• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | المكتبة المرئية   المكتبة المقروءة   المكتبة السمعية   مكتبة التصميمات   كتب د. خالد الجريسي   كتب د. سعد الحميد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أثر علامة القصيم ابن سعدي رحمه الله على الحركة ...
    أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
  •  
    حكم السفر لبلاد يقصر فيها النهار لأجل الصوم بها: ...
    أ. د. عبدالمجيد بن محمد بن عبدالله ...
  •  
    تدبر سورة الزلزلة (PDF)
    عبدالله عوض محمد الحسن
  •  
    فتح الصمد شرح الزبد فيما عليه المعتمد في الفقه ...
    د. عبدالرحمن بن محمد موسى العامري
  •  
    فسخ الحج إلى عمرة: دراسة فقهية مقارنة (PDF)
    أ. د. عبدالمجيد بن محمد بن عبدالله ...
  •  
    الحلقة الثالثة: قالوا وما الرحمن
    الدكتور مثنى الزيدي
  •  
    ربحت الإسلام دينا ولم أخسر إيماني بالمسيح عليه ...
    محمد السيد محمد
  •  
    شرح كتاب الأصول الثلاثة: (الإيمان بأسماء الله ...
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    مرويات الصحابي الجليل عقبة بن عمرو (أبو مسعود ...
    عبدالله خالد فائز
  •  
    يا باغي الخير أقبل
    منصة دار التوحيد
  •  
    الحلقة الثانية: لماذا أعرف الله؟
    الدكتور مثنى الزيدي
  •  
    تفريج الهم.. وتنفيس الكرب
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

القلب المريض بالهوى (خطبة)

القلب المريض بالهوى (خطبة)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/1/2025 ميلادي - 9/7/1446 هجري

الزيارات: 10500

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

القلب المريض بالهوى

 

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [فَاطِرٍ: 1]، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ أَنَارَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ، وَهَدَاهُمْ صِرَاطَهُ الْمُسْتَقِيمَ، وَوَعَدَهُمُ الْخُلْدَ فِي النَّعِيمِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَنْصَحُ النَّاسِ لِلنَّاسِ، وَأَخْشَاهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَعْلَمُهُمْ بِهِ سُبْحَانَهُ، لَا خَيْرَ إِلَّا دَلَّنَا عَلَيْهِ، وَلَا شَرَّ إِلَّا حَذَرَّنَا مِنْهُ، تَرَكَنَا عَلَى بَيْضَاءَ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاحْذَرُوا الشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ؛ فَإِنَّهَا مُفْسِدَةُ الْقُلُوبِ، مُذْهِبَةُ الدِّينِ، تَهْوِي بِمَنِ اسْتَسْلَمَ لَهَا إِلَى دَرَكَاتِ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ؛ ﴿ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾ [ص: 26].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: فِي صَلَاحِ الْقَلْبِ صَلَاحُ الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا، وَفِي فَسَادِهِ فَسَادُهَا، وَصَلَاحُهَا بِتَسْخِيرِهَا فِيمَا يَنْفَعُهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَفَسَادُهَا بِتَشْغِيلِهَا فِيمَا يَضُرُّهَا فِي الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ؛ ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النُّورِ: 24]، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «... أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

 

وَالْهَوَى مِنْ أَشَدِّ الْأَمْرَاضِ فَتْكًا بِالْقَلْبِ، وَهُوَ يُوقِعُ صَاحِبَهُ فِي الْبِدَعِ وَالضَّلَالَاتِ؛ وَلِذَا أُطْلِقَ عَلَى الْمُبْتَدِعَةِ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَعَامَلُونَ مَعَ النُّصُوصِ بِأَهْوَائِهِمْ، فَيَتَّبِعُونَ الْمُتَشَابِهَ وَيَتْرُكُونَ الْمُحَكَمَ. وَكَذَلِكَ الْهَوَى يَجُرُّ صَاحِبَهُ إِلَى الْمَعْصِيَةِ حَتَّى يَصِلَ بِهِ إِلَى الْكَبَائِرِ، وَلَرُبَّمَا جَاوَزَ ذَلِكَ إِلَى الْمُجَاهَرَةِ بِهَا وَاسْتِحْلَالِهَا وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهَا، فَيَنْزَلِقُ فِي الْكُفْرِ بِسَبَبِ الْهَوَى. وَحِينَهَا لَا يَنْتَفِعُ بِوَعْدٍ وَتَرْغِيبٍ، وَلَا يَرْدَعُهُ وَعِيدٌ وَتَرْهِيبٌ. وَلِأَنَّ الْهَوَى يَفْتِكُ بِالْقَلْبِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَذَّرَ الْعِبَادَ مِنْهُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْآيَاتِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الْكَهْفِ: 28]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴾ [الْفُرْقَانِ: 43]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾ [الْقَصَصِ: 50]؛ أَيْ: لَا أَحَدَ أَضَلُّ مِنْهُ. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الْجَاثِيَةِ: 23]. قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: «هُوَ الْمُنَافِقُ لَا يَهْوَى شَيْئًا إِلَّا رَكِبَهُ».

 

وَوُقُوعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْهَوَى أَوْصَلَهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الْعِجْلِ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْهَوَى قَدْ يُوصِلُ مُتَّبِعَهُ إِلَى الشِّرْكِ؛ ﴿ وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 93]؛ «أَيْ: أُشْرِبُوا حُبَّهُ حَتَّى خَلَصَ ذَلِكَ إِلَى قُلُوبِهِمْ». وَمَا أَشْرَكَ كُفَّارُ مَكَّةَ إِلَّا لِأَنَّ الْهَوَى مَلَكَ عَلَيْهِمْ قُلُوبَهُمْ؛ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَاهُمْ.

 

وَالْقَلْبُ مُعَرَّضٌ عَلَى الدَّوَامِ لِلشُّبُهَاتِ وَالشَّهَوَاتِ، وَفِي حَدِيثٍ نَبَوِيٍّ عَظِيمٍ يُبَيِّنُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يَتَسَلَّلُ الْهَوَى إِلَى الْقَلْبِ؛ فَإِمَّا قَاوَمَهُ وَرَفَضَهُ فَصَلَحَ، وَإِمَّا اسْتَسْلَمَ لَهُ وَقَبِلَهُ فَفَسَدَ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ فِتَنَ الشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ تُعْرَضُ عَلَى الْقَلْبِ، فَإِذَا أَنْكَرَهَا الْقَلْبُ سَلِمَ، وَإِذَا تَشَرَّبَهَا أَفْسَدَتْهُ حَتَّى تَفْتِكَ بِهِ، وَالْعَبْدُ فِي مُجَاهَدَةٍ دَائِمَةٍ مَعَ مَا يَتَلَقَّاهُ قَلْبُهُ مِنْ فِتَنِ الشَّهَوَاتِ وَالشُّبُهَاتِ.

 

وَإِذَا مَرِضَ الْقَلْبُ بِالْهَوَى زَاغَ فِي الشُّبُهَاتِ، وَضَرَبَ الْمُحْكَمَاتِ بِالْمُتَشَابِهَاتِ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 7]، ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ حَالَ مَنْ سَلِمَتْ قُلُوبُهُمْ مِنْ مَرَضِ الْهَوَى فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 7]، وَلِأَنَّ الْقُلُوبَ بِيَدِ الرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ نَاسَبَ أَنْ يُعَقِّبَ عَلَى آيَةِ مَرَضِ الْقُلُوبِ بِالْمُتَشَابِهِ بِهَذَا الدُّعَاءِ الْمُبَارَكِ: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 8]. وَلِحِمَايَةِ الْقَلْبِ مِنَ الْهَوَى وَالشُّبُهَاتِ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِعْرَاضِ عَنْ أَهْلِ الْبَاطِلِ، وَنَهَى عَنْ مُجَالَسَتِهِمْ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 68]، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَإِنَّمَا حَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ؛ لِئَلَّا تَعْلَقَ شُبُهَاتُهُمْ بِالْقَلْبِ فَيُدَاخِلَهُ الْهَوَى الَّذِي أَصَابَهُمْ، فَيَزِيغَ كَمَا زَاغُوا. وَالْحَذَرُ مِنْهُمْ يَلْزَمُ مِنْهُ اجْتِنَابُ الْقِرَاءَةِ لَهُمْ، وَالِاسْتِمَاعُ لِمَقُولَاتِهِمْ. وَمَا أَكْثَرَهُمْ فِي الْبَثِّ الْفَضَائِيِّ وَالْإِلِكْتِرُونِيِّ، وَمَا أَكْثَرَ مَا أَفْسَدُوا مِنَ الْقُلُوبِ، وَحَرَفُوا مِنَ النَّاسِ، بِسَبَبِ الْأَهْوَاءِ الَّتِي يَبُثُّونَهَا، وَالشُّبُهَاتِ الَّتِي يَقْذِفُونَهَا. وَلِلسَّلَفِ الصَّالِحِ أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ فِي اجْتِنَابِهِمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «لَا تُجَالِسْ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ؛ فَإِنَّ مُجَالَسَتَهُمْ مُمْرِضَةٌ لِلْقُلُوبِ»، وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ: «لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْأَهْوَاءِ وَلَا تُجَادِلُوهُمْ؛ فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَغْمِسُوكُمْ فِي الضَّلَالَةِ، أَوْ يَلْبِسُوا عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ بَعْضَ مَا لُبِّسَ عَلَيْهِمْ»، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ: «مَنْ أَصْغَى بِسَمْعِهِ إِلَى صَاحِبِ بِدْعَةٍ نُزِعَتْ مِنْهُ الْعِصْمَةُ، وَوُكِلَ إِلَى نَفْسِهِ». وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: «مَنْ سَمِعَ بِبِدْعَةٍ، فَلَا يَحْكِهَا لِجُلَسَائِهِ، لَا يُلْقِهَا فِي قُلُوْبِهِمْ»، عَلَّقَ الذَّهَبِيُّ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: «أَكْثَرُ أَئِمَّةِ السَّلَفِ عَلَى هَذَا التَّحْذِيرِ، يَرَوْنَ أَنَّ الْقُلُوبَ ضَعِيْفَةٌ، وَالشُّبَهَ خَطَّافَةٌ». وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ تُصْغِي الْأُذُنُ خَطَأً لِشُبْهَةٍ، أَوْ تَعْرِضُ لِلْقَلْبِ، فَالْوَاجِبُ دَفْعُهَا، وَتَطْهِيرُ الْقَلْبِ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ يَحْكِي قِصَّةً لَهُ مَعَ شَيْخِهِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ: «قَالَ لِي شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ جَعَلْتُ أُورِدُ عَلَيْهِ إِيرَادًا بَعْدَ إِيرَادٍ: لَا تَجْعَلْ قَلْبَكَ لِلْإِيرَادَاتِ وَالشُّبُهَاتِ مِثْلَ السِّفِنْجَةِ، فَيَتَشَرَّبُهَا، فَلَا يَنْضَحُ إِلَّا بِهَا، وَلَكِنِ اجْعَلْهُ كَالزُّجَاجَةِ الْمُصْمَتَةِ، تَمُرُّ الشُّبُهَاتُ بِظَاهِرِهَا وَلَا تَسْتَقِرُّ فِيهَا؛ فَيَرَاهَا بِصَفَائِهِ، وَيَدْفَعُهَا بِصَلَابَتِهِ، وَإِلَّا فَإِذَا أَشْرَبْتَ قَلْبَكَ كُلَّ شُبْهَةٍ تَمُرُّ عَلَيْهَا، صَارَ مُقِرًّا لِلشُّبُهَاتِ، أَوْ كَمَا قَالَ. فَمَا أَعْلَمُ أَنِّي انْتَفَعْتُ بِوَصِيَّةٍ فِي دَفْعِ الشُّبُهَاتِ كَانْتِفَاعِي بِذَلِكَ».

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: الْقَلْبُ يَمْرَضُ بِالشَّهَوَاتِ كَمَا يَمْرَضُ بِالشُّبُهَاتِ، فَيَمْرَضُ بِهَوَى النِّسَاءِ وَالْمَالِ وَالْجَاهِ: أَمَّا مَرَضُهُ بِهَوَى النِّسَاءِ فَإِنَّ مَنَافِذَ الْقَلْبِ إِلَيْهِنَّ النَّظَرُ إِلَى الْمُحَرَّمَاتِ، وَالِاسْتِمَاعُ إِلَى الْمَعَازِفِ وَالْغِنَاءِ؛ وَلِذَا قِيلَ: «الْغِنَاءُ بَرِيدُ الزِّنَا»، وَمَرِيضُ الْقَلْبِ بِهَوَى النِّسَاءِ يَطْمَعُ فِيهِنَّ، وَفِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 32]. وَلِاتِّقَاءِ هَذَا الْمَرَضِ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِغَضِّ الْأَبْصَارِ، وَنَهَى عَنِ الْخَلْوَةِ بِالنِّسَاءِ، وَعَنْ سَفَرِ الْمَرْأَةِ بِلَا مَحْرَمٍ، وَأَمَرَ الْمَرْأَةَ بِالسَّتْرِ وَالْحِجَابِ؛ لِإِغْلَاقِ مَنَافِذِ الْقَلْبِ عَنِ الْفِتْنَةِ بِالنِّسَاءِ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ» وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «...فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ.

 

وَأَمَّا مَرَضُ الْقَلْبِ بِالْمَالِ فَقَدْ يُؤَدِّي إِلَى الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ لِكَسْبِهِ وَتَنْمِيَتِهِ، أَوْ يَكْنِزُهُ وَيَمْنَعُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾ [الْفَجْرِ: 20]، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

 

وَأَمَّا مَرَضُ الْقَلْبِ بِالْجَاهِ فَهُوَ أَشَدُّ شَيْءٍ عَلَى الْعَبْدِ؛ فَإِنَّ لِلْجَاهِ سَكْرَةً تَفُوقُ سَكْرَةَ الْخَمْرِ؛ إِذْ يُجْبَى بِهِ الْمَالُ، وَتُنَالُ بِهِ الشُّهْرَةُ، وَيُوطَأُ الْعَقِبُ، وَيَسْهُلُ الْحُصُولُ عَلَى النِّسَاءِ؛ فَهُوَ مَجْمَعُ اللَّذَّاتِ، وَمَرَضُ الْقَلْبِ بِهِ أَشَدُّ فَتْكًا مِنَ الْمَرَضِ بِغَيْرِهِ، وَرُبَّمَا أَدَّى طَلَبُهُ أَوِ الْحِفَاظُ عَلَيْهِ إِلَى بَيْعِ الدِّينِ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي إِفْسَادِهِ لِلْعَبْدِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

 

وَيُجْزَى الْعَبْدُ بِالْجَنَّةِ إِذَا دَافَعَ مَا يَجِدُ فِي قَلْبِهِ مِنْ هَوًى لِشَهْوَةٍ أَوْ شُبْهَةٍ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النَّازِعَاتِ: 40-41].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • القلب المريض بالنفاق (خطبة)
  • محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • رحلة القلب بين الضياع واليقين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حين يستحي القلب يرضى الرب (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: استشعار التعبد وحضور القلب (باللغة النيبالية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: استشعار التعبد وحضور القلب (باللغة البنغالية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: استشعار التعبد وحضور القلب (باللغة الإندونيسية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • طريقنا للقلوب: 35 وسيلة لكسب قلوب الناس (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • فساد القلب بين القسوة والسواد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قسوة القلب (2)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • الاستمرارية: فريضة القلب في زمن التقلب(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • بين الاجتهاد الشخصي والتقليد المشروع: رد على شبهة «التعبد بما استقر في القلب»(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • النسخة السادسة من مسابقة تلاوة القرآن الكريم للطلاب في قازان
  • المؤتمر الدولي الخامس لتعزيز القيم الإيمانية والأخلاقية في داغستان
  • برنامج علمي مكثف يناقش تطوير المدارس الإسلامية في بلغاريا
  • للسنة الخامسة على التوالي برنامج تعليمي نسائي يعزز الإيمان والتعلم في سراييفو
  • ندوة إسلامية للشباب تبرز القيم النبوية التربوية في مدينة زغرب
  • برنامج شبابي في توزلا يجمع بين الإيمان والمعرفة والتطوير الذاتي
  • ندوة نسائية وأخرى طلابية في القرم تناقشان التربية والقيم الإسلامية
  • مركز إسلامي وتعليمي جديد في مدينة فولجسكي الروسية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/5/1447هـ - الساعة: 3:35
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب