• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | المكتبة المرئية   المكتبة المقروءة   المكتبة السمعية   مكتبة التصميمات   كتب د. خالد الجريسي   كتب د. سعد الحميد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    غذاء القلوب في الذكر والدعاء لعلام الغيوب (PDF)
    منصة دار التوحيد
  •  
    زاد المسلم في حلية طالب العلم
    منصة دار التوحيد
  •  
    ربحت الإسلام دينا ولم أخسر إيماني بالمسيح عليه ...
    محمد السيد محمد
  •  
    الأربعون في التوحيد من صحيحي البخاري ومسلم (PDF)
    جمعية مشكاة النبوة
  •  
    العقيدة الطحاوية للإمام أبي جعفر أحمد بن محمد بن ...
    أحمد بن سعيد شفان الأهجري
  •  
    إعلام الأنام بشرح نواقض الإسلام - باللغة ...
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    ما لا يسع المسلم جهله في الفقه والأخلاق (PDF)
    أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
  •  
    طيب المعشر (PDF)
    أ. أحمد بن عبيد الحربي
  •  
    صيحة ونداء وتحذير إلى كل عاقل لبيب (PDF)
    منصور بن محمد بن حسن الزبيري
  •  
    القانون في رواية قالون (PDF)
    بلحسن بن محمد لطفي الشاذلي
  •  
    ترجمة مختصرة لسماحة الشيخ العلامة محمد بن عبدالله ...
    أ. د. عبدالمجيد بن محمد بن عبدالله ...
  •  
    شرح كتاب الأصول الثلاثة: من قول المؤلف (المرتبة ...
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

تفسير سورة المسد

تفسير سورة المسد
يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 31/5/2025 ميلادي - 4/12/1446 هجري

الزيارات: 910

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سُورَةُ الْمَسَدِ


سُورَةُ (تَبَّتْ): سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ[1]، وَآيُهَا خَمْسُ آياتٍ.

 

أَسْمَاءُ السُّورَةِ:

وَقَدْ ذُكِرَ مِنْ أَسْمَائِهَا: سُورَةُ (تَبَّتْ)، وَسُورَةُ (الْمَسَدِ)، وَسُورَةُ (أَبِي لَهَبٍ)، وَسُورَةُ (اللَّهَبِ)، وَسُورَةُ (مَا كَانَ مِنْ أَبِي لَهَبٍ)[2].

 

الْمَقَاصِدُ الْعَامَّةُ لِلسُّورَةِ:

اِحْتَوَتْ هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى مَقَاصِدَ عَظِيمَةٍ، مِنْ أَهَمِّهَا[3]:

• الْبَتُّ وَالْقَطْعُ بِخُسْرَانِ الْكَافِرِ، وَلَوْ كَانَ أَقْرَبَ الْخَلْقِ إِلَى أَعْظَمِ الْفَائِزِينَ.

 

• زَجْرُ أَبِي لَهَبٍ وَوَعِيدُهُ وَوَعِيدُ امْرَأَتِهِ.

 

سَبَبُ النُّزُولِ:

جَاءَ فِي ذِكْرِ سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ: مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الْآيَةُ ﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين ﴾ [الشعراء:214]،وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ، خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا، فَهَتَفَ: يَا صَبَاحَاهْ، فَقَالُوا: مَنْ هَذَا الَّذِي يَهْتِفُ؟ قَالُوا: مُحَمَّدٌ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا بَنِي فُلاَنٍ يَا بَنِي فُلاَنٍ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْه، فَقَالَ: أَرَأَيْتُكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِسَفْحِ هذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا، قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ أَمَا جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهذَا؟ ثُمَّ قَامَ؛ فَنَزَلَتْ هذِهِ السُّورَةُ: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ»[4].

 

شَرْحُ الْآيَاتِ:

قَولُهُ: ﴿ تَبَّتْ ﴾، أي: هَلَكَتْ أَوْ خَسِرَتْ[5]، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَاب ﴾ [غافر:37]، أَيْ: في هَلاكٍ[6]، ﴿ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ﴾ نَفْسُهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة:195][7]، ﴿ وَتَب ﴾، إخْبارٌ بَعْدَ دُعَاءٍ، كَقَوْلِهِمْ: أَهْلَكَهُ اللَّهُ، وقَدْ هَلَكَ[8].

 

قَولُهُ: ﴿ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَب ﴾، أَيْ: لَا يُغْنِي مَا جَمَعَ مِنَ الْمَالِ، وَلَا مَا كَسَبَ مِنَ الْوَلَدِ وَالْجَاهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فِي دَفْعِ شَيْءٍ مِن عَذَابِ اللهِ إِذَا نَزَلَ بِهِ[9].

 

قَولُهُ: ﴿ سَيَصْلَى ﴾، أي: سَيَدْخُلُ، ﴿ نَارًا ﴾، وَنُكِّرَتْ لِلتَّعْظِيمِ وَالتَّهْوِيلِ، ﴿ ذَاتَ لَهَب ﴾ تَتَوَقَّدُ، وَاللَّهَبُ هُوَ: الشَّرَرُ الْمُتَطَايرُ مِن عِظَمِ وَهَجِ النَّارِ[10].

 

قَولُهُ: ﴿ وَامْرَأَتُهُ ﴾، وَهِيَ أُمُّ جَمِيلٍ، وَاسْمُهَا أَرْوَى بِنْتُ حَرْبٍ، أُخْتُ أَبِي سُفْيانَ رضي الله عنه [11]، ﴿ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَب ﴾ وَوُصِفَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَحْمِلُ الشَّوْكَ، وَتُلْقِيهِ في طَرِيقِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَحْمِلُ الْحَطَبَ فِي جَهَنَّمَ[12].

 

قَولُهُ: ﴿ فِي جِيدِهَا ﴾، أَيْ: عُنُقِهَا[13]، ﴿ حَبْلٌ مِّن مَّسَد ﴾، أي: حَبْلٌ مُحْكَمٌ مِنْ لِيفٍ شَدِيدٌ خَشِنٌ، وَهَذا لِشِدَّةِ عَدَاوَتِهَا لِلنَّبِيِّصلى الله عليه وسلم جَعَلَ اللهُ في عُنُقِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَبْلًا مِنْ لِيفٍ كَالْقِلَادَةِ حَوْلَ الْعُنُقِ[14].


بَعْضُ الْفَوَائِدِ الْمُسْتَخْلَصَةِ مِنَ الْآيَاتِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَب ﴾ [المسد:1]: الْكَثِيرُ مِنَ الاِسْتِنْبَاطَاتِ وَالْفَوَائِدِ الْجَمَّةِ، وَمِنْ ذَلِكَ:

أولًا: أَبُو لَهَبٍ وَمَا قِيلَ في كُنْيَتِهِ:

أَبُو لَهَبٍ: هُوَ أَحَدُ أَعْمَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَاسْمُهُ: عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكُنْيَتُهُ: أَبُو لَهَبٍ، وَقَدِ اشْتُهِرَ بِكُنْيَتِهِ، وَعُرِفَ بِها لِوَلَدٍ لَهُ يُقالُ لَهُ: لَهَبٌ، أَوْ لِشِدَّةِ جَمَالِهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ، وَقِيلَ: إِنَّ كُنْيَتَهُ أَبُو عُتْبَةَ، وَأَمَّا أَبُو لَهَبٍ فَلَقَبٌ لُقِّبَ بِهِ لِجَمَالِهِ، وَلَيْسَ بِكُنْيَةٍ[15].

 

ثانيًا: هَلَاكُ أَبِي لَهَبٍ وَكُلِّ مَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُ:

في الْآيَةِ: دُعَاءٌ عَلَى أَبِي لَهَبٍ بِالْهَلاكِ وَالْخُسْرَانِ فِي الدُّنْيَاَ وَالْآخِرَةِ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَتَب ﴾: دَلِيلٌ عَلَى حُصُولِ الْخَسَارَةِ وَالْهَلَاكِ لَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿ وَتَب ﴾ جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ، أَيْ: وَقَدْ حَصَلَ لَهُ التَّبَابُ، وَذَلِكَ جَزَاءُ كُلِّ مَنْ تَكَبَّرَ عَنِ اْلحَقِّ وَاسْتَكْبَرَ عَنْهُ، فَمَآلُهُ الْخُسْرَانُ وَالْهَلَاكُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَب ﴾ [المسد:1]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَاب ﴾ [غافر:37].

 

ثالثًا: الْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ:

فِي الْآيَةِ: أَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ سَببَ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ هُوَ قَوْلُ أَبي لَهَبٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «تَبًّا لَكَ، أَمَا جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهذَا؟»[16].

 

رابعًا: الْعِبْرَةُ بِالتَّقْوَى وَالإِيمَانِ لَا بِالنَّسَبِ:

فِي الْآيَةِ: أَنَّ النَّسَبَ لَا يُفِيدُ شَيْئًا إِذَا كَانَ بِدُونِ إِيمَانٍ وَبِدُونِ عَمَلٍ صَالِحٍ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: «وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ»[17].

 

فـَأَبُو لَهَبٍ عَمُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَاحِيَةِ النَّسَبِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لِكُفْرِهِ وَعَدَمِ إِيمَانِهِ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ هَذِهِ السُّورَةَ تُتْلَى إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَالْعِبْرَةُ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، لَا بِالْأَنْسَابِ وَالأَحْسَابِ.

 

وَقدْ رَتَّبَ اللهُ تَعَالَى الْجَزَاءَ عَلَى الْأَعْمَالِ لَا عَلَى الْأَنْسَابِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ﴾ [فصلت:46]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات:13].

 

وَأَشَارَتْ إِلَى ذَلِكَ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ وَالْأَحَادِيثُ الشَّرِيفَةُ، وَمِنْ ذَلِكَ:

مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ»[18].

 

وَمَا جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ: ﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين ﴾ [الشعراء:214]: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ، سَلِينِي بِمَا شِئْتِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا»[19].

 

مُنَاسَبَةُ كُنْيَةِ أَبِي لَهَبٍ لِجَزَائِهِ يَوْمَ الْقيَامَةِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَب ﴾ [المسد:3]: نَاسَبَ ذِكْرُ أَبِي لَهَبٍ بِكُنْيَتِهِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ حَالَهُ في الْآخِرَةِ، فَهُوَ خَالِدٌ في نَارٍ عَظِيمَةٍ تلْهِبُ جَسَدَهُ كُلَّهُ، وَيَأْتِيهِ لَهَبُهَا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَتُحيطُ بِه مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَنَارُ الْآخِرةِ لَيْسَتْ كَنَارِ الدُّنْيَا في شِدَّةِ إِحْرَاقِهَا، بَلْ كَنِسْبَةِ جُزْءٍ إِلَى سَبْعِينَ جُزءًا مِنْ حَرَارةِ نَارِ جَهَنَّمَ، كَمَا جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ، قَالُوا: وَاللهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا»[20].

 

التنبيهُ مِنْ فِتْنَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَب ﴾ [المسد:2]: أَنَّ الْمَالَ وَالْوَلَد قَدْ يَكُونا نِقْمَةً عَلَى الْعَبْدِ إِذَا اسْتَكْبَرَ عَنِ الْحَقِّ وَرَدَّهُ وَاغْتَرَّ بِمَالِهِ وَوَلَدِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَب ﴾ [المسد:2]؛ وَلِهَذا أَخْبَرَنَا اللهُ تَعَالَى أَنَّ الْمَالَ وَالْوَلَدَ فِتْنَةٌ؛ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيم ﴾ [الأنفال:28]، وَحَذَّرَنَا مِنَ الاِشْتِغَالِ بِالْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ عَنْ ذِكْرِهِ تَعَالَى؛ فَقَالَ: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُون ﴾ [المنافقون:9].


الْوَلَدُ مِنْ كَسْبِ الْإِنْسَانِ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَمَا كَسَب ﴾: أَنَّ وَلَدَ الْإِنْسَانِ مِنْ كَسْبِهِ، وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ عَائِشَةَ~: أَنَّ النَّبِيَّصلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ»[21]. وَغَالِبًا مَا يُذْكَرُ الْمَالُ مَقْرُونًا بِالْأَوْلَادِ في الْقُرْآنِ الْكَريمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئًا وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون ﴾ [آل عمران:116]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون ﴾ [المجادلة:17]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُون * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم ﴾[الشعراء: 88-89].


خَطَرُ مُعَادَاةِ دِينِ اللهِ وَالْعُونِ عَلَى ذَلِكَ:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَب * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَد ﴾[المسد:4-5]: أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ زَوْجَةُ أَبِي لَهَبٍ عَوْنًا لِزَوْجِهَا عَلَى مُعَادَاةِ الدَّعْوَةِ، فَإِنَّهَا تَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَوْنًا عَلَيْهِ فِي عَذَابِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ، وَتَحْمِلُ الْحَطَبَ فِي جَهَنَّمَ لِيُوقَدَ بِهِ عَلَى زَوْجِهَا، فَجَعَلَ شِدَّةَ عَذَابِهِ عَلَى يَدِ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيْهِ؛ وَلِذَلِكَ يَدْعُو الْأَتْبَاعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَسْيَادِهِمْ قَائِلِينَ: ﴿ رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ﴾ [الأحزاب:68].


عَدَاوَةُ ذَوِي الْقُرْبَى أَشَّدُ مَضَاضَةً عَلَى الْإِنْسَانِ:

ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ عُقُوبَةَ أَبِي لَهَبٍ وَامْرَأَتِهِ بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمَا النَّبِيِّصلى الله عليه وسلم وَإِيذَائِهِمَا الشَّدِيدِ لَهُ، وَهَذَا وَاللهُ مِنْ أَشَّدِّ مَا يَكُونُ مِنَ الْأَلَمِ وَالْحَسْرَةِ، عِنْدَمَا يَكُونُ خَصْمُكَ هُوَ قَرِيبُكَ الَّذِي تَنْتَظِرُ مِنْهُ النُّصْرَةَ وَالتَّأْيِيدَ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولِ الشَّاعِرُ:

وظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَةً
عَلَى الْمَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ الْمُهَنَّدِ

وَمِمَّا وَرَدَ في عَدَاوَةِ أَبِي لَهَبٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ رَبِيعَةَ بْنِ عِبَادٍ الدِّيلِيِّ، وَكَانَ جَاهِلِيًّا أَسْلَمَ، فَقَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَصَرَ عَيْنِي بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ، يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، تُفْلِحُوا، وَيَدْخُلُ فِي فِجَاجِهَا وَالنَّاسُ مُتَقَصِّفُونَ عَلَيْهِ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا يَقُولُ شَيْئًا، وَهُوَ لَا يَسْكُتُ، يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، تُفْلِحُوا، إِلَّا أَنَّ وَرَاءَهُ رَجُلًا أَحْوَلَ وَضِيءَ الْوَجْهِ، ذَا غَدِيرَتَيْنِ يَقُولُ: إِنَّهُ صَابِئٌ كَاذِبٌ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَهُوَ يَذْكُرُ النُّبُوَّةَ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا الَّذِي يُكَذِّبُهُ؟ قَالُوا: عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ»[22].

 

التَّحْذِيرُ مِنْ أَذِيَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:

في هَذِهِ الْآيَاتِ: التَّحْذِيرُ الشَّدِيدُ مِنْ أَذِيَّةِ النَّبِيِّصلى الله عليه وسلم، وَقَدْ حَذَّرَنَا اللهُ تَعَالَى تَحْذِيرًا شَدِيدًا مِنْ إِيذَاءِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بِأَيِّ صُورَةٍ مِنْ صُوَرِ الْإِيذَاءِ، فَقَالَ تَعَالَى مُخَاطِبًا الْمُؤْمِنَينِ: ﴿ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ﴾ [الأحزاب:53]، وَقَالَ مُخَاطِبًا الْمُنَافِقِينَ: ﴿ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم ﴾ [التوبة:61]، وَجَعَلَ اللهُ تَعَالَى إِيذَاءَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم إِيذَاءً لَهُ سُبْحَانَهُ فَقَالَ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ﴾ [الأحزاب:57].

 

وَأَحْدَاثُ التَّارِيخِ مُنْذُ بِعْثِةِ النَّبِيِّصلى الله عليه وسلم إِلَى يَوْمِنَا هَذَا فِيهَا الْكَثِيرُ مِنَ الْمَوَاقِفِ وَالْأَحْدَاثِ الَّتِي تُؤَكِّدُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى تَكَفَّلَ بِالِانْتِقَامِ لِنَبِيِّهِصلى الله عليه وسلم، وَكِفَايَتِهِ مِمَّنِ اسْتَهَزَأَ بِهِ، وَهَذَا مَاضٍ إِلى قِيَامِ السَّاعَةِ دَائِمَا وَأَبَدًا؛ مِصْدَاقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِين ﴾ [الحجر:95].

 


[1] ينظر: تفسير ابن عطية (5/ 534).
[2] ينظر: التحرير والتنوير (30/ 599).
[3] ينظر: مصاعد النظر (3/ 276-277)، التحرير والتنوير (30/ 600).
[4] أخرجه البخاري (4791)، ومسلم (208) واللفظ له.
[5] ينظر: تفسير الطبري (24/ 714)، تفسير البيضاوي (5/ 345).
[6] ينظر: تفسير الرازي (32/ 349).
[7] ينظر: تفسير البيضاوي (5/ 346).
[8] ينظر: تفسير القرطبي (20/ 236).
[9] ينظر: تفسير البغوي (8/ 582)، فتح القدير (5/ 627).
[10] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 515).
[11] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 515).
[12] ينظر: زاد المسير (4/ 503)، تفسير ابن كثير (8/ 515).
[13] ينظر: تفسير البغوي (8/ 583).
[14] ينظر: تفسير القاسمي (9/ 565).
[15] ينظر: تفسير ابن جزي (2/ 521)، تفسير ابن كثير (8/ 514).
[16] سبق تخريجه.
[17] أخرجه مسلم (2699).
[18] أخرجه مسلم (2564).
[19] أخرجه البخاري (2753)، ومسلم (206) واللفظ له.
[20] أخرجه البخاري (3265)، ومسلم (2843) واللفظ له.
[21] أخرجه أحمد في المسند (25845)، وأبو داود (3528)، والترمذي (1358) وقال: "حديث حسن"، والنسائي (4452)، وابن ماجه (2137)، وصححه ابن حبان (4260).
[22] أخرجه أحمد في المسند (16023).




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وقفة بيانية مع سورة المسد
  • دلالات تربوية على سورة المسد
  • تفسير سورة المسد
  • قراءة بلاغية في سورة المسد (1)
  • قراءة بلاغية في سورة المسد (2)
  • التفسير المفهوم لسورة المسد
  • تفسير سورة المسد للأطفال
  • تفسير سورة المسد
  • مائدة التفسير: سورة المسد

مختارات من الشبكة

  • تفسير سورة الكافرون(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سورة العصر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سورة التكاثر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • غرائب وعجائب التأليف في علوم القرآن (13)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: {وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين ...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (كذب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم فكذبوا رسلي فكيف كان نكير)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم ...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة نسائية وأخرى طلابية في القرم تناقشان التربية والقيم الإسلامية
  • مركز إسلامي وتعليمي جديد في مدينة فولجسكي الروسية
  • ختام دورة قرآنية ناجحة في توزلا بمشاركة واسعة من الطلاب المسلمين
  • يوم مفتوح للمسجد للتعرف على الإسلام غرب ماريلاند
  • ندوة مهنية تبحث دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم الإسلامي
  • مسلمو ألميتيفسك يحتفون بافتتاح مسجد "تاسكيريا" بعد أعوام من البناء
  • يوم مفتوح بمسجد بلدة بالوس الأمريكية
  • مدينة كلاغنفورت النمساوية تحتضن المركز الثقافي الإسلامي الجديد

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 5/5/1447هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب