• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | المكتبة المرئية   المكتبة المقروءة   المكتبة السمعية   مكتبة التصميمات   كتب د. خالد الجريسي   كتب د. سعد الحميد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إعلام الأنام بشرح نواقض الإسلام - باللغة ...
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    ما لا يسع المسلم جهله في الفقه والأخلاق (PDF)
    أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
  •  
    طيب المعشر (PDF)
    أ. أحمد بن عبيد الحربي
  •  
    صيحة ونداء وتحذير إلى كل عاقل لبيب (PDF)
    منصور بن محمد بن حسن الزبيري
  •  
    القانون في رواية قالون (PDF)
    بلحسن بن محمد لطفي الشاذلي
  •  
    ترجمة مختصرة لسماحة الشيخ العلامة محمد بن عبدالله ...
    أ. د. عبدالمجيد بن محمد بن عبدالله ...
  •  
    شرح كتاب الأصول الثلاثة: من قول المؤلف (المرتبة ...
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    أربعون حديثا في الأخلاق من صحيحي البخاري ومسلم ...
    جمعية مشكاة النبوة
  •  
    أذكار المساء والصباح (تلخيص كتاب "الأذكار" للإمام ...
    د. محمد عبدالله عباس الشال
  •  
    الإحسان والرحمة.. وحذر الطمع والجشع
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    توثيق النسبة بين المخطوط ومؤلفه
    أبو عاصم البركاتي المصري
  •  
    القواعد الأصولية وتطبيقاتها من كتاب "شرح الحاوي ...
    عبدالرحمن علي محمد المطري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الأسرة والمجتمع
علامة باركود

لا كثير مع التبذير ولا قليل مع حسن التدبير

الشيخ عبدالله بن محمد البصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/10/2016 ميلادي - 29/1/1438 هجري

الزيارات: 25552

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لا كثير مع التبذير ولا قليل مع حسن التدبير

 

أَمَّا بَعدُ، فَـ ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، يَتَحَدَّثُ النَّاسُ مُنذُ مُدَّةٍ عَنِ الرَّوَاتِبِ حَدِيثَ الخَائِفِينَ، وَقَد وَضَعَ كُلٌّ مِنهُم يَدَهُ عَلَى قَلبِهِ، لا يَدري مَا اللهُ صَانِعٌ بِهَذَا المَصدَرِ مِن مَصَادِرِ رِزقِهِ، أَمَّا وَقَد تَسَلَّمُوهَا قَبلَ لَيلَةٍ أَو لَيلَتَينِ، فَقَد بَانَ لِكُلٍّ حَالُ رَاتِبِهِ وَمَا أَصَابَهُ، غَيرَ أَنَّ مِمَّا يَجِبُ أَلاَّ يُشَكَّ فِيهِ، وَهُوَ مِمَّا يَبعَثُ السَّكِينَةَ في النُّفُوسِ وَيَبُثُّ الطُّمَأنِينَةَ في القُلُوبِ، أَنَّ ذَلِكَ لم يَخرُجْ عَمَّا قَدَّرَهُ اللهُ لِكُلِّ عَبدٍ مِن الرِّزقِ وَهُوَ في بَطنِ أُمِّهِ، فَفِي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ عَن عَبدِاللهِ بنِ مَسعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الصَّادِقُ المَصدُوقُ: " إِنَّ أَحَدَكُم يُجمَعُ خَلقُهُ في بَطنِ أُمِّهِ أَربَعِينَ يَومًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضغَةً مِثلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبعَثُ اللهُ مَلَكًا فَيُؤمَرُ بِأَربَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ: اُكتُبْ عَمَلَهُ وَرِزقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَو سَعِيدٌ... " الحَدِيثَ.

 

وَبَعِيدًا عَنِ الحَدِيثِ عَن زِيَادَةِ الرَّوَاتِبِ أَو نُقصَانِهَا، أَو حَذفِ شَيءٍ مِنَ البَدَلاتِ أَو تَعدِيلِهَا، فَإِنَّ ثَمَّةَ أَمرًا مُهِمًّا قَد غَفَلَ عَنهُ كَثِيرٌ مِنَّا، وَغَابَ عَن الأَذهانِ في خِضَمِّ مَا نَنعَمُ بِهِ مِن نِعَمٍ مُمتَدَّةٍ وَخَيرَاتٍ وَاسِعَةٍ وَتَوَفُّرٍ في الأَموَالِ، مَعَ أَنَّهُ مِنَ الأُصُولِ الَّتي يَحيَا بِهَا النَّاسُ حَيَاةً كَرِيمَةً لَوِ اتَّبَعُوهَا، وَيَهنَؤُونَ بِعَيشِهِم لَو عَمِلُوا بِهَا وَاعتَمَدُوهَا، وَإِلاَّ فَإِنَّ مَن أَهمَلَهُ وَلم يَنتَبِهْ إِلَيهِ، ضَاعَت عَلَيهِ أَموَالُهُ وَذَهَبَت وَتَبَدَّدَت، وَإِن كَانَ دَخلُهُ كَعَشَرَةٍ مِنَ الرِّجَالِ. أَرَأَيتُم لَو أَنَّ امرَأً اشتَرَى في يَومِهِ مَا يَحتَاجُ إِلَيهِ وَمَا لا يَلزَمُهُ، وَأَطَاعَ مَن تَحتَ يَدِهِ مِن زَوجَةٍ وَأَبنَاءٍ في كُلِّ مَا يَطلُبُونَهُ وَيَشتَهُونَهُ، وَقَلَّدَ الآخَرِينَ فِيمَا يَشتَرُونَ وَيَركَبُونَ وَيَسكُنُونَ، هَل تَرونَهُ سَيَبقَى مِن رَاتِبِهِ شَيءٌ وَلَو كَثُرَ؟! لا أَظُنُّ الإِجَابَةَ تَخفَى عَلَى عَاقِلٍ حَصِيفٍ، وَمِن ثَمَّ كَانَ ادِّخَارُ المَالِ وَالاقتِصَادُ في الإِنفَاقِ مَنهَجًا لِلعُقَلاءِ المُدرِكِينَ عَوَاقِبَ الأُمُورِ، جَاءَت بِهِ الشَّرَائِعُ وَصَدَّقَتهُ الوَقَائِعُ، وَأَثبَتَتهُ تَجَارِبُ الحَيَاةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، فَفي البُخَارِيِّ مِن حَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبِيعُ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ، وَيَحبِسُ لِأَهلِهِ قُوتَ سَنَتِهِم.

 

وَفي الصَّحِيحَينِ مِن حَدِيثِ سَعدِ بنِ أَبي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: مَرِضتُ عَامَ الفَتحِ مَرَضًا أَشفَيتُ عَلَى المَوتِ، فَأَتَاني رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَعُودُني، فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لي مَالاً كَثِيرًا، وَلَيسَ يَرِثُني إِلاَّ ابنَتي، أَفَأُوصِي بِمَالي كُلِّهِ؟ قَالَ: " لا " قُلتُ: فَثُلُثَي مَالي؟ قَالَ: " لا " قُلتُ: فَالشَّطرُ؟ قَالَ: " لا " قُلتُ: فَالثُّلُثُ؟ قَالَ: " الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغنِيَاءَ خَيرٌ مِن أَن تَذَرَهُم عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ... " الحَدِيثَ.

 

وَفي الصَّحِيحَينِ في قِصَّةِ تَوبَةِ كَعبِ بنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ مِن تَوبَتِي أَن أَنخَلِعَ مِن مَالي صَدَقَةً إِلى اللهِ وَإِلى رَسُولِ اللهِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: أَمسِكْ عَلَيكَ بَعضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيرٌ لَكَ... الحَدِيثَ.

 

وَعَن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَومًا أَن نَتَصَدَّقَ، فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالاً عِندِي، فَقُلتُ: اليَومَ أَسبِقُ أَبَا بَكرٍ إِنْ سَبَقتُهُ يَومًا، فَجِئتُ بِنِصفِ مَالي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مَا أَبقَيتَ لأَهلِكَ؟ " قُلتُ: مِثلَهُ. قَالَ: وَأَتى أَبُو بَكرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - بِكُلِّ مَا عِندَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مَا أَبقَيتَ لأَهلِكَ؟ " قَالَ: أَبقَيتُ لَهُمُ اللهَ وَرَسُولَهُ. قُلتُ: لا أُسَابِقُكَ إِلى شَيءٍ أَبَدًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.

 

وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ كَمَا سَمِعتُم - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - تُبِينُ جَوَازَ ادِّخَارِ ثُلُثَيِ المَالِ أَو نِصفِهِ، أَو قُوتِ سَنَةٍ أَو أَكثَرَ، بَل فِيهَا جَوَازُ ادِّخَارِ المَالِ لِلأَبنَاءِ بَعدَ المَوتِ، وَلا يُقَالُ إِنَّ هَذَا مِن طُولِ الأَمَلِ أَوِ البُخلِ؛ لأَنَّ الإِعدَادَ لِلحَاجَةِ مُستَحسَنٌ شَرعًا وَعَقلاً، وَخَاصَّةً حِينَمَا يَكُونُ المَرءُ مِمَّا لا يَصبِرُ عَلَى ضَيقِ العَيشِ وَلا يَتَحَمَّلُ شِدَّتَهُ، وَإِلاَّ فَإِنَّ مَن يَصبِرُ عَلَى شَظَفِ العَيشِ وَمَرَارَةِ الفَقرِ، فَإِنَّ مِنَ المُستَحسَنِ لَهُ تَقدِيمَ المَالِ كُلِّهِ أَمَامَهُ؛ لِيَلقَاهُ يَومَ القِيَامَةِ، في مَوقِفٍ هُوَ أَشَدُّ مَا يَكُونُ إِلَيهِ حَاجَةً وَاضطِرَارًا؛ وَمِن ثَمَّ كَانَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - في نَفسِهِ لا يَدَّخِرُ شَيئًا لِغَدٍ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " مَا يَسُرُّني أَنَّ عِندِي مِثلَ أُحُدٍ هَذَا ذَهَبًا، تَمضِي عَلَيهِ ثَالِثَةٌ وَعِندِي مِنهُ دِينَارٌ إِلاَّ شَيءٌ أُرصِدُهُ لِدَينٍ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِنَّ تَقَلُّبَ أَحوَالِ الدُّنيَا بَينَ الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، وَانتِقَالَ النَّاسِ مَا بَينَ الفَقرِ وَالغِنى، أَمرٌ لا مَنَاصَ مِنهُ لأَحَدٍ كَائِنًا مَن كَانَ، وَلا تَسلَمُ مِنهُ بِلادٌ وَلا يَخلُو مِنهُ مَكَانٌ وَلا زَمَانٌ، وَنَحنُ نَقرَأُ في كِتَابِ اللهِ مَا أَصَابَ النَّاسَ في مِصرَ في عَهدِ نَبيِّ اللهِ يُوسُفَ - عَلَيهِ السَّلامُ - وَكَيفَ رَأَى المَلِكُ تِلكَ الرُّؤيَا في مَنَامِهِ، لِيَعبُرَهَا يُوسُفُ - عَلَيهِ السَّلامُ - لَهُم بما عَلَّمَهُ اللهُ مِن تَأوِيلِ الأَحَادِيثِ، وَيُنَظِّمُ لَهُم مَوَارِدَهُم، وَيَدُلَّهُم عَلَى ضَرُورَةِ الاستِعَانَةِ بِالرَّخَاءِ عَلَى الشِّدَّةِ، وَبِالادِّخَارِ مِن أَيَّامِ الغِنى وَالسَّعَةِ لأَيَّامِ الفَقرِ وَالضِّيقِ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَقَالَ المَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأكُلُهُنَّ سَبعٌ عِجَافٌ وَسَبعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفتُوني في رُؤيَايَ إِنْ كُنتُم لِلرُّؤيَا تَعبُرُونَ * قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ * وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ * يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾ [يوسف: 43 - 49].

 

لَقَد أَرشَدَهُم - عَلَيهِ السَّلامُ - بما عَلَّمَهُ اللهُ بِأَن يَأكُلُوا القَلِيلَ وَيَدَّخِرُوا الكَثِيرَ، وَدَلَّهُم عَلَى أَنَّ عَدَمَ الإِسرَافِ في الإِنفَاقِ مِمَّا في أَيدِيهِم، هُوَ خَيرُ مَا يَستَعِينُونَ بِهِ عَلَى تَسيِيرِ أُمُورِهِم وَشُؤُونِ حَيَاتِهِم، حِينَ تَشتَدُّ بِهِمُ السُّنُونَ وَتُجدِبُ أَرضُهُم وَيَقِلُّ مَا عِندَهُم. وَلَيسَ الحَثُّ عَلَى الادِّخَارِ وَالاقتِصَادِ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - دَعوَةً إِلى أَن يَضعُفَ يَقِينُ المُسلِمِ بِرِزقِ اللهِ لَهُ في غَدِهِ، أَو إِلى التَّحَلِّي بِالبُخلِ وَاعتِيَادِ الشُّحِّ، أَوِ التَّقتِيرِ عَلَى مَن تَجِبُ عَلَيهِ نَفَقَتُهُم، فَكُلُّ هَذَا مِمَّا لم يَأمُرْ بِهِ دِينٌ قَوِيمٌ وَلا يُقِرُّهُ عَقلٌ سَلِيمٌ، وَلَكِنَّ المَقصُودَ أَن يَزِنَ المُسلِمُ مَنهَجَهُ في الإِنفَاقِ بِمَا وَجَّهَهُ رَبُّهُ وَخَالِقُهُ إِلَيهِ، حَيثَ قَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا * إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴾ [الإسراء: 29، 30].

 

وَقَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67] وَإِذَا كَانَ الإِسلامُ قَد أَبَاحَ الادِّخَارَ وَبَيَّنَ فَضِيلَتَهُ لِمَن يَحتَاجُ إِلَيهِ، فَقَد حَذَّرَ مِنَ البُخلِ وَاكتِنَازِ المَالِ بِلا حَاجَةٍ، وَحَبسِهِ عَمَّن يَجِبُ لَهُ وَعَدَمِ أَدَاءِ حُقُوقِ اللهِ فِيهِ، قَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ [التوبة: 34، 35] أَجَل - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - إِنَّ المَقصُودَ هُوَ أَن يَسِيرَ المَرءُ فِيمَا آتَاهُ اللهُ مِن مَالٍ سَيرًا مُعتَدِلاً، وَيُوَازِنَ إِنفَاقَهُ لِمَالِهِ في الوُجُوهِ المُختَلِفَةِ بَينَ مَا يَجِبُ وَمَا يَحسُنُ، وَمَا لا يَجُوزُ وَلا يَحسُنُ، فَإِنَّهُ إِن فَعَلَ ذَلِكَ بَارَكَ اللهُ لَهُ في مَالِهِ، وَذَاقَ لَذَّتَهُ وَاستَمتَعَ بِهِ، وَتَوَالى عَلَيهِ الرِّزقُ مِن رَبِّهِ، وَلم يُضطَرَّ يَومًا لِمَا لا يَلِيقُ بِهِ، وَاسمَعُوا إِلى هَذَا الحَدِيثِ الَّذِي يَروِيهِ أَبُو هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - عَنِ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - حَيثُ قَالَ: " بَينَا رَجُلٌ بِفَلاةٍ مِنَ الأَرضِ، فَسَمِعَ صَوتًا في سَحَابَةٍ: اِسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ. فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأَفرَغَ مَاءَهُ في حَرَّةٍ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِن تِلكَ الشِّرَاجِ قَدِ استَوعَبَتْ ذَلِكَ المَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ المَاءَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ في حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ المَاءَ بِمِسحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبدَاللهِ مَا اسمُكَ؟ قَالَ: فُلاَنٌ. لِلاسمِ الَّذِي سَمِعَ في السَّحَابَةِ، فَقَالَ لَهُ يَا عَبدَاللهِ، لِمَ تَسأَلُني عَنِ اسمِي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعتُ صَوتًا في السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اِسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ لاسمِكَ، فَمَا تَصنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَّا إِذَا قُلتَ هَذَا، فَإِنِّي أَنظُرُ إِلى مَا يَخرُجُ مِنهَا فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ " رَوَاهُ مُسلِمٌ.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ خَشيَتَكَ في الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ، وَنَسأَلُكَ كَلِمَةَ الحَقِّ في الغَضَبِ وَالرِّضَا، وَنَسأَلُكَ القَصدَ في الغِنى وَالفَقرِ، وَنَسأَلُكَ نَعِيمًا لا يَنفَدُ وَقُرَّةَ عَينٍ لا تَنقَطِعُ، وَنَسأَلُكَ الرِّضَا بَعدَ القَضَاءِ، وَنَسأَلُكَ بَردَ العَيشِ بَعدَ المَوتِ، وَنَسأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلى وَجهِكَ الكَرِيمِ وَالشَّوقَ إِلى لِقَائِكَ، في غَيرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلا فِتنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ وَاجعَلْنَا هُدَاةً مُهتَدِينَ...

♦ ♦ ♦

 

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَاشكُرُوهُ ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، حِينَمَا يُنفِقُ أَحَدُنَا بِلا حِسَابٍ لِيُسَافِرَ لِلسِّيَاحَةِ، أَو لِيُغَيِّرَ أَثَاثَ بَيتِ مَا زَالَ صَالِحًا، أَو لِيَركَبَ سَيَّارَةً فَخمَةً، أَو لِيَشتَرِيَ جَوَّالاً قَبلَ أَن يَملِكَهُ غَيرُهُ، أَو لِيُقِيمَ حَفلاً لم يَسمَعِ النَّاسُ بِمِثلِهِ، أَو لِيُقِيمَ غَدَاءً أَو عَشَاءً لا يُؤكَلُ عُشرُ مَا قُدِّمَ فِيهِ، ثم لا يَأتي آخِرُ الشَّهرِ إِلاَّ وَقَد صَارَ كَالفَقِيرِ المُعدِمِ، لا يَكَادُ يَجِدُ قِيمَةَ غَدَائِهِ وَعَشَائِهِ، فَيُضطَرُّ لِلاستِدَانَةِ لِتَوفِيرِ حَاجَاتِ بَيتِهِ وَأُسرَتِهِ، فَهَل يَحِقُّ لَهُ أَن يَقُولَ إِنَّ الرَّاتِبَ قَلِيلٌ وَلا يَكفِي وَلا يَفِي؟! صَحِيحٌ أَنَّنَا مَا زِلنَا نُعَاني مِن غَلاءِ الأَسعَارِ وَارتِفَاعِهَا عَنِ المُعَدَّلِ الطَّبِيعِيِّ في كَثِيرٍ مِنَ السِّلَعِ، وَأَنَّ بَعضَنَا قَد تَعرِضُ لَهُ أَحوَالٌ وَظُرُوفٌ وَمُتَغَيِّرَاتٌ، وَلَكِنْ... لِنَكُنْ عَلَى ثِقَةٍ أَنَّ أَكثَرَ ما يُصِيبُنَا مِن قِلَّةِ ذَاتِ اليَدِ وَالحَاجَةِ المَاسَّةِ، وَعَدَمِ وَفَاءِ الرَّوَاتِبِ بِمَا نَطمَحُ إِلَيهِ، إِنَّمَا مَرَدُّهُ إِلى سُوءِ سِيَاسَتِنَا لِمَا بِأَيدِينَا مِن أَموَالٍ، وَكَونِ قَرَارَاتِنَا في الشِّرَاءِ في كَثِيرٍ مِنَ الأَحيَانِ، لَيسَت مَبنِيَّةً عَلَى تَعَقُّلٍ وَتَوَسُّطٍ، وَلا تَخطِيطٍ جَيِّدٍ وَاقتِصَارٍ عَلَى مَا نَحتَاجُ إِلَيهِ، نَعَم - أَيُّهَا الإِخوَةُ - إِنَّ لَدَينَا وَلِلأَسَفِ الشَّدِيدِ خَلطًا بَينَ مَا نَحتَاجُ إِلَيهِ فِعلاً، وَبَينَ مَا تَرغَبُهُ نُفُوسُنَا وَتَشتَهِيهِ تَظَاهُرًا وَتَشَبُّعًا، فَكَثِيرٌ مِن قَرَارَاتِ الشِّرَاءِ لَدَينَا، إِنَّمَا نَتَّخِذُهَا بِنَاءً عَلَى الرَّغبَةِ لا عَلَى الحَاجَةِ، يَحتَاجُ أَحَدُنَا شَيئًا يَسِيرًا يُحَصِّلُهُ بِمَبلَغٍ زَهِيدٍ أَو قَلِيلٍ، وَلَكِنَّهُ يَأبى إِلاَّ أَن يُحَصِّلَ الغَاليَ وَلَو أَن يَقتَرِضَ أَو يَستَدِينَ، وَتَرَاهُ يُوهِمُ نَفسَهُ بِأَنَّهُ كَانَ في حَاجَةٍ إِلى مَا اشتَرَاهُ، وَلَو تَفَكَّرَ وَتَدَبَّرَ وَتَأَمَّلَ، وَصَدَقَ مَعَ نَفسِهِ وَلم يَكْذِبْهَا، لَوَجَدَ أَنَّ بَاعِثَهُ فِيمَا يَشتَرِيهِ وَيَقتَنِيهِ إِنَّمَا هُوَ التَّقلِيدُ لِلآخَرِينَ، وَحُبُّ الظُّهُورِ أَمَامَهُم بِمَظهَرِ الغِنى وَالثَّرَاءِ، وَالتَّطَلُّعُ إِلى مَدحِهِم وَالخَوفُ مِن ذَمِّهِم، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَأَحسِنُوا التَّصَرُّفَ فِيمَا آتَاكُم يُبَارَكْ لَكُم فِيهِ، فَإِنَّهُ لا كَثِيرَ مَعَ الإِسرَافِ وَالتَّبذِيرِ، وَلا قَلِيلَ مَعَ الاقتِصَادِ وَحُسنِ التَّدبِيرِ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • العيد بين التدبير والتبذير
  • الاخطبوطان الخطيران.. الإسراف والتبذير
  • التبذير طريق إلى التدمير (خطبة)
  • صور التبذير في العصر الأخير
  • الإسراف والتبذير
  • غيث القلوب

مختارات من الشبكة

  • القليل الذي يصنع الكثير(مقالة - آفاق الشريعة)
  • (دروس وفوائد كثيرة من آية عجيبة في سورة الأحقاف) معظمها عن بر الوالدين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسباب البركة في المال(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة دروب النجاح (2): العادات الصغيرة: سر النجاح الذي يغفل عنه الكثيرون(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • اذكروا الله كثيرا (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تدبر: يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صلاة الضحى عمل قليل، وأجره كثير(مقالة - آفاق الشريعة)
  • غيض من فيض وقليل من كثير ونقطة من بحر عداوة الكفار للمسلمين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث أنس: "لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا"(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عمل قليلا وأجر كثيرا ومن مات على شيء بعث عليه(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة نسائية وأخرى طلابية في القرم تناقشان التربية والقيم الإسلامية
  • مركز إسلامي وتعليمي جديد في مدينة فولجسكي الروسية
  • ختام دورة قرآنية ناجحة في توزلا بمشاركة واسعة من الطلاب المسلمين
  • يوم مفتوح للمسجد للتعرف على الإسلام غرب ماريلاند
  • ندوة مهنية تبحث دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم الإسلامي
  • مسلمو ألميتيفسك يحتفون بافتتاح مسجد "تاسكيريا" بعد أعوام من البناء
  • يوم مفتوح بمسجد بلدة بالوس الأمريكية
  • مدينة كلاغنفورت النمساوية تحتضن المركز الثقافي الإسلامي الجديد

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 5/5/1447هـ - الساعة: 16:7
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب