• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | المكتبة المرئية   المكتبة المقروءة   المكتبة السمعية   مكتبة التصميمات   كتب د. خالد الجريسي   كتب د. سعد الحميد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    السرف والبطر.. فقد العلماء
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    الصدق السياسي في الهدي النبوي: تجلّيات المنهج ...
    حسام وليد السامرائي
  •  
    الموسوعة الندية في الآداب الإسلامية -آداب الجنائز ...
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    من أساليب القرآن البلاغية (PDF)
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    ربحت الإسلام دينا ولم أخسر إيماني بالمسيح عليه ...
    محمد السيد محمد
  •  
    الأغصان الندية في شرح منظومة القواعد الفقهية
    الشيخ الدكتور سمير بن أحمد الصباغ
  •  
    علاج البواسير في السنة النبوية
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    ربحت الإسلام دينا ولم أخسر إيماني بالمسيح عليه ...
    محمد السيد محمد
  •  
    أحلامي تتلاشَىٰ (WORD)
    أ. أحمد بن عبيد الحربي
  •  
    الأسر العلمية في المملكة العربية السعودية - ...
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    من كان يلحن من العلماء المشهورين: فوائد وروايات ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الأربعون الغفرانية من صحيحي البخاري ومسلم (PDF)
    جمعية مشكاة النبوة
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد / التوحيد
علامة باركود

فقه الإحسان (2) (خطبة)

فقه الإحسان (2) (خطبة)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/8/2021 ميلادي - 25/12/1442 هجري

الزيارات: 37619

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فقه الإحسان (2)

﴿ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾


﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ * وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 1 - 3]، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ تَفَرَّدَ بِصِفَاتِ الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ وَالْكَمَالِ، وَتَنَزَّهَ عَنِ الْأَنْدَادِ وَالْأَشْبَاهِ وَالْأَمْثَالِ ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشُّورَى: 11]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ، وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، اصْطَفَاهُ رَبُّهُ وَاجْتَبَاهُ، وَعَلَّمَهُ وَهَدَاهُ، وَمِنْ كُلِّ خَيْرٍ أَعْطَاهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاسْتَمْسِكُوا بِدِينِكُمْ؛ فَإِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ، وَهُوَ سَعَادَتُكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ، وَفَوْزُكُمْ بَعْدَ مَمَاتِكُمْ ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 8- 9].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: الْإِحْسَانُ مَقَامٌ رَفِيعٌ، وَمَنْزِلَةٌ سَامِقَةٌ، لَا يَبْلُغُهَا إِلَّا الْخُلَّصُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، الَّذِينَ اكْتَمَلَ إِيمَانُهُمْ، فَبَلَغُوا بِهِ دَرَجَةَ الْإِحْسَانِ. وَهُوَ «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ».

 

وَالدَّافِعُ لِلْإِحْسَانِ أَصْلَانِ كَبِيرَانِ هُمَا:

أَوَّلُهُمَا: إِحْسَانُ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى الْخَلْقِ، وَدَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ [الْقَصَصِ: 77].

 

وَثَانِيهِمَا: جَزَاءُ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمُحْسِنِينَ، وَهُوَ جَزَاءٌ مَحْفُوظٌ لَا يَضِيعُ، وَدَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يُوسُفَ: 56]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 84]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الصَّافَّاتِ: 121]، بَلْ وَيَزِيدُ اللَّهُ تَعَالَى فِي جَزَائِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 58].

 

وَإِحْسَانُ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى خَلْقِهِ يَرَاهُ الْعَبْدُ فِي كُلِّ شَأْنٍ مِنْ شُئُونِهِ، وَيَرَاهُ فِي غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ:

فَمِنْ إِحْسَانِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَهُ مِنَ الْعَدَمِ ﴿ أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا ﴾ [مَرْيَمَ: 67]، ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ﴾ [الْإِنْسَانِ: 1].

 

وَمِنْ إِحْسَانِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْسَنَ تَصْوِيرَهُ وَتَقْوِيمَهُ عَلَى سَائِرِ مَخْلُوقَاتِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ﴾ [التَّغَابُنِ: 3]، ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التِّينِ: 4].

 

وَمِنْ إِحْسَانِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَكَفَّلَ لَهُ بِرِزْقِهِ ﴿ فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 17]، ﴿ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [فَاطِرٍ: 3]، ﴿ أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ﴾ [الْمُلْكِ: 21].

 

وَمِنْ إِحْسَانِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَخَّرَ لَهُ سَائِرَ الْمَخْلُوقَاتِ ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [الْبَقَرَةِ: 29]، ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ ﴾ [النَّحْلِ: 12]، ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾ [الْجَاثِيَةِ: 13].

 

وَمِنْ إِحْسَانِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ رَكَّبَ فِيهِ أَدَوَاتِ الْمَعْرِفَةِ؛ لِيُمَيِّزَ الْخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ، وَالْحَسَنَ مِنَ الْقَبِيحِ، وَالضَّارَّ مِنَ النَّافِعِ، وَيَكْتَسِبَ بِهَا الْعُلُومَ وَالْمَعَارِفَ، وَهِيَ الْعُقُولُ وَالْأَبْصَارُ وَالْأَسْمَاعُ ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النَّحْلِ: 78]، ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: 78].

 

وَمِنْ إِحْسَانِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ: أَنَّهُ تَعَالَى فَطَرَهُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولَهُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابَهُ، وَهَدَاهُ لِدِينِهِ، وَأَقَامَ عَلَيْهِ حُجَّتَهُ، فَمَا بَقِيَ إِلَّا أَنْ يَقْبَلَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى هُدَاهُ فَيَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ، أَوْ يُعْرِضَ عَنْهُ فَيَكُونَ مِنَ الْمُسِيئِينَ ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الْإِنْسَانِ: 3]، ﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ [الْبَلَدِ: 10]؛ «أَيْ: طَرِيقَيِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، بَيَّنَّا لَهُ الْهُدَى مِنَ الضَّلَالِ، وَالرُّشْدَ مِنَ الْغَيِّ». ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ ﴾ [النِّسَاءِ: 170]، ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾ [النِّسَاءِ: 165]، ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الْمَائِدَةِ: 15- 16].

 

وَإِحْسَانُ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ لَا يُحْصِيهِ عَدٌّ، وَلَا يَحُدُّهُ حَدٌّ، وَلَا يَعْلَمُهُ كُلَّهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ إِحْسَانٌ لَا يَنْقَطِعُ وَلَا يَنْفَدُ وَلَا يَتَوَقَّفُ، وَلَهُ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ إِحْسَانٌ عَلَى الْعَبْدِ؛ فِي نَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ، وَفِي صِحَّتِهِ وَمَرَضِهِ، وَفِي بَلَائِهِ وَعَافِيَتِهِ، وَفِي كُلِّ شَأْنٍ مِنْ شُئُونِهِ. وَحَرَكَتُهُ حِينَ يَتَحَرَّكُ مِنْ إِحْسَانِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَيْهِ، وَنَفَسُهُ الَّذِي يَتَنَفَّسُهُ مِنْ إِحْسَانِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَيْهِ، وَطَاعَتُهُ الَّتِي يُؤَدِّيهَا مِنْ إِحْسَانِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَيْهِ، وَارْتَجَزَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَنْدَقِ فَقَالَ: «وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا» وَفِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: ﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 34]، ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النَّحْلِ: 53].

 

وَإِحْسَانُ الْعَبْدِ إِنْ أَحْسَنَ فَلِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ إِحْسَانِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَنْفَعُهُ إِحْسَانُ الْمُحْسِنِينَ، وَلَا تَضُرُّهُ إِسَاءَةُ الْمُسِيئِينَ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴿ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا ﴾ [النِّسَاءِ: 133]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

وَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَعْلَمَهُ، وَهُوَ مُكَرَّرٌ فِي الْقُرْآنِ لِأَهَمِّيَّتِهِ، وَهَذَا الْأَصْلُ هُوَ أَنَّ كُلَّ إِحْسَانٍ يَفْعَلُهُ الْعَبْدُ فَهُوَ يَعُودُ عَلَيْهِ، كَمَا أَنَّ كُلَّ إِسَاءَةٍ يُقَارِفُهَا تَعُودُ عَلَيْهِ ﴿ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ [الْإِسْرَاءِ: 7]، ﴿قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ﴾ [الْأَنْعَامِ: 104]، ﴿ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [لُقْمَانَ: 12]، ﴿ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ﴾ [الزُّمَرِ: 41]، ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ﴾ [فُصِّلَتْ: 46].

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُلْهِمَنَا رُشْدَنَا، وَيَكْفِيَنَا شُرُورَ أَنْفُسِنَا، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ عِبَادِهِ الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 131- 132].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِحْسَانُ الْعَبْدِ يَكُونُ فِيمَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِحْسَانٌ يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ الْخَلْقِ:

فَأَمَّا إِحْسَانُ الْعَبْدِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَبِالْمُحَافَظَةِ عَلَى فَرَائِضِهِ، وَإِتْبَاعِهَا بِالنَّوَافِلِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

وَلَا يَتَأَتَّى الْإِحْسَانُ فِي الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ مُهِمَّيْنِ: الْإِخْلَاصُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَمُتَابَعَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إِذْ هُوَ الْمُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 112]، ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ [النِّسَاءِ: 125]، ﴿ وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾ [لُقْمَانَ: 22]. فَإِسْلَامُ الْوَجْهِ لِلَّهِ تَعَالَى هُوَ الْإِخْلَاصُ، وَالْإِحْسَانُ هُوَ مُتَابَعَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَ اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ، وَهِيَ مَبْثُوثَةٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَقَدْ خَاطَبَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ﴾ [الْأَنْعَامِ: 151] ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ جُمْلَةً مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ.

 

وَأَمَّا الْإِحْسَانُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْخَلْقِ فَبَابٌ وَاسِعٌ كَبِيرٌ؛ بَدْءًا بِالْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجَةِ وَالذُّرِّيَّةِ وَذَوِي الرَّحِمِ وَالْجِيرَانِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، بَلْ حَتَّى لِلْكَافِرِ بِدَعْوَتِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْحَيَوَانِ. وَهَذَا الْبَابُ مِنَ الْإِحْسَانِ يَكُونُ بِالْقَلْبِ بِمَحَبَّةِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَوْلَاتِهِمْ وَالنُّصْحِ لَهُمْ، وَبِالْقَوْلِ وَبِالْفِعْلِ، وَبِكَفِّ الْأَذَى عَنِ الْغَيْرِ فَهُوَ إِحْسَانٌ.

 

وَالْآمِرُ بِالْمَعْرُوفِ آمِرٌ بِالْإِحْسَانِ، وَالنَّاهِي عَنِ الْمُنْكَرِ نَاهٍ عَنِ الْإِسَاءَةِ الَّتِي هِيَ ضِدُّ الْإِحْسَانِ، وَيَسْتَطِيعُ الْمُؤْمِنُ أَنْ يُمَارِسَ الْإِحْسَانَ فِي كُلِّ شَأْنٍ مِنْ شُئُونِهِ سَوَاءٌ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ، أَوْ فِي عَلَاقَتِهِ بِرَبِّهِ سُبْحَانَهُ، أَوْ فِي عَلَاقَتِهِ بِالْخَلْقِ، وَذَلِكَ بِمُرَاقَبَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ تَعَالَى كَأَنَّهُ يَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَرَاهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرَاهُ ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النِّسَاءِ: 1]، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 52].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الإحسان إلى الناس ( خطبة )
  • منزلة الإحسان
  • تعريف الإحسان
  • دليل مرتبة الإحسان
  • فقه الإحسان (1) معنى الإحسان وفضله
  • فقه الإحسان (3): {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}
  • فقه الإحسان (4) الإحسان في العبادات
  • فقه الإحسان (5) الإحسان إلى الخلق

مختارات من الشبكة

  • خلاصة خطبة جمعة: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إشراقة آية: قال جل وعلا {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نظرية البدائل بين فقه الأولويات وفقه الضرورة(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • المقدمات في أصول الفقه: دراسة تأصيلية لمبادئ علم أصول الفقه (WORD)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • خصائص ومميزات علم أصول الفقه: الخصيصة (3) علم أصول الفقه علم إسلامي خالص(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خصائص ومميزات علم أصول الفقه: الخصيصة (1) علم أصول الفقه يجمع بين العقل والنقل (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • الفقهاء والأخذ بالسنة (رسالة موجزة في بيان مكانة السنة عند الفقهاء وأعذارهم في ترك العمل ببعضها)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • فقه الدعوة وفقه الرفق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العالم بالفقه دون أصوله، والعالم بأصول الفقه دون فروعه: هل يعتد بقولهما في الإجماع؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقيقة مفهوم الفقه وأثرها في تدريس علم الفقه(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • تكريم طلاب الدراسات الإسلامية جنوب غرب صربيا
  • ختام الندوة التربوية لمعلمي رياض الأطفال المسلمين في البوسنة
  • انطلاق سلسلة محاضرات "ثمار الإيمان" لتعزيز القيم الدينية في ألبانيا
  • أكثر من 150 مشاركا يتعلمون مبادئ الإسلام في دورة مكثفة بمدينة قازان
  • انطلاق فعاليات شهر التاريخ الإسلامي 2025 في كندا بمشاركة واسعة
  • أطباء مسلمون يقودون تدريبا جماعيا على الإنعاش القلبي الرئوي في سيدني
  • منح دراسية للطلاب المسلمين في بلغاريا تشمل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه
  • مبادرة "زوروا مسجدي 2025" تجمع أكثر من 150 مسجدا بمختلف أنحاء بريطانيا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/4/1447هـ - الساعة: 12:21
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب