• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | المكتبة المرئية   المكتبة المقروءة   المكتبة السمعية   مكتبة التصميمات   المكتبة الناطقة   كتب د. خالد الجريسي   كتب د. سعد الحميد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الذبح والنذر والركوع والسجود لغير الله تعالى، ...
    غادة صالح سليمان الدواس
  •  
    القول الأبلغ على القواعد الأربع - باللغة ...
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الاستسقاء: أصله.. وأنواعه
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    مشروع براعم السنة - أحاديث التوحيد (PDF)
    جمعية مشكاة النبوة
  •  
    فريضة الحج
    جمعية مشكاة النبوة
  •  
    كلام ابن الصلاح على كتاب الصحاح
    الشيخ عايد بن محمد التميمي
  •  
    تخريج الفروع على الأصول من كتاب شرح الزركشي على ...
    عبدالسلام بن محمد البراك
  •  
    زاد المسلم في أذكار الصباح والمساء (PDF)
    منصة دار التوحيد
  •  
    ربحت الإسلام دينا ولم أخسر إيماني بالمسيح عليه ...
    محمد السيد محمد
  •  
    المدخل إلى علم السيرة النبوية (PDF)
    رضا أحمد السباعي
  •  
    هل ثبت عن شيخ الإسلام ابن تيمية طعنه في أمير ...
    محمد زياد التكلة
  •  
    قصص القرآن والسنة دروس وعبر: نبي الله سليمان وقصة ...
    الشيخ الدكتور سمير بن أحمد الصباغ
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

جمال الإحسان إلى الجيران (خطبة)

جمال الإحسان إلى الجيران (خطبة)
السيد مراد سلامة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/12/2025 ميلادي - 23/6/1447 هجري

الزيارات: 15

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

جمال الإحسان إلى الجيران

 

الخطبة الأولى

أما بعد أيها الإخوة الكرام:

فدين الإسلام لم يُعادِ الجمال، بل سما به، ولِمَ لا؟ والله تعالى جميل يحب الجمال؛ فالجمال صفة من صفات الله عز وجل، فالله سبحانه جميل؛ جميل في ذاته، جميل في أسمائه، جميل في أفعاله، جميل في صفاته، يحب الجمال، ويحب من عباده الاتصاف بالتجمل؛ عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى جميل))[1]: أي حسن الأفعال، كامل الأوصاف، وقال المناوي: له الجمال المطلق، ومن أحق بالجمال ممن كل جمال في الوجود مِن آثار صنعته؛ فله جمال الذات، وجمال الصفات، وجمال الأفعال، ولولا حجاب النور على وجهه، لأحرقت سُبحات وجهه ما انتهى إليه من خلقه، ((يحب الجمال))؛ أي: التجمل منكم في الهيئة، أو في قلة إظهار الحاجة لغيره، وسر ذلك أنه كامل في أسمائه وصفاته، فله الكمال المطلق[2].

 

((إن الله جميل)) جَمَعَ الجمال كله، فالجمال منه وإليه؛ جمال لا تحيطه العقول، ولا تدركه الفهوم، ولا يمكن أن يصفه الواصفون، أو أن يبلغ كُنْهَهُ الناعتون، له المثل الأعلى؛ ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11].

 

واعلموا أن كلَّ شيء جميلٌ ما دام محاطًا بسياج الشرع الحكيم، والجمال في الأشياء من نِعم الله تعالى علينا، ولقد ذكَّرنا سبحانه ببعض سُبحات الجمال في مخلوقاته الكونية التي سخرها لنا؛ ومنها خلق النبات والحدائق المبهجة؛ قال تعالى: ﴿ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ ﴾ [النمل: 60]، وقوله سبحانه: ﴿ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ﴾ [الأنعام: 99]، وقوله: ﴿ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ ﴾ [ق: 10].

 

وكذا الجمال في خلق الحيوان؛ قال تعالى: ﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 5 - 8]، وقال: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 17 - 20].

 

•جمال الإحسان إلى الجيران في القرآن:

إخوة الإيمان: ومن بساتين الجمال نقتطف وردةَ الإحسان إلى الجيران، لنرى نضرتها وجمالها ولنشَمَّ عبيرها وأريجها، ونتذوق حلاوتها.

 

إن الإسلام - أيها الكريم - قد وضع دعائم الجمال الاجتماعي، والجمال السلوكي مع الجيران، حتى يؤسِّس مجتمعًا يبهر العيون ويأخذ بالألباب، مجتمعًا متآلفًا متحابًّا، تعالَ لترى ذلك الجمال الذي يبلغ بك ذروة الكمال؛ قال الكبير المتعال: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ [النساء: 36].

 

• يقول القرطبي رحمه الله: "قوله تعالى: ﴿ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ ﴾ [النساء: 36]، أما الجار فقد أمر الله تعالى بحفظه والقيام بحقه، والوصاة برعيِ ذمته في كتابه وعلى لسان نبيه؛ ألَا تراه سبحانه أكَّد ذكره بعد الوالدين والأقربين؛ فقال تعالى: ﴿ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ﴾ [النساء: 36]؛ أي: القريب، ﴿ وَالْجَارِ الْجُنُبِ ﴾ [النساء: 36]؛ أي: الغريب؛ قاله ابن عباس، قوله تعالى: ﴿ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ﴾ [النساء: 36]: هو الذي بينك وبينه قرابة، وقيل: هو الذي قرُب جواره، وقيل: المسلم، وقيل: الزوجة.

 

وقوله: ﴿ وَالْجَارِ الْجُنُبِ ﴾ [النساء: 36]: قيل: هو الذي يُعَد في العرف جارًا وبينك وبين منزله فسحة.

 

وقيل: هو الذي ليس بينك وبينه قرابة، وقيل: الزوجة، وقيل: غير المسلم"[3].

 

•جمال الإحسان إلى الجيران في سُنة النبي العدنان:

جمال الإحسان إلى الجار يتجلَّى في توثيق الروابط الاجتماعية، وزيادة المحبة بين الناس، وتطهير المجتمع من الحقد وسوء الظن، مما يؤدي إلى تماسك المجتمع وزيادة الأُلفة.

 

وها هو النبي المختار عليه الصلاة والسلام يخبرنا عن وصية جبريل عليه السلام بالجار، فكلما جاء جبريل فهو يوصي النبي صلى الله عليه وسلم، حتى خُيِّل للنبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل سيجعل للجار في الميراث حقًّا؛ عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما زال يوصيني جبريل بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه))[4].

 

يقول بدر الدين العيني رحمه الله: "قوله: سيورثه أي سيجعله قريبًا وارثًا، وقيل معناه؛ أي: يأمرني عن الله بتوريث الجار من جاره، وهذا خرج مخرج المبالغة في شدة حفظ حق الجار"[5].

 

•الحجب والحرمان من دخول الجِنان لمن آذى الجيران:

واعلم - علمني الله وإياك – أن من قبيح الخِلال التي تشوِّه صورة الجمال في الإسلام أذيةَ الجيران، فأقبح بإنسانٍ يسيء إلى جاره، وأقبِح بإنسانٍ لا يعلم للجار عليه حقًّا، ولا يحمي له عِرضًا، ولا يحفظ له مالًا، إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الله تعالى يحجب من آذى جاره عن جنته؛ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه))[6].

 

قل لي يا من تؤذي جارك: أين جمال أخلاقك الذي يزين ظاهرك؟

قل لي يا من تؤذي جارك: أين جمال إيمانك الذي يزين باطنك؟

قل لي يا من تؤذي جارك: قد تكون جميلَ الوجه، جميل الثياب، ولكنك قبيح الأفعال.

جمال الوجه في قبح نفسٍ كقنديل على قبر مجوسي.

 

وهل ينفع الفتيان حُسن وجوههم، إذا كانت الأخلاق غير حِسانِ؟

ومن قايس بين الجمال والفِعال، تبين له أن المَلاحة بالقباحة لا تفي بالمقصود، فلله ماذا يعني لِباس المظهر إذا كان المَخبر عاريًا، باديةً للناس سوءته؟ قال الله تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾ [الأعراف: 26].

 

نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أذى الجار، وعدَّ أذية الجار من أسباب نقصان الإيمان؛ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقُل خيرًا أو ليصمت))[7].

 

الأمر بإكرام الجار:

إكرام الجار دليل أيضًا على رسوخ الإيمان بالله تعالى، ورجاء ما عنده من أجر وثواب، ودليل واضح على جمال فاعله، فكل إناء بما فيه ينضح.

ليس الجمال بأثواب تزيننا
إن الجمال جمال العقل والأدبِ
ليس اليتيم الذي قد مات والده
إن اليتيم يتيم العلم والأدبِ

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه))[8].

 

وقوله: ((فليكرم جاره)) يدخل فيه إكرام الجار بالألفاظ الحسنة، وإكرام الجار بحفظه في أهله، وحفظه في عِرضه، وعدم الاطِّلاع على مسكنه، ويدخل في هذا حفظ الجار في أداء الحقوق العامة له؛ في الجدار الذي بينهما، أو النوافذ التي تُطل على الجار، أو في موقف السيارات مثلًا، أو في اعتداء الأطفال، أو ما أشبه ذلك، ويدخل فيه أيضًا أن يُكرم الجار في المطعم والملبس، وأشباه ذلك؛ يعني أنه إذا كان عنده طعامٌ فإنه يُطعم جاره منه؛ وقد كان عليه الصلاة والسلام ربما طُهي في بيته بعض اللحم فقال: ((أرسلوا لجارنا اليهودي من مرقة هذا اللحم))، وهذا في حق الجار الكافر؛ ولهذا رأى طائفة من أهل العلم كأحمد في رواية، وكغيره، أن إكرام الجار في هذا الحديث عام يدخل فيه إكرام الجار المسلم، وإكرام الجار الكافر، وإكرام الجار المسلم له حقَّان: لإسلامه ولجواره.

 

فإذًا إكرام الجار كلمة عامة يدخل فيها:

• أداء ما له من الحقوق.

• وكف الأذى عنه.

• وبسط اليد له بالطعام وما يحتاجه.

 

وهذا أيضًا مع قول الله جل وعلا: ﴿ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ [الماعون: 6، 7]، والماعون هو ما يُحتاج إليه في الإعارة، ﴿ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ [الماعون: 7]؛ يعني يمنعون ما يحتاج إليه المسلمون في الإعارة، فإذا احتاج جارك إلى أن تُعيره شيئًا من أدوات الطهي، أو شيئًا من أدوات المنزل، أو من الأثاث، أو ما أشبه ذلك، فإن من إكرامه أن تعطيه ذلك، أما إذا كان يتعدى على أشيائك، ويتلف المال، فهذا لا يكون له الحق في إكرامه بذلك؛ لأنه مظنة التعدي[9].

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

أما بعد: عباد الله...

•جمال الإحسان إلى الجيران في حياة أهل الإيمان:

 

فاعلموا - بارك الله فيكم - أن مجرد الجمال الظاهر في الصور والثياب لا ينظر الله إليه، وإنما ينظر إلى القلوب والأعمال، فإن كان الظاهر مزينًا مجملًا بحال الباطن، أحبَّه الله، وإن كان مقبحًا مدنسًا بقبح الباطن، أبغضه الله؛ فإنه سبحانه يُحب الحسن الجميل، ويُبغض السيئ الفاحش.

 

وهيا - أيها الأحباب - لنرى الجمال في الفِعال والإحسان إلى الجيران ترجمةً حرفية فورية:

روى أنس رضي الله عنه: ((أن غلامًا يهوديًّا كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرِض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقال: أسلِم، فأسلم)).

 

وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه حيث ذبح شاة فقال: ((هل أهديتم منها لجارنا اليهودي؟ ثلاث مرات، ثم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه))[10].

 

ففهِم هذا الصحابي الجليل من هذا الحديث في حسن معاملة الجار أنه يشمل المسلم والكافر، وفي ظل هذا التوجيه القرآني عاش أهل الكتاب في جوار المسلمين ينعَمون بالأمن والطمأنينة على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، بل لقد وجدوا معاملةً وعدلًا لم يكونوا يجدونها بين أهليهم وبني جنسهم وملتهم، وحين وجدوا تلك المعاملة الحسنةَ والعدلَ والخُلق من المسلمين، أحبُّوا دين الإسلام، وسارعوا إلى الدخول فيه عن قناعة ويقين.

 

وتأمل إلى أحوال أهل الإيمان، كيف كانوا يقابلون أذى الجيران: عن الحسن بن علي رضي الله عنهما: "أن جاره اليهودي انخرق جداره إلى منزل الحسن، فصارت النجاسة تنزل في داره، واليهودي لا يعلم بذلك، فدخلت زوجته يومًا فرأت النجاسة قد اجتمعت في دار الحسن، فأخبرت زوجها بذلك، فجاء اليهودي إليه معتذرًا، فقال: أمرني جَدي صلى الله عليه وسلم بإكرام الجار، فأسلم اليهوديُّ"، وقال الحسن البصري: "ليس حسن الجوار كفَّ الأذى عن الجار، بل حسن الجوار الصبر على أذى الجار"، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُحسن إلى جاره، ومن آذى جاره حرَّم الله عليه الجنة))[11].

 

الإمام أبو حنيفة رحمه الله وجاره:

من المشهور عن مروءته ووفائه ورعايته حقُّ الجوار، ومن جميل أخلاقه رحمه الله ما رُوي أنه كان له جار بالكوفة إسكاف، يعمل نهاره أجمع، حتى إذا جنَّه الليل رجع إلى منزله، وقد حمل معه لحمًا فطبخه أو سمكة فشواها، ثم لا يزال يشرب حتى إذا دبَّ الشراب فيه غنَّى بصوت، وهو يقول:

أضاعوني وأي فتًى أضاعوا
ليوم كريهةٍ وسداد ثغرِ

فلا يزال يشرب ويردد هذا البيت، حتى يأخذه النوم، وكان أبو حنيفة يصلي الليل كله، ففقد صوته، فسأل عنه، فقيل: أخذه العسس منذ ليالٍ، وهو محبوس، فصلى أبو حنيفة صلاة الفجر من غدٍ، وركب بغلة، واستأذن على الأمير، فقال: ائذنوا له، وأقبِلوا به راكبًا، ولا تدَعوه ينزل حتى يطأ البساط، ففعل، فلم يزل الأمير يوسع في مجلسه، وقال: ما حاجتك؟ قال: لي جار إسكاف، أخذه العسس منذ ليالٍ، ويأمر الأمير بتخليته، فقال: نعم، وكل من أُخذ في تلك الليلة إلى يومنا هذا، فأمر بتخليتهم أجمعين، فركب أبو حنيفة، والإسكاف يمشي وراءه، فلما نزل أبو حنيفة مضى إليه، فقال: يا فتى، هل أضعناك؟ فقال: لا، بل حفظتَ ورعيتَ، جزاك الله خيرًا عن حرمة الجوار ورعايته، وتاب الرجل، ولم يعُد إلى ما كان عليه، ببركة الإمام رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وجعل الجنة متقلبه ومثواه، ونفعنا ببركاته وبركات علومه في الدنيا والآخرة[12].

 

وإذا نظرنا إلى أحوال أهل الجاهلية، لرأينا كيف أنهم رغم كفرهم وشركهم، كانوا يحمون ويدافعون عن الجار في حضوره وفي غيابه، فهذا عنترة المشرك يتغنى بمكارم الأخلاق التي تحلَّى بها مع جيرانه:

وإني لأحمي الجار من كل ذلة
وأفرح بالضيف المقيم وأبهجُ[13]

جمال وروعة الإحسان إلى الجار وإن كان من غير الإنسان:

بل لقد غالى العرب وبالغوا في المحاماة عن الجار؛ إذ لم تتوقف محاماتهم عن الجار الإنسان، بل لقد تعدَّوا ذلك، فأجاروا ما ليس بإنسان إذا نزل حول بيوتهم، حتى ولو كان لا يعقِل ولا يستجير؛ مبالغةً في الكرامة والعزة، وتحديًا لأحدٍ أن يُخفِر الجوارَ.

 

حق الجوار حتى مع النمل:

لقد تجلى الجمال - جمال الأخلاق - مع معرفة حقوق غير الآدميين فحفِظوا جوارهم، وبسطوا فضلهم، وحموا جوارهم، فكانوا صورة مشرقة لذلك الدين.

 

كان عدي بن حاتم الطائي صحابيًّا، روى عن النبي ستة وستين حديثًا، وكان إذا ركب فرسه تخُطُّ رجلاه بالأرض، وكان يفتُّ الخبز لمن جاوره من النمل ويقول: "علينا حق الجوار"؛ حكاه النووي في تهذيب الأسماء واللغات[14].

 

مجير الجراد:

وكان أبو حنبل يُقال له "مجير الجراد"، وذلك أنه نزل عليه جراد بفنائه، فعدا الحي إليه فقال لهم: إلى أين؟ فقالوا: أردنا جيرانك جرادًا نزل بفنائك، فقال: أما إذ سميتموه جاري فلا تصلون إليه أبدًا، فأمر قومه أن يسلوا سيوفهم ويمنعوه؛ وفيهم يقول الشاعر:

ومنا ابن مر أبو حنبل
أجار من الناس رجل الجراد[15]

ومنهم من قضى على من قتل حمامة مجاوِرةً للرجل بالدِّيَة:

قدم زياد الأعجم خراسانَ على المهلب، فنزل على حبيب بن المهلب، فجلسا على شراب لهما، وفي الدار شجرة عليها حمامة فجعلت تدعو، فقال زياد الأعجم [من الوافر]:

تغني أنتِ في ذممي وعهدي
بأن لن يذعروك ولن تطاري
إذا غنيتِ فطربت يومًا
ذكرت أحبتي وذكرت داري
فإما يقتلوك طلبت ثأرًا
بقتلهم لأنك في جواري

 

فأخذ حبيب سهمًا فرماها فقتلها، فقال زياد: قتلت جارتي، بيني وبينك المهلب، فأتى المهلب فقال: يا حبيب، ادفع إلى أبي أمامة دية جاره ألف دينار كاملة، فقال حبيب: إنما كنت ألعب، فقال المهلب: ليس مع هذا لعب، جاره جاري بل هو أفضل، فدفع إليه ألف دينار، فقال زياد [من الطويل]:

فلله عينا من رأى كقضية
قضى لي بها شيخ العراق المهلبُ
قضى ألف دينار لجار أجرته
من الطير حضان على البيض يتعبُ
رماه حبيب بن المهلب رمية
فأنفذه بالسهم والشمس تغربُ
فألزمه عقل القتيل "ابن حرة"
فقال حبيب: إنما كنت ألعبُ
فقال زياد: لا يروع جاره
وجاره جاري بل من الجار أقربُ

 

فبلغ الحجاج فقال: "ما أخطأت العرب حين جعلت المهلب رجلها"[16].

 

لا يُحَب أحدٌ لحسنه وجماله فقط، بل لِما فيه من الإيمان وكريم الخِلال:

قال شيخ الإسلام: "وليس في دين الله محبة أحد لحسنه قط؛ فإن مجرد الحسن لا يُثيب الله عليه ولا يُعاقب، ولو كان كذلك كان يوسف عليه السلام لمجرد حسنه أفضل من غيره من الأنبياء لحسنه، وإذا استوى شخصان في الأعمال الصالحة، وكان أحدهما أحسن صورةً، وأحسن صوتًا، كانا عند الله سواءً؛ فإن ((أكرم الخلق عند الله أتقاهم))، يعم صاحب الصوت الحسن والصورة الحسنة، إذا استعمل ذلك في طاعة الله دون معصيته، كان أفضل من هذا الوجه، كصاحب المال والسلطان، إذا استعمل ذلك في طاعة الله دون معصيته؛ فإنه بذلك الوجه أفضل ممن لم يشركه في تلك الطاعة، ولم يمتحن بما امتحن به حتى خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، ثم ذلك الغير إن كان له عمل صالح آخر يساويه به، وإلا كان الأول أفضل مطلقًا"[17].



[1] أخرجه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1743).

[2] فيض القدير (2/ 224).

[3] انظر: تفسير البغوي معالم التنزيل (2/310، 211)، وزاد المسير لابن الجوزي (2/78 – 81)، وجامع العلوم والحكم (1/437، 438)، وفتح القدير للشوكاني (4/464 – 465).

[4] أخرجه أحمد ح 26055، والبخاري ح 6014، ومسلم ح 2625.

[5] عمدة القاري شرح صحيح البخاري (32/ 197).

[6] أخرجه أحمد ح 8842، ومسلم ح 46.

[7] أخرجه البخاري ح 6136.

[8] أخرجه أحمد ح 16421، والبخاري ح 6019، ومسلم ح 47.

[9] شرح متن الأربعين النووية للشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ.

[10] أخرجه أحمد 2/160، والبخاري في الأدب المفرد (105)، وأبو داود (5112)، والترمذي (943) وقال: حسن غريب.

[11] نزهة المجالس ومنتخب النفائس (1/ 209).

[12] الطبقات السنية في تراجم الحنفية (1/ 34)، أخبار أبي حنيفة (1/ 51)، الأغاني (1/ 399)، تاريخ بغداد (13/ 363)، تراجم شعراء الموسوعة الشعرية (1/ 740)، تهذيب الأسماء (1/ 674)، طبقات الحنفية (2/ 249)، إعلام الناس بما وقع للبرامكة (1/ 127)، العقد الفريد (2/ 393).

[13] ديوان عنترة ص 37.

[14] نزهة المجالس ومنتخب النفائس (1/ 209).

[15] محاضرات الأدباء (1/ 122)، التذكرة الحمدونية (1/ 183)، المستقصى في أمثال العرب (1/ 88)، حماسة القرشي (1/ 2)، ربيع الأبرار (1/ 66)، مجمع الأمثال (1/ 221)، والجوار عند العرب ص 18.

[16] مختصر تاريخ دمشق (7/ 485)، والأغاني (15/ 374)، والتذكرة الحمدونية (1/ 184)، والمستجاد من فعلات الأجواد (1/ 58)، ولباب الآداب لأسامة بن منقذ (1/ 77).

[17] الاستقامة (ج1/ ص 349).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • آداب التعامل مع النفس والجيران (خطبة)
  • الفرقة بين الجيران في المجتمع
  • حقوق الجيران

مختارات من الشبكة

  • حكم عمليات التجميل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وفاة ملكة جمال الكون!(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإنسان والكون بين مشهد جلال التوحيد وجمال التسخير(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سنن الفطرة: طهارة وجمال وإعجاز علمي(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الحيرة بين الجمال والخلق(استشارة - الاستشارات)
  • شدة جمالي ونظرات الرجال(استشارة - الاستشارات)
  • إندونيسيا: ملكة جمال الأخلاق الإسلامية ردا على ملكة جمال العالم(مقالة - المسلمون في العالم)
  • خطوة الكبر وجمال التواضع (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطورة الكبر وجمال التواضع (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فتح الصمد شرح الزبد فيما عليه المعتمد في الفقه على مذهب الشافعي لجمال الدين محمد بن زياد الوضاحي الشرعبي ت: 1135 هـ - 1722 م (PDF)(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • دورة علمية في مودريتشا تعزز الوعي الإسلامي والنفسي لدى الشباب
  • مبادرة إسلامية خيرية في مدينة برمنغهام الأمريكية تجهز 42 ألف وجبة للمحتاجين
  • أكثر من 40 مسجدا يشاركون في حملة التبرع بالدم في أستراليا
  • 150 مشاركا ينالون شهادات دورة مكثفة في أصول الإسلام بقازان
  • فاريش تستضيف ندوة نسائية بعنوان: "طريق الفتنة - الإيمان سندا وأملا وقوة"
  • بحث مخاطر المهدئات وسوء استخدامها في ضوء الطب النفسي والشريعة الإسلامية
  • مسلمات سراييفو يشاركن في ندوة علمية عن أحكام زكاة الذهب والفضة
  • مؤتمر علمي يناقش تحديات الجيل المسلم لشباب أستراليا ونيوزيلندا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 22/6/1447هـ - الساعة: 12:36
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب