• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | المكتبة المرئية   المكتبة المقروءة   المكتبة السمعية   مكتبة التصميمات   كتب د. خالد الجريسي   كتب د. سعد الحميد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الأربعون الغفرانية من صحيحي البخاري ومسلم (PDF)
    جمعية مشكاة النبوة
  •  
    شرح كتاب الأصول الثلاثة: من قول المؤلف ودليل ...
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    لقاء حول ثقافة الشاب وتوجهه (PDF)
    أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
  •  
    حدیث: (الشؤم في ثلاثة: المرأة، والدار، والفرس) ...
    أ. د. حسن بن محمد بن علي شبالة
  •  
    أيام في ألمانيا: رحلة بين الخطوط والمخطوط
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    النعم.. أنواعها.. وأطنابها
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    الإخلاص سبيل الخلاص
    منصة دار التوحيد
  •  
    سنن الفطرة: طهارة وجمال وإعجاز علمي
    الشيخ الدكتور سمير بن أحمد الصباغ
  •  
    الوعظ في مؤلفات ابن أبي الدنيا - دراسة وصفية ...
    هلال بن سلطان بن درويش الهاجري
  •  
    تلقیح الأفهام في وصایا خیر الأنام للعلامة: عبد ...
    أ. د. حسن بن محمد بن علي شبالة
  •  
    الموسوعة الندية في الآداب الإسلامية - آداب ...
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    الإيحاءات التربوية في صحيح البخاري باب قول النبي ...
    د. عماد سلمان حسن الفلاحي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

الأوبئة (9) العبادة في الوباء

الأوبئة (9) العبادة في الوباء
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/2/2021 ميلادي - 23/6/1442 هجري

الزيارات: 20430

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الأوبئة (9)

العبادة في الوباء


الْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ، الْكَرِيمِ الْوَهَّابِ؛ لَا يَبْتَلِي الْمُؤْمِنِينَ بِبَلَاءٍ إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَعَلَيْهِ السَّخَطُ، نَحْمَدُهُ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَنَشْكُرُهُ فِي الْعَافِيَةِ وَالْبَلَاءِ، وَنَسْأَلُهُ الثَّبَاتَ عَلَى دِينِهِ، وَالِاسْتِقَامَةَ عَلَى أَمْرِهِ، وَالرِّضَا بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ سَبَقَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ، وَأَحَاطَتْ بِالْعِبَادِ عَافِيَتُهُ، وَتَتَابَعَتْ عَلَيْهِمْ نِعَمُهُ، فَحَقَّ عَلَيْهِمْ ذِكْرُهُ وَشُكْرُهُ وَحَمْدُهُ، وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِهِ الشَّكُورُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ لَا خَيْرَ إِلَّا دَلَّ الْأُمَّةَ عَلَيْهِ، وَلَا شَرَّ إِلَّا حَذَّرَهَا مِنْهُ، تَرَكَنَا عَلَى بَيْضَاءَ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَأَوْلَاكُمْ؛ فَإِنَّ النِّعَمَ تَزِيدُ بِشُكْرِهَا، وَتَزُولُ بِكُفْرِهَا، وَمِنْ شُكْرِهَا نِسْبَتُهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالْإِقْرَارُ بِهَا، وَتَسْخِيرُهَا فِي مَرْضَاتِهِ ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴾ [النَّحْلِ: 53].

 

أَيُّهَا النَّاسُ:

مِنْ تَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ أَنْ يَفْتَحَ لَهُ أَبْوَابَ الطَّاعَاتِ، وَيَدُلَّهُ عَلَى طُرُقِ الْخَيْرَاتِ، فَلَا يَغْفُلُ عَنْهَا حِينَ يَغْفُلُ النَّاسُ، وَلَا يُشْغَلُ بِالْأَدْنَى عَنِ الْأَعْلَى، وَلَا يُقَدِّمُ الْمُهِمَّ عَلَى مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ، وَيَلْتَمِسُ فِي كُلِّ نَازِلَةٍ سُبُلَ النَّجَاةِ فِيهَا.

 

وَالْوَبَاءُ الْعَامُّ نَازِلَةٌ تَمَسُّ حَيَاةَ النَّاسِ وَمَعَايِشَهُمْ، وَتُعِيقُ حَرَكَتَهُمْ وَتَنَقُّلَاتِهِمْ، وَلَا عَجَبَ أَنْ يَكُونَ جُلُّ اهْتِمَامِ النَّاسِ مَصْرُوفًا إِلَيْهِ، وَأَكْثَرُ حَدِيثِهِمْ فِيهِ. وَلِلنَّوَازِلِ عِبَادَاتٌ يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْإِيمَانِ الْعِنَايَةُ بِهَا، وَعَدَمُ التَّفْرِيطِ فِيهَا، وَمِنْهَا عِبَادَاتٌ تَعُمُّ النَّاسَ كُلَّهُمْ، وَعِبَادَاتٌ يَخْتَصُّ بِهَا فِئَامٌ مِنْهُمْ.

 

وَمِنْ أَهَمِّ الْعِبَادَاتِ فِي الْوَبَاءِ: الْعِبَادَاتُ الْقَلْبِيَّةُ؛ كَالصَّبْرِ وَالرِّضَا وَالْيَقِينِ، وَمُلَاحَظَةِ أَلْطَافِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَقْدَارِهِ؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْقُلُوبِ تَجْزَعُ وَلَا تَصْبِرُ، وَتَسْخَطُ وَلَا تَرْضَى، وَيَتَزَعْزَعُ يَقِينُهَا، إِمَّا لِفَقْدِ حَبِيبٍ، أَوْ إِصَابَةِ قَرِيبٍ، أَوْ لِطُولِ أَمَدِ الْوَبَاءِ، أَوْ بِسَبَبِ إِجْرَاءَاتِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، كَالْحَجْرِ الصِّحِّيِّ وَنَحْوِهِ، أَوْ لِمَا يَنْتِجُ عَنْهُ مِنْ تَرَدِّي الِاقْتِصَادِ، وَنَقْصٍ فِي الْأَرْزَاقِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 155 - 157].

 

فَيَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُوَطِّنَ نَفْسَهُ عَلَى الْبَلَاءِ، وَيُصَبِّرَهَا فِي الضَّرَّاءِ، وَلَا يَجْزَعَ مِنَ الْوَبَاءِ، وَيَحْتَسِبَ الْأَجْرَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ مَا يُصِيبُهُ، مُتَسَلِّحًا بِالصَّبْرِ وَالرِّضَا وَالْيَقِينِ؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ تَعَالَى ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 54]. كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يُنَمِّيَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ الصَّبْرَ وَالرِّضَا وَالْيَقِينَ، وَيَبُثَّ ذَلِكَ فِي النَّاسِ؛ لِيُزِيلَ جَزَعَهُمْ وَهَلَعَهُمْ، وَيَنْشُرَ السَّكِينَةَ وَالطُّمَأْنِينَةَ فِيهِمْ.

 

وَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْفَرَائِضِ، وَالْإِكْثَارُ مِنَ النَّوَافِلِ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ تَقْيِيدِ الْحَرَكَةِ، وَتَعَطُّلِ الْأَعْمَالِ، وَكَثْرَةِ الْفَرَاغِ، وَلَا شَيْءَ أَفْضَلُ مِنْ شَغْلِ الْفَرَاغِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى؛ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَالتَّطَوُّعِ بِالصَّلَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ [الشَّرْحِ: 7- 8]، قَالَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «كُنَّا نَخْتَلِفُ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ سَمَّاهُ، فَلَمَّا وَقَعَ الطَّاعُونُ كَانَتْ رَكْعَتَانِ يُصَلِّيهِمَا أَحَدُنَا أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ طَلَبِ الْحَدِيثِ».

 

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَغْفُلُ عَنْ ذَلِكَ، وَيَقْضِي أَوْقَاتَ الْفَرَاغِ فِي الْقِيلِ وَالْقَالِ، أَوْ إِدْمَانِ النَّظَرِ إِلَى الشَّاشَاتِ، وَمُتَابَعَةِ أَخْبَارِ الْوَبَاءِ. وَرُبَّمَا فَرَّطَ فِي الْفَرَائِضِ أَوِ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ، وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِذَلِكَ.

 

وَمِنْ أَهَمِّ الْعِبَادَاتِ فِي الْوَبَاءِ: إِظْهَارُ الْفَقْرِ وَالْعَجْزِ وَالْمَسْكَنَةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالتَّبَرُّؤُ مِنَ الْحَوْلِ وَالطَّوْلِ وَالْقُوَّةِ، وَالثِّقَةُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ دُونَ الْبَشَرِ؛ وَذَلِكَ بِكَثْرَةِ الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ، وَإِبْدَاءِ الْفَاقَةِ وَالْحَاجَةِ؛ فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَمْتَلِئُ قَلْبُهُ بِالْبَشَرِ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَرْكَنُ إِلَى أَقْوَالِهِمْ فِي مُدَّةِ الْوَبَاءِ أَوْ عِلَاجِهِ أَوِ انْتِهَائِهِ، وَيَطْمَئِنُّ بِذَلِكَ وَيَسْكُنُ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ فِي قَلْبِهِ مَكَانٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَا لِلثِّقَةِ بِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَتَفْوِيضِ الْأَمْرِ إِلَيْهِ، وَهَذَا مِنَ الْخِذْلَانِ الْكَبِيرِ، وَالْحِرْمَانِ الْعَظِيمِ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴾ [فَاطِرٍ: 15 - 17].

 

وَمِنْ أَهَمِّ الْعِبَادَاتِ فِي الْوَبَاءِ: قِيَامُ الْأَطِبَّاءِ وَالْمُمَرِّضِينَ وَالْمُسْعِفِينَ وَمُعَاوِنِيهِمْ عَلَى عِلَاجِ الْمُصَابِينَ بِالْوَبَاءِ وَتَمْرِيضِهِمْ، وَهَذَا أَفْضَلُ مِنْ نَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ. بَلْ هُوَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ الَّتِي يَنُوبُ الْقَائِمُونَ بِهَا عَنْ مَجْمُوعِ النَّاسِ، وَيَرْفَعُونَ الْإِثْمَ عَنْهُمْ. وَقَدْ قَدَّمَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى فُرُوضِ الْأَعْيَانِ. فَكَيْفَ إِذَا أُضِيفَ إِلَى ذَلِكَ أَنَّ مَا يَقُومُونَ بِهِ دَاخِلٌ فِي إِحْيَاءِ أَنْفُسٍ مَعْصُومَةٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [الْمَائِدَةِ: 32]، كَمَا أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي قَضَاءِ الْحَاجَاتِ، وَتَفْرِيجِ الْكُرُبَاتِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

 

وَعِلَاوَةً عَلَى ذَلِكَ فَهُمْ يُخَاطِرُونَ بِأَرْوَاحِهِمْ لِإِنْقَاذِ غَيْرِهِمْ، وَمَاتَ مِنْهُمْ أُنَاسٌ بِالْوَبَاءِ وَهُمْ يُعَالِجُونَ الْمَوْبُوئِينَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَتَقَبَّلَهُمْ فِي عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ. وَمِنْهُمْ آخَرُونَ قَدْ وَقَفُوا جَمِيعَ أَوْقَاتِهِمْ عَلَى الْمُصَابِينَ بِالْوَبَاءِ عِلَاجًا وَرِعَايَةً وَحِمَايَةً، وَحَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ عَنْ أَهْلِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ؛ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونُوا قَدْ حَمَلُوا الْوَبَاءَ فَيَنْقُلُونَهُ إِلَى غَيْرِهِمْ، فَمَا أَعْظَمَ تَضْحِيَاتِهِمْ! كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى أُجُورَهُمْ، وَحَفِظَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ. وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَحْتَسِبُوا الْأَجْرَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنْ يَتَعَاهَدُوا نِيَّاتِهِمْ فِي هَذَا الْعَمَلِ الْجَلِيلِ، وَأَنْ يُجَاهِدُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

وَمِنْ أَهَمِّ الْعِبَادَاتِ فِي الْوَبَاءِ: قِيَامُ طَائِفَةٍ مِنَ النَّاسِ بِتَغْسِيلِ مَوْتَى الْوَبَاءِ وَتَكْفِينِهِمْ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ وَدَفْنِهِمْ، وَهَذَا أَيْضًا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ الَّتِي لَهَا أَجْرٌ عَظِيمٌ، وَثَوَابُهَا جَزِيلٌ. قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «يُغْتَنَمُ الْخَيْرُ فِي أَيَّامِ الطَّاعُونِ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا غَنِيمَةٌ لَا تَحْصُلُ فِي كُلِّ وَقْتٍ؛ كَدَفْنِ الشُّهَدَاءِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ؛ فَإِنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْجَنَائِزِ وَتَغْسِيلَهُمْ وَدَفْنَهُمْ فِي أَيَّامِ الطَّاعُونِ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ».

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ مِنَ الْوَبَاءِ وَالْبَلَاءِ، وَمِنْ كُلِّ سُوءٍ وَمَكْرُوهٍ، لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَأَهْلِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا وَجِيرَانِنَا وَأَحْبَابِنَا وَالْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 131 - 132].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

الْوَبَاءُ مُصِيبَةٌ مِنَ الْمَصَائِبِ الَّتِي تُؤَثِّرُ فِي الدُّوَلِ وَالْأُمَمِ وَالْأَفْرَادِ، وَالْمُؤْمِنُ لَا بُدَّ أَنْ يُوَطِّنَ نَفْسَهُ عَلَى تَحَمُّلِ الْمَصَائِبِ، وَأَنْ يَتَذَكَّرَ مَا فِي الصَّبْرِ عَلَيْهَا، وَالرِّضَا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْأَجْرِ الْعَظِيمِ؛ فَإِنَّ مَنْ رَضِيَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَمَنْ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ سَعِدَ فِي الدُّنْيَا بِهَذَا الرِّضَا، وَأَرْضَاهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَا لَا يَخْطُرُ لَهُ عَلَى بَالٍ، وَاللَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ.

 

وَمِنَ الْعِبَادَاتِ فِي الْوَبَاءِ: الْعُزْلَةُ عَنِ النَّاسِ، وَتَقْلِيلُ مُخَالَطَتِهِمْ؛ لِئَلَّا يُصِيبَهُ الْوَبَاءُ فَيَنْدَمَ وَيَحْزَنَ عَلَى مُخَالَطَتِهِمْ؛ وَلِئَلَّا يَنْقُلَ الْوَبَاءَ إِلَى غَيْرِهِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، وَالْمُؤْمِنُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحِبَّ لِإِخْوَانِهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ لَهُمْ مَا يَكْرَهُ لَهَا. كَمَا أَنَّ هَذِهِ الْعُزْلَةَ فُرْصَةٌ لِلْإِقْبَالِ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَكَثْرَةِ التَّنَفُّلِ بِالصَّلَوَاتِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَاشْتِغَالِ الْعَبْدِ بِمَا يُصْلِحُ قَلْبَهُ وَبَدَنَهُ، وَبِمَا يَنْفَعُهُ فِي دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ. وَأَكْثَرُ الْخُلْطَةِ لَا خَيْرَ فِيهَا؛ إِذْ تَشْغَلُ الْعَبْدَ عَنْ مَصَالِحِهِ، وَتَجُرُّهُ إِلَى مُحَرَّمَاتِ اللِّسَانِ وَالْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ؛ مِنَ الْقِيلِ وَالْقَالِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَنَحْوِهَا. كَمَا أَنَّ الْعُزْلَةَ تُتِيحُ لِلْعِبَادِ مُحَاسَبَةَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى مَا ضَاعَ مِنْ أَوْقَاتِهِمْ، وَمَا مَضَى مِنْ أَعْمَارِهِمْ، فَتَكُونُ سَبَبًا فِي التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ وَالرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: «بَعُدَ مِنَّا شَبَابٌ قَبْلَ الطَّاعُونِ فَقَالَ لِي أَهَالِيهِمْ: لَوْ كَلَّمْتَهُمْ. قَالَ: فَقُلْتُ: دَعْهُمْ عَسَى أَنْ يَمُوتُوا بِخَلَاتِهِمْ، فَجَاءَ الطَّاعُونُ فَمَاتُوا جَمِيعًا».

 

وَمِنَ الْعِبَادَاتِ فِي الْوَبَاءِ: تَفَقُّدُ أَحْوَالِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مِنَ الْقَرَابَةِ وَالْجِيرَانِ، وَقَضَاءُ حَاجَاتِهِمْ، مِمَّنْ حَبَسَهُمُ الْوَبَاءُ عَنِ الْعَمَلِ، وَلَيْسَ لَدَيْهِمْ مُدَّخَرَاتٌ، فَهُمْ مُحْتَاجُونَ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ مُتَعَفِّفُونَ، وَلَا يَفْطَنُ لَهُمْ إِلَّا أَهْلُ الْفِطْنَةِ وَالْفِرَاسَةِ ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ * لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 272 - 274].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الأوبئة (6) من منافع كورونا
  • الأوبئة (8) الدعاء لرفع الوباء
  • تعليق رفع الوباء بالثريا لا يصح شرعا ولا نظرا
  • الحج زمن الأوبئة والمخاطر
  • الأوبئة (10) أقسام الناس في الوباء
  • الأوبئة (11) العدوى بين الإثبات والنفي
  • كلمة في الوباء
  • الأوبئة (12) التنجيم والعرافة والكهانة في الأوبئة

مختارات من الشبكة

  • غض البصر: العبادة المهجورة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شكر الله بعد كل عبادة، عبادة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التوحيد: روح العبادة وأساس قبولها (خطبة)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • الفرق بين الشبهة والشهوة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاستمرارية: فريضة القلب في زمن التقلب(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الحرص على الوقت (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العلم عبادة ورسالة لبناء الإنسان والمجتمع (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له... )(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإلهام والكشف والرؤيا لدى ابن تيمية رحمه الله تعالى(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أركان الإيمان الستة(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- خطبة مهمة
أحمد بن المصطفى - هولندا 17/04/2021 04:55 PM

بارك الله فيك. خطبة مهمة بموضوع مهم.حفظكم الله ورعاكم

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • أكثر من 150 مشاركا يتعلمون مبادئ الإسلام في دورة مكثفة بمدينة قازان
  • انطلاق فعاليات شهر التاريخ الإسلامي 2025 في كندا بمشاركة واسعة
  • أطباء مسلمون يقودون تدريبا جماعيا على الإنعاش القلبي الرئوي في سيدني
  • منح دراسية للطلاب المسلمين في بلغاريا تشمل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه
  • مبادرة "زوروا مسجدي 2025" تجمع أكثر من 150 مسجدا بمختلف أنحاء بريطانيا
  • متطوعو كواد سيتيز المسلمون يدعمون آلاف المحتاجين
  • مسلمون يخططون لتشييد مسجد حديث الطراز شمال سان أنطونيو
  • شبكة الألوكة تعزي المملكة العربية السعودية حكومة وشعبا في وفاة سماحة مفتي عام المملكة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/4/1447هـ - الساعة: 13:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب