• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | المكتبة المرئية   المكتبة المقروءة   المكتبة السمعية   مكتبة التصميمات   كتب د. خالد الجريسي   كتب د. سعد الحميد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    منهج الشوكاني في توضيح مشكل القرآن بالسنة في فتح ...
    ريما بنت فهد بن سليمان اللزام
  •  
    أوراق متساقطة falling leaves - مترجم للغة ...
    حكم بن عادل زمو النويري العقيلي
  •  
    لقاء مفتوح (PDF)
    أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
  •  
    الكنوز العشرة الثمينة لكسب الأجور العظيمة (PDF)
    منصة دار التوحيد
  •  
    السؤال التعليمي في السنة النبوية: مفهومه وأهميته ...
    د. ابراهيم شذر حمد الصجري
  •  
    مجلة الموعظة الحسنة الجدارية... العدد الرابع
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    شرح كتاب الأصول الثلاثة (من قول المؤلف: ودليل ...
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    كيف تحفظ القرآن بإتقان: دليل عملي مبني على تجارب ...
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    "كلمة سواء" من أهل سنة الحبيب النبي محمد صلى الله ...
    محمد السيد محمد
  •  
    أحكام الغيبة في الفقه الإسلامي (PDF)
    أ. د. عبدالمجيد بن محمد بن عبدالله ...
  •  
    الضحك والبكاء في الكتاب والسنة
    الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
  •  
    سياحة ثقافية في مدن سعودية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الأسرة والمجتمع / قضايا المجتمع
علامة باركود

والله يحكم لا معقب لحكمه

والله يحكم لا معقب لحكمه
الشيخ عبدالله بن محمد البصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/3/2012 ميلادي - 13/4/1433 هجري

الزيارات: 18039

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

والله يحكم لا معقب لحكمه

 

أَمَّا بَعدُ:

فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال: 29].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

يَقُولُ رَبُّكُم - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾ [الشورى: 19] في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ العَظِيمَةِ، يُخبِرُ - جَلَّ وَعَلا - بِلُطفِهِ بِعِبَادِهِ لِيَعرِفُوهُ وَيُحِبُّوهُ، وَلِيَتَعَرَّضُوا لِلُطفِهِ وَكَرَمِهِ، وَفي وَصفِهِ تَعَالى نَفسَهُ بِاللُّطفِ هُنَا دُونَ الرَّحمَةِ مَعنًى عَظِيمٌ لا يَكَادُ يُدرِكُهُ إِلاَّ المُؤمِنُونَ المُوقِنُونَ، إِذ إِنَّ مِن مَعَاني اللُّطفِ الَّذِي اتَّصَفَ بِهِ - سُبحَانَهُ - أَنَّهُ يَعلَمُ السَّرَائِرَ وَيُدرِكُ مَا في الضَّمَائِرِ، عِلمًا وَإِدرَاكًا يُوصِلُ عِبَادَهُ إِلى مَا فِيهِ الخَيرُ لهم وَالسَّعَادَةُ مِن حَيثُ لا يَعلَمُونَ وَلا يَحتَسِبُونَ. وَلُطفُهُ تَعَالى بِعِبَادِهِ المُؤمِنِينَ عَلَى وَجهِ الخُصُوصِ مُتَنَوِّعٌ وَمُتَعَدِّدٌ، وَلَهُ أَوجُهٌ قَد يَعلَمُونَهَا وَقَد لا تَخطُرُ لهم عَلَى بَالٍ، وَإِذَا كَانَ مِن لُطفِهِ بهم أَنْ هَدَاهُم إِلى الخَيرِ وَحَبَّبَ إِلَيهِمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ في قُلُوبِهِم، وَكَرَّهَ إِلَيهِمُ الكُفرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصيَانَ وَجَعَلَهُم مِنَ الرَّاشِدِينَ، فَإِنَّ مِن لُطفِهِ بهم أَن يَصرِفَ عَنهُم مَا يَقطَعُهُم عَنِ الإِقبَالِ عَلَيهِ وَطَاعَتِهِ، أَو يَحمِلُهُم عَلَى الغَفلَةِ عَنهُ وَمَعصِيَتِهِ، حَتى وَلَو كَانَ ذَلِكَ بِتَضيِيقِ الرِّزقِ عَلَيهِم، وَلِهَذَا قَالَ - سُبحَانَهُ - في الآيَةِ السَّابِقَةِ: ﴿ يَرزُقُ مَن يَشَاءُ ﴾ [الشورى: 19] أَي بِحَسَبِ اقتِضَاءِ حِكمَتِهِ وَلُطفِهِ ﴿ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾ [الشورى: 19] الَّذِي لَهُ القُوَّةُ كُلُّهَا، وَلَهُ دَانَت جَمِيعُ الأَشيَاءِ، فَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ لأَحَدٍ مِنَ المَخلُوقِينَ إِلاَّ بِهِ.

 

أَلا وَإِنَّ مِن لُطفِهِ تَعَالى بِعِبَادِهِ وَإِرَادَتِهِ الخَيرَ لهم، مَا شَرَعَهُ لهم مِن هَذِهِ الحُدُودِ وَالتَّعزِيرَاتِ، الَّتي هِيَ طَهَارَةٌ لِمُجتَمَعَاتِهِم وَتَنقِيَةٌ لها، وَحِفظٌ لِجَسَدِ أُمَّتِهِم وَإِبقَاءٌ عَلَيهِ؛ بِقَطعِ مَا فَسَدَ مِنهُ أَو كَيِّهِ أَو عِلاجِهِ، لِيَحيَا بَعدَ ذَلِكَ صَحِيحًا سَلِيمًا مُعَافى، لا تُكَدِّرُ صَفَاءَهُ الأَمرَاضُ وَلا تُوهِنُهُ الأَوجَاعُ، وَلا تَنخَرُ فِيهِ مُسَبِّبَاتُ الفَسَادِ أَو تَقضِي عَلَيهِ عَوَامِلُ الفَنَاءِ.

 

وَمَا زَالَ العُقَلاءُ وَمُنذُ القِدَمِ لا يَستَنكِرُونَ مَا يَفعَلُهُ بَعضُ الأَطِبَّاءِ وَالحُكَمَاءِ لِعِلاجِ بَعضِ الأَمرَاضِ المُستَعصِيَةِ، الَّتي لَو تُرِكَت لأَهلَكَتِ الفَردَ وَقَضَت عَلَى الجَسَدِ، غَيرَ أَنَّ النَّظَرَ الصَّحِيحَ لَدَى الطَّبِيبِ الحَكِيمِ مَعَ حَاجَةِ المَرِيضِ وَاضطِرَارِهِ، أَوجَبَا أَن يُكوَى بَعضُ الجُرُوحِ وَالعُرُوقِ فَيُشفَى، أَو يُقطَعَ بَعضُ أَعضَاءِ المَرِيضِ فَيَتَعَافى، أَو يُستَأصَلَ مِنهُ الجُزءُ المُتَآكِلُ لِلإِبقَاءِ عَلَى مَا فِيهِ حَيَاةٌ مِن سَائِرِ الجَسَدِ، وَمَعَ هَذَا فَلا يُوجَدُ عَاقِلٌ يَصِفُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ بِأَنَّهَا قَسوَةٌ أَو وَحشِيَّةٌ أَو اعتِدَاءٌ عَلَى الإِنسَانِيَّةِ، لِمَاذَا؟ لأَنَّهُم يَعلَمُونَ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ يُفعَلُ مِن بَابِ ارتِكَابِ أَخَفِّ الضَّرَرَينِ لإِزَالَةِ أَشَدِّهِمَا.

 

فَمَا بَالُ الأُمَّةِ اليَومَ، وَهِيَ الَّتي كَانَت وَمَا زَالَت تَنعَمُ بِالأَمنِ وَالاطمِئنَانِ وَرَاحَةِ البَالِ وَانتِشَارِ السَّعَادَةِ وَانشِرَاحِ الصُّدُورِ، مَا بَالُهَا جَعَلَت تَستَنكِرُ مَا يَفعَلُهُ الوُلاةُ الصَّالِحُونَ وَالعُلَمَاءُ العَامِلُونَ وَالدُّعَاةُ المُحتَسِبُونَ، مِن تَطبِيقٍ لأَحكَامِ الشَّرِيعَةِ وَإِقَامَةٍ لِلحُدُودِ، وَأَمرٍ بِالمَعرُوفِ وَنَهيٍ عَنِ المُنكَرِ، وَأَخذٍ عَلَى أَيدِي السُّفَهَاءِ وَمُجَاهَدَةٍ لِلمُفسِدِينَ؟! أَوَدَاخَلَهَا الشَّكُّ في عَظِيمِ لُطفِ اللهِ بها حَيثُ شَرَعَ هَذِهِ الحُدُودَ وَالتَّعزِيرَاتِ وَالأَحكَامَ البَيِّنَاتِ؟! أَوَتَظُنُّ أَنَّهَا سَتَجِدُ أَحسَنَ مِن حُكمِ اللهِ أَو أَرحَمَ مِنهُ بِعِبَادِهِ؟! أَوَنَسِيَت أَنَّهَا عَلَى مَرِّ عُصُورِهَا لم تَتَمَسَّكْ بِدِينِهَا إِلاَّ عَزَّت وَغَلَبَت، وَلم تَتَخَلَّ عَنهُ إِلاَّ ذَلَّت وَاستَكَانَت؟

 

أُمَّةَ الإِسلامِ:

لم يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الأُمَّةِ أَرحَمَ بِالأُمَّةِ ولا أَرفَقَ بها مِن نَبِيِّهَا - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - وَلم يَكُنْ في الحُكَّامِ مَن هُوَ أَحكَمُ مِنهُ وَلا أَكمَلُ رَأيًا وَلا أَبعَدُ نَظَرًا، وَإِذَا كَانَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - هُوَ الرَّحِيمَ الرَّفِيقَ الحَلِيمَ، صَاحِبَ العَفوِ وَبَالِغَ القِمَّةِ في الصَّفحِ، المُيَسِّرَ غَيرَ المُعَسِّرِ، المُبَشِّرَ غَيرَ المُنَفِّرِ، فَإِنَّهُ لم يَكُنْ لِيَضعُفَ إِذَا انتُهِكَت مَحَارِمُ اللهِ، أَو يُقَصِّرَ يَومًا في تَطبِيقِ حَدٍّ مِن حُدُودِ اللهِ، أَو يَتَهَاوَنَ بِذَلِكَ أَو تَأخُذَهُ بِمُستَحِقِّ العُقُوبَةِ رَأَفَةٌ.

 

عَن عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهَا - قَالَت: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بَينَ أَمرَينِ قَطُّ إِلاَّ أَخَذَ أَيسَرَهُمَا مَا لم يَكُنْ إِثمًا، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ إَثمٌ كَانَ أَبعَدَ النَّاسِ مِنهُ، وَمَا انتَقَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِنَفسِهِ في شَيءٍ قَطُّ، إِلاَّ أَن تُنتَهَكَ حُرمَةُ اللهِ فَيَنتَقِمَ للهِ تَعَالى " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.

 

وَعَنهَا - رَضِيَ اللهُ عَنهَا - أَنَّ قُرَيشًا أَهَمَّهُم شَأنُ المَرأَةِ المَخزُومِيَّةِ الَّتي سَرَقَت، فَقَالُوا: مَن يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: وَمَن يَجتَرِئُ عَلَيهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بنُ زَيدٍ حِبُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " أَتَشفَعُ في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللهِ؟ " ثم قَامَ فَاختَطَبَ ثم قَالَ: " إِنَّمَا أَهلَكَ الَّذِينَ قَبلَكُم أَنَّهُم كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيهِ الحَدَّ، وَايمُ اللهِ لَو أَنَّ فَاطِمَةَ بِنتَ محمدٍ سَرَقَت لَقَطَعتُ يَدَهَا " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

 

وَعَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ نَاسًا مِن عُرَينَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ فَاجتَوَوهَا، فَقَالَ لَهُم رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ شِئتُم أَن تَخرُجُوا إِلى إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَتَشرَبُوا مِن أَلبَانِهَا وَأَبوَالِهَا " فَفَعَلُوا فَصَحُّوا، ثُمَّ مَالُوا عَلَى الرُّعَاةِ فَقَتَلُوهُم وَارتَدُّوا عَنِ الإِسلامِ وَسَاقُوا ذَودَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ في أَثَرِهِم فَأُتيَ بِهِم، فَقَطَعَ أَيدِيَهُم وَأَرجُلَهُم وَسَمَلَ أَعيُنَهُم وَتَرَكَهُم في الحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا. رَوَاهُ مُسلِمٌ. وَعَن عِمرَانَ بنِ حُصَينٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ امرَأَةً مِن جُهَينَةَ أَتَت نَبيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حُبلَى مِنَ الزِّنَا، فَقَالَت: يَا نَبيَّ اللهِ، أَصَبتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَدَعَا نَبيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَلِيَّهَا فَقَالَ: " أَحسِنْ إِلَيهَا، فَإِذَا وَضَعَت فَأتِني بها " فَفَعَلَ، فَأَمَرَ بها نَبيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَشُكَّت عَلَيهَا ثِيَابُهَا ثُمَّ أَمَرَ بها فَرُجِمَت، ثُمَّ صَلَّى عَلَيهَا. رَوَاهُ مُسلِمٌ.

 

إَنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَزعُمُونَ أَنَّهُم أَرحَمُ بِالبَشَرِ مِن رَبِّ البَشَرِ وَنَبيِّ البَشَرِ، لم يَستَطعِمُوا اليَقِينَ في حَيَاتِهِم وَلم يُعمِلُوا عُقُولَهُم، وَلَو أَعمَلُوهَا لَرَأَوا كَم هُوَ الأَمنُ مُنتَشِرٌ في هَذِهِ البِلادِ المُبَارَكَةِ، بِسَبَبِ تَطبِيقِ الشَّرِيعَةِ وَإِقَامَةِ الحُدُودِ! وَكَم هِيَ الجَرَائِمُ البَشِعَةُ الَّتي تُوَاجِهُهَا الشُّعُوبُ الَّتي لم تَنعَمْ بِتَحكِيمِ الشَّرعِ المُطَهَّرِ! وَهَل يَستَطِيعُ أَحَدٌ أَن يَدَّعِيَ أَنَّهُ أَرحَمُ بِالنَّاسِ مِن رَبِّهِمُ الَّذِي أَنزَلَ هَذِهِ الحُدُودَ أَو مِن نَبِيِّهِمُ الَّذِي طَبَّقَهَا بِلا ضَعفٍ وَلا خَوَرٍ؟! وَهَل يُؤمِنُ مَن يَجرُؤُ عَلَى وَصفِ أَحكَامِ اللهِ وَرَسُولِهِ بِالوَحشِيَّةِ أَوِ الهَمَجِيَّةِ؟! لَقَد بُلِيَتِ الأُمَّةُ اليَومَ بِقَومٍ إِذَا رَأَوا مِن أَحكَامِ اللهِ شَيئًا يُنَفَّذُ أَو حَدًّا يُقَامُ أَو تَعزِيزًا يُعمَلُ بِهِ، تَسَاءَلُوا بِأَفوَاهِهِم أَو بِأَقلامِهِم: مَا هَذِهِ الهَمَجِيَّةُ؟ وَمَا تِلكَ الوَحشِيَّةُ؟ وَأَينَ هِيَ الإِنسَانِيَّةُ؟ وَقَد يُنَصِّبُ بَعضُهُم نَفسَهُ لِلدِّفَاعِ عَنِ المُجرِمِينَ وَالخِصَامِ عَنِ الخَائِنِينَ بِحُجَّةِ الشَّفَقَةِ بهم وَإِعطَائِهِمُ الفُرصَةَ لِيَرجِعُوا، فَوَا عَجَبًا ممَّن يُعَقِّبُونَ عَلَى اللهِ في حُكمِهِ وَيَصِفُونَهُ بِخِلافِ مَا وَصَفَ بِهِ نَفسَهُ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [الرعد: 41] وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ * لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [الأنبياء: 22، 23].

 

وَالأَدِلَّةُ النَّقلِيَّةُ وَالعَقلِيَّةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالى أَرحَمُ بِخَلقِهِ مِن أَنفُسِهِم، وَأَعلَمُ مِنهُم بِمَصَالِحِهِم وَشُؤُونِهِم ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14].

 

أَلا فَلْيَتَّقِ اللهَ المُسلِمُونَ، وَلْيَحمَدُوهُ عَلَى مَا أُنزِلَ عَلَيهِم مِن حُكمٍ شَامِلٍ لِكُلِّ شُؤُونِ حَيَاتِهِم، وَلْيَكُونُوا وَخَاصَّةً مَن كَانَ مِنهُم صَاحِبَ سُلطَةٍ وَمَسؤُولِيَّةٍ، عَونًا لِوُلاةِ الأَمرِ عَلَى تَنفِيذِ الحُدُودِ وَتَطبِيقِ الأَحكَامِ الشَّرعِيَّةِ، وَلْيَأخُذُوا عَلَى أَيدِي السُّفَهَاءِ بما لَدَيهِم مِن أَنظِمَةٍ جَعَلَهَا وَليُّ الأَمرِ، فَإِنَّهُ لا خِيَارَ لهم في ذَلِكَ وَلا مَجَالَ لِلتَّهَاوُنِ وَتَركِ الحَبلِ عَلَى الغَارِبِ لِكُلِّ خَارِجٍ عَنِ الشَّرعِ أَو مُتَعَدٍّ لِلحُدُودِ أَو مُتَجَاوِزٍ لِلأَنظِمَةِ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59].

 

الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

إِنَّ اللهَ إِذِ استَخلَفَ آدَمَ في الأَرضِ لِعَمَارَتِهَا وَإِصلاحِهَا، وَاستِغلالِ مَا فِيهَا مِن ثَرَوَاتٍ وَاستِثمَارِ ما تُخَبِّئُهُ مِنَ كُنُوزٍ وَطَاقَاتٍ، لم يَجعَلْ ذَلِكَ غَايَةً بِقَدرِ مَا هُوَ وَسِيلَةٌ لِلعِنَايَةِ بِالإِنسَانِ، لِيَبلُغَ كَمَالَهُ المُقَدَّرَ لَهُ في هَذِهِ الحَيَاةِ، في سُمُوٍّ لِرُوحِهِ وَزَكَاءٍ لِنَفسِهِ وَصَلاحٍ لِقَلبِهِ، لا أَن يَنتَكِسَ فَيُصبِحَ حَيَوَانًا في وَسَطِ حَضَارَةٍ مَادِيَّةٍ زَاهِرَةٍ، هَمُّهَا العِنَايَةُ بِالأَجسَادِ فَحَسبُ، وَلَمَّا كَانَ الأَمرُ كَذَلِكَ، لم يَجعَلِ اللهُ قِيَادَةً وَلا رِيَادَةً إِلاَّ لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [الأنبياء: 105].

 

وَقَد وَضَعَ الخَالِقُ لِبَني آدَمَ مِن أَجلِ ذَلِكَ مَنهَجًا كَامِلاً مُتَكَامِلاً، إِن هُم أَخَذُوا بِهِ سَعِدُوا وَأَفلَحُوا، وَإِن هُم فَرَّطُوا فِيهِ شَقُوا وَخَسِرُوا ﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 38، 39]، ﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَ ﴾ [طه: 123، 127].

 

هَكَذَا أَرَادَ اللهُ أَن يُورِثَ الأَرضَ عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ، وَلا يُكَدِّرُ عَلَى ذَلِكَ أَن يَغلِبَ عَلَى الأَرضِ حِينًا مِنَ الدَّهرِ ظَلَمَةٌ جَبَّارُونَ مُتَكَبِّرُونَ، أَو يَتَمَلَّكَ الزِّمَامَ غُزَاةٌ أَو طُغَاةٌ أَو بُغَاةٌ، أَو يَتَغَلَّبَ عَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ في مَكَانٍ أَو زَمَانٍ كُفَّارٌ فُجَّارٌ يُحسِنُونَ استِغلالَ قُوَى الأَرضِ وَطَاقَاتِهَا استِغلالاً مَادِيًّا بَحتًا، إِذِ الوِرَاثَةُ الأَخِيرَةُ هِيَ لِلعِبَادِ الصَّالِحِينَ، الَّذِينَ يَجمَعُونَ بَينَ الإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ.

 

ألا فَلْيَتَّقِ اللهَ المُسلِمُونَ، وَلْيَتَّجِهُوا إِلى إِصلاحِ بَوَاطِنِهِم وَظَوَاهِرِهِم، وَهَيَّا إِلى شَرعِ اللهِ فَلْنَتَمَسَّكْ بِهِ وَأَحكَامِ دِينِهِ فَلْنُطَبِّقْهَا، فَإِنَّهُ لا مَرَبِّيَ لِلنُّفُوسِ وَلا مُصلِحَ لِلقُلُوبِ غَيرُهَا، وَلا رَادِعَ لِلفَسَادِ وَلا زَاجِرَ لِلمُفسِدِينَ سِوَاهَا، وَأَمَّا التَّشَدُّقُ بِالأَلفَاظِ الجَوفَاءِ وَالعِبَارَاتِ الزَّائِفَةِ، فَإِنَّمَا نِتَاجُهُ انتِشَارُ الجَرِيمَةِ وَقُوَّةُ المُجرِمِينَ وَتَمَادِي السُّفَهَاءِ وَالمُفسِدِينَ. وَمَتَى تَهَاوَنَ بِالسُّلطَةِ مَسؤُولٌ، وَلم يُطَبِّقِ الأَحكَامَ مَن بِيَدِهِ الأَمرُ، فَلَن يَأخُذَ صَاحِبُ حَقٍّ حَقَّهُ وَلَن يَنَالَ ضَعِيفٌ نَصِيبَهُ، وَلَن يُنتَصَرَ لِمَظلُومٍ وَلَن يُجبَرَ كَسرُ مَهضُومٍ، وَسَتَعُمُّ الفَوضَى وَسَيَذهَبُ الاستِقرَارُ، وَحِينَهَا فَلَن يَهنَأَ طَاعِمٌ بِطَعَامٍ وَلا عَينٌ بِمَنَامٍ ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 21].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • يا ألله
  • لا معقب لحكمه

مختارات من الشبكة

  • ثمرات قوة الإيمان بقوله سبحانه (والله على كل شيء قدير) والأسباب الجالبة له(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون ...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • {والله متم نوره}(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • فوائد وأحكام من قوله تعالى: { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة... }(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فوائــد وأحكــام من قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون...}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تحريم الحلف بالله تعالى كذبا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حقوق الوطن (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: الصمت حكمة وقليل فاعله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: التدافع سنة ربانية وحكمة إلهية(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • اختتام مؤتمر دولي لتعزيز القيم الأخلاقية في مواجهة التحديات العالمية في بلقاريا
  • الدورة العلمية الثانية لتأهيل الشباب لبناء أسر مسلمة في قازان
  • آلاف المسلمين يشاركون في إعادة افتتاح أقدم مسجد بمدينة جراداتشاتس
  • تكريم طلاب الدراسات الإسلامية جنوب غرب صربيا
  • ختام الندوة التربوية لمعلمي رياض الأطفال المسلمين في البوسنة
  • انطلاق سلسلة محاضرات "ثمار الإيمان" لتعزيز القيم الدينية في ألبانيا
  • أكثر من 150 مشاركا يتعلمون مبادئ الإسلام في دورة مكثفة بمدينة قازان
  • انطلاق فعاليات شهر التاريخ الإسلامي 2025 في كندا بمشاركة واسعة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/4/1447هـ - الساعة: 15:52
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب