوديعة المكذوبة، وما يخفونه عنه مصائب ونكسات، وثمة سبب آخر لا يقل شأناً عن سابقه، وهو: معاملة الزوج القاسية الظالمة لزوجته والخالية من السكون الزوجي والأخلاق الإسلامية الفاضلة،والتي تكون سبباً في أن تضع الحواجز بين الأولاد وأبيهم.

وربما يكون السبب أيضاً اختياره السيء لزوجته رغم تشدده الإسلامي ومعرفته لمبادئه وتعاليمه، ومن الأسباب المهمة هي ترك الحبل على الغارب في أنْ يتصرف الأبناء كيفما شاءوا من غير مراقبة ومتابعة، لهذا كان من الأولى أن يتصف المربي بصفات النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في تعامله مع نسائه كما هي في سيرته، إن كان حريصاً على بناء أسرة إسلامية طيبة متماسكة.

وربُّ الأسرة الناجح لا يغفل أبداً في أن يضع لكل مرحلة من مراحل التكوين خطة محبوكة تتناسب وتعاليم الإسلام الحنيف،

وعلى المربي أيضاً أن يتعاون مع غيره من أهل الخبرة والدراية والصلاح ، وذلك بوضع مفردات عامة وخطوطاً عريضة كي يسير عليها في قابل الأيام.

ولأجل أن نكبح جماح التمرد الأسري والانحراف المقيت في كل زمان، فلابد من أن ينهض الآمرون بالمعروف والناهـون عن المنكر وأن يشمروا عن ساعد الجد لهذه المهمة الخطيرة، والله سبحانه سيبارك سعيهم ويكلله بالنجاح إنه القادر على ذلك.

وبحثنا هذا (دليل هداية الأسرة المسلمة) يتناول موضوع التربية الأسرية بكل مراحلها، وبشكل ميسر ومختصر.