• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | المكتبة المرئية   المكتبة المقروءة   المكتبة السمعية   مكتبة التصميمات   كتب د. خالد الجريسي   كتب د. سعد الحميد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أسماء الله الحسنى من خلال الجزء (السابع والعشرون) ...
    محمد نور حكي علي
  •  
    النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بكثرة الصلاة عليه ...
    جمعية مشكاة النبوة
  •  
    شرح كتاب الأصول الثلاثة: اعلم أرشدك الله لطاعته ...
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    التطبيقات النحوية على متن الآجرومية (PDF)
    خلدون عبدالقادر حسين ربابعة
  •  
    البرهان في تجويد القرآن ومعه رسالة في فضل القرآن ...
    جابر بن عبدالسلام المصعبي
  •  
    فتح الأغلاق شرح قصيدة الأخلاق (PDF)
    د. عبدالله إسماعيل عبدالله هادي
  •  
    تدبر سورة العصر (PDF)
    عبدالله عوض محمد الحسن
  •  
    الإيمان والأمن من خلال القرآن
    ياسر عبدالله محمد الحوري
  •  
    خمسون حكمة في مواجهة الغلو (PDF)
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    كيفية الصلاة على الميت: فضلها والأدعية المشروعة ...
    اللجنة العلمية بالقسم النسائي بأم الجود
  •  
    فتح الرحيم الغفار في جوامع الأدعية والأذكار (PDF)
    منصة دار التوحيد
  •  
    الملائكة تصلي على من يصلي على النبي صلى الله عليه ...
    جمعية مشكاة النبوة
شبكة الألوكة / المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل / خطب منبرية
علامة باركود

آل ياسر رضي الله عنهم

آل ياسر رضي الله عنهم
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/2/2020 ميلادي - 11/6/1441 هجري

الزيارات: 40296

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الثابتون على الحق (5)

آل ياسر رضي الله عنهم

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النِّسَاء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الْأَحْزَاب: 70-71].

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

أَيُّهَا النَّاسُ: إِذَا لَامَسَ الْإِيمَانُ الْقَلْبَ سَعِدَ بِهِ، وَإِذَا تَمَكَّنَ مِنْهُ هَانَ كُلُّ عُسْرٍ عَلَى صَاحِبِهِ فِيهِ، وَاحْتَمَلَ كُلَّ أَذًى فِي سَبِيلِهِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَلْبَ الْعَامِرَ بِالْإِيمَانِ لَا يَتْرُكُهُ مَهْمَا كَانَ، وَهَذَا هُوَ تَحْبِيبُ الْإِيمَانِ وَتَزَيُّنُهُ فِي الْقُلُوبِ، الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ﴾ [الْحُجُرَات: 7]، فَمَحَبَّتُهُمْ لِلْإِيمَانِ تَدْفَعُهُمْ لِلتَّشَبُّثِ بِهِ، وَكُرْهُهُمْ لِلْكُفْرِ تُنَفِّرُهُمْ مِنْهُ، وَقَالَ هِرَقْلُ لِأَبِي سُفْيَانَ لَمَّا سَأَلَهُ عَنْ أَتْبَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ، فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ».. وَمِنَ الدُّعَاءِ النَّبَوِيِّ الْمَأْثُورِ الَّذِي دَعَا بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقِبَ الْهَزِيمَةِ يَوْمَ أُحُدٍ؛ لِيُثَبِّتَ بِهِ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ تَوَّفَنَا مُسْلِمِينَ، وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ، غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

 

وَهَذِهِ سِيرَةُ أُسْرَةٍ مُؤْمِنَةٍ اخْتَارَتِ الْإِيمَانَ عَلَى الْكُفْرِ فِي زَمَنٍ خَافَ النَّاسُ فِيهِ مِنَ الْإِيمَانِ، وَأُوذِيَتْ هَذِهِ الْأُسْرَةُ أَشَدَّ الْأَذَى حَتَّى فَرَّقَ الْقَتْلُ وَالْمَوْتُ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى جَمْعَهَا، وَشَتَتَ شَمْلَهَا، وَأفْرَادُهَا ثَابِتُونَ عَلَى الْحَقِّ، صَابِرُونَ عَلَى الْأَذَى، مُتَحَمِّلُونَ الْأَلَمَ، فَلَقُوا اللَّهَ تَعَالَى بِإِيمَانِهِمْ وَثَبَاتِهِمْ عَلَى الْحَقِّ، فَهَنِيئًا لَهُمْ.

 

إِنَّهَا أُسْرَةُ آلِ يَاسِرٍ الْعَنْسِيِّ: يَاسِرٌ وَزَوْجُهُ سُمَيَّةُ بِنْتُ خَيَّاطٍ، وَابْنَاهُمَا عَمَّارٌ وَعَبْدُ اللَّهِ، أَرْبَعَةٌ سَبَقُوا لِلْإِسْلَامِ، وَاتَّبَعُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبِدَايَاتِ، وَثَبَتُوا إِلَى النِّهَايَاتِ، مَهْمَا كَانَتِ التَّبِعَاتُ.

 

قَدِمَ يَاسِرٌ الْعَنْسِيُّ مِنَ الْيَمَنِ إِلَى الْحِجَازِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَعَ أَخَوَيْنِ لَهُ، وَمَكَثَ فِي مَكَّةَ وَرَجَعَ أَخَوَاهُ، فَحَالَفَ آلَ مَخْزُومٍ، فَزَوَّجُوهُ سُمَيَّةَ بِنْتَ خَيَّاطٍ، وَكَانَتْ أَمَةً لَهُمْ، فَوَلَدَتْ سُمَيَّةُ حُرَيْثًا وَمَاتَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَوَلَدَتْ عَمَّارًا وَعَبْدَ اللَّهِ، فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَلَغَتْهُمْ دَعْوَتُهُ آمَنَتْ هَذِهِ الْأُسْرَةُ بِكَامِلِهَا. قَالَ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ مُجَاهِدٌ الْمَكِّيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ سَبْعَةٌ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَبِلَالٌ، وَخَبَّابٌ، وَصُهَيْبٌ، وَعَمَّارٌ وَسُمَيَّةُ أُمُّ عَمَّارٍ».

 

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «وَكَانَتْ بَنُو مَخْزُومٍ يَخْرُجُونَ بِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَبِأَبِيهِ وَأُمِّهِ -وَكَانُوا أَهْلَ بَيْتِ إِسْلَامٍ- إِذَا حَمِيَتِ الظَّهِيرَةُ يُعَذِّبُونَهُمْ بِرَمْضَاءِ مَكَّةَ. فَيَمُرُّ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ -فِيمَا بَلَغَنِي-: صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ، مَوْعِدُكُمُ الْجَنَّةُ».

 

«فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَمَنَعَهُ قَوْمُهُ، وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَأُلْبِسُوا دُرُوعَ الْحَدِيدِ، وَصُهِرُوا فِي الشَّمْسِ حَتَّى بَلَغَ الْجُهْدُ مِنْهُمْ، وَجَاءَ أَبُو جَهْلٍ إِلَى سُمَيَّةَ فَطَعَنَهَا فِي قُبُلِهَا، فَهِيَ أَوَّلُ شَهِيدَةٍ فِي الْإِسْلَامِ».

 

وَمَنْ يَتَحَمَّلُ أَنْ يُلْبَسَ دُرُوعَ الْحَدِيدِ وَيُوقَفَ فِي شَمْسِ مَكَّةَ الْحَارِقَةِ فَيَثْبُتَ عَلَى إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَنْ جَعَلَ نَفْسَهُ وَمَا يَمْلِكُ فِدَاءً لِدِينِهِ؟!

 

وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَأَبَاهُ يَاسِرًا وَأَخَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَاسِرٍ وَسُمَيَّةَ كَانُوا يُعَذَّبُونَ فِي اللَّهِ تَعَالَى، فَمَرَّ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ، فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ. فَمَاتَ يَاسِرٌ فِي الْعَذَابِ، وَأَغْلَظَتْ سُمَيَّةُ لِأَبِي جَهْلٍ فَطَعَنَهَا فِي قُبُلِهَا فَمَاتَتْ، وَرُمِيَ عَبْدُ اللَّهِ فَسَقَطَ».

 

فَمَاتَ ثَلَاثَةٌ مِنْ أَفْرَادِ الْأُسْرَةِ الْمُؤْمِنَةِ الصَّالِحَةِ تَحْتَ الْعَذَابِ، يَاسِرٌ وَسُمَيَّةُ وَابْنُهُمَا عَبْدُ اللَّهِ، وَعَاشَ عَمَّارٌ تَحْتَ الْعَذَابِ. وَحِينَ اسْتُشْهِدَتْ سُمَيَّةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ عَجُوزًا ضَعِيفَةً لَا تَقْوَى عَلَى شَيْءٍ، فَلَمْ يُقَدِّرِ الْمُشْرِكُونَ شَيْخُوخَتَهَا، وَلَمْ يَرْحَمُوا ضَعْفَهَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ لَهَا الشَّهَادَةَ وَالرِّفْعَةَ وَخُلُودَ الذِّكْرِ فِي خِتَامِ عُمْرِهَا.

 

وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِسَنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «إِنَّ أَبَا جَهْلٍ طَعَنَ بِحَرْبَةٍ فِي فَخِذِ سُمَيَّةَ أُمِّ عَمَّارٍ حَتَّى بَلَغَتْ فَرْجَهَا فَمَاتَتْ، فَقَالَ عَمَّارٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلَغَ مِنَّا - أَوْ بَلَغَ مِنْهَا - الْعَذَابُ كُلَّ مَبْلَغٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَبْرًا أَبَا الْيَقْظَانِ. اللَّهُمَّ لَا تُعَذِّبْ أَحَدًا مِنْ آلِ يَاسِرٍ بِالنَّارِ».

 

وَبَقِيَ عَمَّارٌ وَحْدَهُ تَحْتَ الْعَذَابِ بَعْدَ أَنِ اسْتُشْهِدَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ وَأَخُوهُ، وَكَانَ عَمَّارٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُعَذَّبُ حَتَّى لَا يَدْرِيَ مَا يَقُولُ مِنْ شِدَّةِ الْعَذَابِ. وَبِسَبَبِهِ نَزَلَتِ الرُّخْصَةُ فِي قَوْلِ الْكُفْرِ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ، وَهِيَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ﴾ [النَّحْلِ: 106]، فَكَانَ لِلْمُؤْمِنِ رُخْصَةٌ إِذَا عُذِّبَ عَلَى إِيمَانِهِ أَنْ يَنْطِقَ بِالْكُفْرِ لِيُرْفَعَ عَنْهُ الْعَذَابُ، وَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ، وَالْعَزِيمَةُ أَفْضَلُ مِنَ الرُّخْصَةِ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ إِغَاظَةِ الْمُشْرِكِينَ بِقُوَّةِ إِيمَانِ الْمُؤْمِنِينَ. وَفِي قِصَّةِ هَذِهِ الرُّخْصَةِ، رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فَلَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ، ثُمَّ تَرَكُوهُ، فَلَمَّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ: شَرٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تُرِكْتُ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ، وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ. قَالَ: كَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟ قَالَ: مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ. قَالَ: إِنْ عَادُوا فَعُدْ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.

 

وَأَعَزَّ اللَّهُ تَعَالَى الْإِسْلَامَ بِالْهِجْرَةِ وَبِنَاءِ الدَّوْلَةِ، وَكَثْرَةِ الْأَتْبَاعِ، ثُمَّ بِغَزْوَةِ بَدْرٍ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا عَدُوُّ اللَّهِ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمَّارٍ: «قَتَلَ اللَّهُ قَاتِلَ أُمِّكَ».

 

﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 27].

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ، وَأَكْثِرُوا مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَتَدَبُّرِهِ؛ فَإِنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ الثَّبَاتِ ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴾ [الْفُرْقَانِ: 32].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: رَغْمَ أَنَّهُ مَا بَقِيَ مِنْ أُسْرَةِ آلِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إِلَّا عَمَّارٌ، وَالْبَقِيَّةُ مَاتُوا تَحْتَ التَّعْذِيبِ؛ فَإِنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَاشَ عُمْرًا مَدِيدًا؛ إِذْ عُذِّبَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ عَاشَ بَعْدَ التَّعْذِيبِ نَحْوَ نِصْفِ قَرْنٍ، كُلُّهَا فُتُوحٌ وَعِزٌّ لِلْإِسْلَامِ، وَمَنْ صَبَرَ ظَفِرَ. وَذَهَبَ أَلَمُ الْعَذَابِ، وَبَقِيَ لِعَمَّارٍ الْأَجْرُ وَالثَّوَابُ، رَغْمَ أَنَّ آثَارَ الْعَذَابِ بَقِيَتْ فِي جَسَدِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ كَمَا رَوَى ابْنُ سَعْدٍ بِسَنَدِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: «أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ مُتَجَرِّدًا فِي سَرَاوِيلَ قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَى ظَهْرِهِ فِيهِ حَبَطٌ كَثِيرٌ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا مِمَّا كَانَتْ تُعَذِّبُنِي بِهِ قُرَيْشٌ فِي رَمْضَاءِ مَكَّةَ».

 

عَاشَ عَمَّارٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثَلَاثًا وَتِسْعِينَ سَنَةً، فَمَا أَنْقَصَ عُمْرَهُ مَا أَصَابَهُ مِنَ التَّعْذِيبِ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا زَادَ فِي عُمْرِ رُؤُوسِ الْكُفْرِ مِنْ قُرَيْشٍ تَعْذِيبُهُمْ لَهُ؛ إِذْ قُتِلُوا خَزَايَا فِي بَدْرٍ بَعْدَ سَنَتَيْنِ فَقَطْ مِنْ تَعْذِيبِهِمْ لَهُ وَلِلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ؛ فَالثَّبَاتُ عَلَى الْحَقِّ لَا يُنْقِصُ الْأَعْمَارَ، وَلَا يَزِيدُهَا النُّكُوصُ عَلَى الْأَعْقَابِ. بَلْ هِيَ آجَالٌ مُقَدَّرَةٌ، وَمَنَايَا مُسَطَّرَةٌ، كُتِبَتْ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ قَبْلَ خَلْقِ الْبَشَرِ ﴿ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ [الرَّعْدِ: 39].

 

وَفِي قِرَاءَةِ ثَبَاتِ هَذِهِ الْأُسْرَةِ الْمُؤْمِنَةِ، أُسْرَةِ آلِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ تَثْبِيتٌ لِلْأُسَرِ الْمُؤْمِنَةِ فِي حَالِ اشْتِدَادِ الْمِحَنِ، وَكَثْرَةِ الْفِتَنِ؛ لِنَعْلَمَ أَنَّهُ يَسَعُ الْأُسْرَةَ الْمُسْلِمَةَ أَنْ تَثْبُتَ عَلَى الْحَقِّ بِرِجَالِهَا كَمَا ثَبَتَ يَاسِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَتَثْبُتَ بِنِسَائِهَا كَمَا ثَبَتَتْ سُمَيَّةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَتَثْبُتَ بِأَوْلَادِهَا كَمَا ثَبَتَ عَمَّارٌ وَعَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَلَقِيَ أَفْرَادُ هَذِهِ الْأُسْرَةِ الْمُؤْمِنَةِ رَبَّهُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَهُمْ ثَابِتُونَ، غَيْرَ مُبَدِّلِينَ وَلَا مُغَيِّرِينَ، وَصَدَقَ فِيهِمْ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 23]، فَيَاسِرٌ وَسُمَيَّةُ وَعَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا مِمَّنْ قَضَوْا نَحْبَهُمْ شُهَدَاءَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَكَانَ عَمَّارٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِمَّنِ انْتَظَرَ حَتَّى وَافَتْهُ مَنِيَّتُهُ بَعْدَ عُمْرٍ طَوِيلٍ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى.

 

فَحَرِيٌّ بِالْأَبِ وَالْأُمِّ أَنْ يَكُونُوا قُدْوَةً لِأَوْلَادِهِمْ فِي التَّمَسُّكِ بِالْحَقِّ، وَالثَّبَاتِ عَلَيْهِ، وَعَدَمِ مُسَاوَمَتِهِ بِشَيْءٍ مَهْمَا كَانَ؛ فَإِنَّ الْجَزَاءَ جَنَّةٌ عَرْضُهَا الْأَرْضُ وَالسَّمَاءُ. وَأَنْ يَزْرَعُوا فِي أَوْلَادِهِمْ أَهَمِّيَّةَ الثَّبَاتِ عَلَى الْحَقِّ، وَيُدَرِّسُوهُمْ وَسَائِلَهُ وَأَسْبَابَهُ مِنْ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَقِرَاءَةِ سِيَرِ الثَّابِتِينَ عَلَى الْحَقِّ، وَمُلَازَمَةِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ كِتَابُ ثَبَاتٍ وَتَثْبِيتٍ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • صبرا آل ياسر (خطبة)
  • مرور النبي بآل ياسر وهم يعذبون

مختارات من الشبكة

  • من علماء آل الشيخ: عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن حمد آل الشيخ(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تفسير: (يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المعرف بأل: تعريفه وإعرابه(مقالة - حضارة الكلمة)
  • تفسير: (يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سورة " آل عمران " للناشئين .. ( الآيات 116: 140 )(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • آثار الصحابة رضي الله عنهم والتابعين في الجبن الذي فيه إنْفَحة ميتة: آثار الصحابة رضي الله عنهم(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الزومان)
  • وقفات ودروس من سورة آل عمران (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات ودروس من سورة آل عمران (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات ودروس من سورة آل عمران (1)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ستولاك تستعد لانطلاق النسخة الثالثة والعشرين من فعاليات أيام المساجد
  • موافقة رسمية على مشروع تطويري لمسجد بمدينة سلاو يخدم التعليم والمجتمع
  • بعد انتظار طويل.. وضع حجر الأساس لأول مسجد في قرية لوغ
  • فعاليات متنوعة بولاية ويسكونسن ضمن شهر التراث الإسلامي
  • بعد 14 عاما من البناء.. افتتاح مسجد منطقة تشيرنومورسكوي
  • مبادرة أكاديمية وإسلامية لدعم الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في التعليم بنيجيريا
  • جلسات تثقيفية وتوعوية للفتيات المسلمات بعاصمة غانا
  • بعد خمس سنوات من الترميم.. مسجد كوتيزي يعود للحياة بعد 80 عاما من التوقف

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 22/1/1447هـ - الساعة: 11:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب