• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | المكتبة المرئية   المكتبة المقروءة   المكتبة السمعية   مكتبة التصميمات   كتب د. خالد الجريسي   كتب د. سعد الحميد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريقة القرآن المعهودة وأثرها في الترجيح عند ...
    علي أحمد يسلم بن عبيدون
  •  
    ما يستثنى من الآنية وثياب الكفار والميتة من كتاب ...
    مشعل بن عبدالرحمن الشارخ
  •  
    علم مناهج التربية من المنظور الإسلامي (عرض
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    خواطر في الدعوة إلى الله تعالى (PDF)
    ثامر بن مبارك العامر
  •  
    منظومة تنبيه الطلاب بمهمة علم الأنساب (PDF)
    فرحان بن الحسن بن نور الحلواني
  •  
    شرح كتاب الأصول الثلاثة: من قول المؤلف (الأصل ...
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    أنوار أذهان الطلاب الغرر في نظم نخبة الفكر، ...
    د. إياد العكيلي
  •  
    خمسون قاعدة في تربية الأبناء (PDF)
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    زبدة العقيدة: شرح أركان الإيمان الستة (PDF)
    خالد بن عبدالله العتيبي
  •  
    ملجأ القضاة عند تعارض البينات (PDF)
    د. بيان محمود سعده
  •  
    متن زكاة العلم (PDF)
    د. أحمد بن محمد بن حسين رفيع
  •  
    توجيهات تربوية من حديث: "اللهم إني أسألك العفو ...
    د. عبدالرحمن سيد عبدالغفار
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / العلم والدعوة
علامة باركود

موت العلماء (خطبة)

موت العلماء (خطبة)
أحمد بن عبدالله الحزيمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/9/2023 ميلادي - 29/2/1445 هجري

الزيارات: 38121

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مَوتُ العُلَمَاءِ

 

الْـخُـطْبَةُ الأُوْلَـى

الحَمدُ للهِ يَفعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، المُتَصَرِّفُ بِخَلقِهِ كَيفَ يَشَاءُ، لَا رَادَّ لِمَا قَضَى، وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكمِهِ، جَعَلَ لِكُلِّ شَيءٍ أَمَدًا، وَلِكُلِّ مَخْلُوقٍ أَجلًا، أَحمَدُهُ سُبحَانَهُ وَأَشكُرُهُ عَلَى حُلوِ القَضَاءِ وَمُرِّهِ، وأَشْهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ، وأَشهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرسَلَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ... أَمَا بَعدُ:

 

فَاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ، اتَّقُوهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُمْ مُسلِمُونَ.

ثم أَمَّا بَعدُ:

فإنَّ طَائِفَةً مِنْ عِبَادِهِ فَضَّلَهُم عَلَى خَلْقِهِ بِمَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنْ مَزيدِ الفَضْلِ وَالإِنْعَامِ، رَفَعَ دَرَجَاتِهِمْ، وَأَعلَى مَقَامَهُم، وَكَرَّمَهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فأَعلَى مَنزِلَتَهُم، وَقَصَرَ خَشْيَتَهُ الحقيقيَّةَ علَيهِم، فَضَّلَهُم علَى النَّاسِ لِأنّهُم المَصَابِيحُ يَدلُّونَ النَّاسَ فِي سَيرِهِم إِلَى اللهِ وَالدَّارِ الآخِرَةِ.

 

إنَّ هذه الطَّائفةَ الكريمَة والنَّبيلةَ العظيمة هُم أولياءُ اللهِ وأصفياؤُهُ وعُبَّادُهُ والأتقياءُ لهُ، حقيقة إنَّهُمُ:

العُلَماءُ يَا عِبَادَ اللهِ:

فَالعُلَماءُ فَضَّلَهُمُ اللهُ علَى غَيرِهِم فقال جَلَّ وَعَلَا: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9].

 

رَفَع دَرَجَتَهُم فَقَالَ: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ المجادلة: 11].

 

وأَكثَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الحَدِيثَ فِي شَأْنِهِمْ فَمِنْ ذَلكَ قَولُهُ: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ»، رَوَاهُ الامام أحمد وأَبُو دَاوُودَ والترمذي وَابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.

 

فَقَدْ أَظْهَرَ اللهُ عَلَى أَيدِي العُلَمَاءِ الحَقَّ وَالنُّورَ، وَقَمَعَ بِهِمُ البَاطِلَ وَالشُّرُورَ، فَكَمْ مِنْ هَالِكٍ أَنقَذُوهُ، وَكَمْ مِنْ شَقِيٍّ أَسعَدُوهُ، فَرُبَّ هِمَّةٍ أَحيَتْ أُمَّةً.

 

حَمَلُوا الهَمَّ لِهَذَا الدِّينِ، وَسَلَكُوا طَرِيقَ خَيرِ المُرسَلِينَ. بِأَخْبَارِهِم سَارتِ الرُّكبَانُ، وَبِآثَارِهِم اهْتَدَى الثَّقَلَانِ، فَهُمْ ضَوءُ الشَّمسِ لِلأَبصَارِ، وَنُجُومُ السَّائِرينَ فِي الأَسفَارِ، مَشَاعِلُ الهُدَى، وَأَعلَامُ التُّقَى، بِهِمُ الدُّنيَا قَدْ زَانَتْ، وَعَمَرُوا الأَيَّامَ بِالعُلُومِ يَنشُرُونَهَا.

 

قَالَ الإِمَامُ أَحمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي وَصْفِهِمْ:

"يَدْعُونَ مَنَ ضَلَّ إِلَى الهُدَى، وَيَصبِرُونَ مِنهُمْ عَلَى الأَذَى، يُحْيُونَ بِكِتَابِ اللهِ المَوتَى، وَيُبَصِّرُونَ بِنُورِ اللهِ أَهلَ العَمَى، فَكَمْ مِنْ قَتِيلٍ لإِبلِيسَ قَدْ أَحْيَوْهُ، وَكَمْ مِنْ ضَالٍّ تَائِهٍ قَدْ هَدَوْهُ".

 

وقَالَ اِبْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ عنِ العُلَمَاءِ وَمَنْزِلتهم:

"فَهُمْ فِي الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ النُّجُومِ فِي السَّمَاءِ، بِهِمْ يَهْتَدِي الْحَيْرَانُ فِي الظَّلْمَاءِ، وَحَاجَةُ النَّاسِ إلَيْهِمْ أَعْظَمُ مِنْ حَاجَتِهِمْ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَطَاعَتُهُمْ أَفْرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ طَاعَةِ الْأُمَّهَاتِ وَالْآبَاءِ بِنَصِّ الْكِتَابِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59].

 

وَأُولُوا الأَمْرِ: هُمُ الأُمَرَاءُ وَالعُلَمَاءُ.

 

فحُقَّ أَنْ يُوصَفُوا بِأَفضَلِ الأَوصَافِ وَأَعْلَاهَا، وَأَعظَمِهَا وَأَزْكَاهَا؛ كَيفَ لَا وَهُمْ الَّذِينَ أَخبَرَ عَنهُمْ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أنهم: "وَرَثَةُ الأَنبِيَاءِ" وَكَفَى بِهَا مَنْقَبَةٌ، بَلْ حَسْبُهُم مَديحُ اللهِ لَهُم فِي الكِتَابِ، حَيثُ قَالَ عَنهُم المَلِكُ الوَهَّابُ: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11].

 

أَيُّهَا المُبَارَكونَ:

إِنَّ احتِرَامَ عُلَماءِ الأُمَّةِ، وَتَقْدِيرَهُمْ وَإِجلَالَهُمْ، وَنصْرَتِهِم وَمُوَالَاتِهِمْ - أَحْيَاءً وَأَمْواتًا - عَقِيدَةٌ يَعتَقِدُهَا أَهلُ الحَقِّ، وَدِينٌ يَتَعَبَّدونَ بِهِ للهَ رَبَّ العَالَمِينَ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ»؛ (رَوَاهُ أَحمَدُ وَالحَاكِمُ، وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ).

 

قَالَ السَّعدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "مِنْ عَقِيدَةِ أَهلِ السُّنَّةِ وِالجَمَاعَةِ: أَنَّهُمْ يَدِينُونَ اللهَ بِاحتِرَامِ العُلَمَاءِ الهُدَاةِ، أَيْ: يَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللهِ تَعالَى بِتَوقِيرِ العُلَمَاءِ، وَتَعظِيمِ حُرمَتِهِمْ".

 

وَلِذَا كَانَ الإِمَامُ أَحمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ- كَثِيرَ الدُّعَاءِ لِلشَّافِعِيّ -رَحِمَهُ اللهَ-، فَسَأَلَهُ ابنُهُ عَبدُ اللهِ: يَا أَبتِ، أَيُّ شَيءٍ كَانَ الشَّافِعِيُّ، فَإنِّي أَسْمَعَكَ تُكثِرُ الدُّعَاءَ لَهُ؟ فَأَجَابَ رَحِمَهُ اللهُ: "يَا بُنَيَّ، كَانَ الشَّافِعِيُّ كَالشَّمسِ للدُّنيَا، وَكَالعَافِيةِ لِلنَّاسِ، فَانظُرْ هَلْ لِهَذَينِ مِنْ خَلَفٍ، أَوْ مِنهُمَا عِوَضٍ".

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

إِذَا مَاتَ العَالِمُ فَشَا الجَهلُ وَانْدَرَسَ العِلْمُ، وَتَحَيَّرَ النّاسُ وَظَهَرَ الشَّرُّ والنِّفاقُ، يَقُولُ عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا-: "خَرَابُ الأَرضِ بِمَوتِ عُلَمائِهَا وَفُقَهَائِهَا وَأَهلِ الخَيرِ فِيهَا"[1].

 

وَرَحِمَ اللهُ أَبَا مُسلِمٍ الخَولَانِيِّ حَيثُ يَقُولُ: "إنَّمَا النَّاسُ مَعَ العُلَمَاءِ مِثلُ النُّجومِ فِي السَّمَاءِ إِذَا ظَهَرَتْ لَهُمْ اهتَدَوا وَإِذَا خَفِيَتْ تَحَيَّرُوا".

 

قَدْ مَاتَ قَومٌ وَمَا مَاتَتْ فَضَائِلُهُم        وَعَاشَ قَومٌ وَهُمْ فِي النَّاسِ أَموَاتُ.

 

عِبَادَ اللهِ:

فَقْدُ العُلَمَاءِ خُسَارَةٌ فَادِحَةٌ، وَمَوتُهم مُصِيبَةٌ عَظِيمةٌ، لِأَنَّهم نُورُ البِلَادِ، وَهُدَاةُ العِبَادِ، وَمَنَارُ السَّبيلِ، فَقَبضُهُم قَبضٌ لِلعِلْمِ، إَذْ أنَّ ذهابَ العِلمِ يَكُونُ بِذِهابِ رِجَالِهِ وَحِمِلَتِهِ وَحُفَّاظِهِ.

 

ويروى عن قَالَ عُمرُ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-: "مَوتُ أَلفِ عَابِدٍ أَهْوَنُ مِنْ مَوتِ عَالِمٍ بَصِيرٍ بِحَلَالِ اللهِ وَحَرَامِهِ".

 

قَالَ ابنُ القَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَوَجهُ قَولِ عُمرَ: أَنَّ هَذَا العَالِمَ يَهدِمُ عَلَى إِبْليسَ كُلَّ مَا يَبنِيهِ بِعلْمِهِ وَإِرشَادِهِ، وَأَمَّا العَابِدُ؛ فَنَفْعُهُ مَقصُورٌ عَلَى نَفسِهِ".

 

وَقَالَ الحَسَنُ رَحِمَهُ اللهُ: كَانُوا يَقُولُونَ: «مَوْتُ الْعَالِمِ ثُلْمَةٌ فِي الْإِسْلَامِ لَا يَسُدُّهَا شَيْءٌ مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ».

 

وَقِيلَ لِسَعِيدٍ بنِ جُبَيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: مَا عَلَامةُ هَلَاكِ النَّاسِ؟ قَالَ: «إِذَا هَلَكَ عُلَمَاؤُهُمْ».

 

وَتَصدِيقُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِما أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا».

 

قَالَ ابنُ حَجَرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: "فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ ذهَابَ العِلمِ يَكُونُ بِذهَابِ العُلَمَاءِ".

 

وَقَدْ ذَكَرَ المُفَسِّرُونَ لقَولِهِ -تَعَالَى-: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ﴾ [الرعد: 41]. أكثر من تأويل؛ منها: أَنَّ نُقصَانَ الأَرضِ يكون بِمَوتِ العُلَمَاءِ: قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: "خَرَابُهَا بِمَوتِ فُقَهَائِهَا، وَعُلَمَائِهَا، وَأَهلِ الخَيرِ مِنهَا".

 

وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ -رَحِمَهُمُ اللهُ- يَأْسَونَ أَشَدَّ الأَسَى لِفَقدِ عَالِمٍ مِنَ العُلَمَاءِ:

قَالَ أَيُّوبُ السِّخْتيِانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: "إنِّي أُخبَرُ بِمَوتِ الرَّجُلِ مِنْ أَهلِ السُّنَّةِ فَكَأَنِّي أَفْقِدُ بَعضَ أَعضَائِي".

 

وَقَالَ يَحيَى بنُ جَعْفَرٍ: "لَو قَدِرتُ أَن أَزِيدَ فِي عُمُرِ مُحَمَّدٍ بنِ إِسمَاعِيلَ - أَيْ: البُخَارِيُّ - مِنْ عُمُرِي لَفَعَلتُ، فَإِنَّ مَوتِي يَكُونُ مَوتَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَمَوتَهُ ذَهَابُ العِلمِ".

 

إِنَّ بَقَاءَ العُلماءِ نِعمَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحمِةٌ، وَذِهَابَهِم مُصِيبَةٌ تُصِيبُ الأَرضَ وَأَهْلَهَا، وَنِقمَةٌ وَثُلْمَةٌ فِي الدِّينِ لَا يَسُدُّ شَيءٌ مَسَدَّهَا، بَلْ إِنَّ مِنْ أَعظَمِ الرَّزَايَا الَّتي تُرْزَأُ بِهَا الأُمَّةُ الإِسلَامِيَّةُ ذِهَابُ أَهلِ العِلمِ الرَّبَّانيِّينَ، فَبِمَوتِ العُلَمَاءِ وَالدُّعَاةِ وَفَقْدِهِم تَكمُنُ المُصِيبَةُ، وَتَعظُمُ الرَّزِيَّةُ، وَتُخْرَبُ الدُّنيَا، حِينَ لَا يَجِدُ النَّاسُ عُلَمَاءَ رَبَّانِيِّينَ عَامِلِينَ، فَيبرُزُ حِينَئِذٍ أَهلُ الجَهَالَةِ وَالضَّلَالَةِ، وَمَنْ يَدَّعِي العِلمَ وَلَيسَ مِنْ أَهلِهِ، فَحُقَّ لِلأَرضِ أَنْ تَتَصَدَّعَ، وَلِلسَّمَاءِ أَنْ تَحزَنَ، وَلِلأُمَّةِ أَنْ تَبكِي علَى مَوتِ العَالِمِ.

 

لعَمْرُكَ مَا الرَّزِيَّةُ فَقْدُ مَالٍ
ولا شَاةٌ تَمُوتُ ولا بَعِيرُ
ولكنَّ الرَّزِيَّةَ فَقْدُ فَذٍّ
يمُوتُ لِمَوْتِهِ خَلْقٌ كَثِيرُ.


بَارَكَ اللهُ لِي وِلَكُمْ...

 

الـخُـطْبةُ الـثَّـانـيةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ والتابعين.

 

أَمَّا بَعْدُ:

فَمِمَّا يُعَزِّي نُفُوسَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي فَقْدِ عُلَمَائِهِمْ؛ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ قَدْ حَفِظَ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ دِينَهَا، وَحَفِظَ لَهَا كِتَابَهَا، فَالفَضْلُ الإِلَهِيُّ لَيْسَ مَقْصُورًا عَلَى بَعْضِ العِبَادِ دُونَ بَعْضٍ، وَلَا مَحْصُورًا فِي زَمَنٍ دُونَ زَمَنٍ، وَلَا مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ، فَلَا يَخْلُو زَمَنٌ وَعَصْرٌ وَمَكَانٌ مِنْ عُلَمَاءَ يُقِيمُهُمْ فِي كُلِّ فَتْرَةٍ مِنَ الزَّمَنِ، عُلَمَاءَ مُصْلِحِينَ، يَدْعُونَ إِلَى الهُدَى، وَيَذُبُّونَ عَنِ الحِمَى، وَيَصْبِرُونَ عَلَى الأَذَى، فَهذِهِ الأُمَّةُ أُمَّةٌ وَلُودٌ، وَالخَيرُ بَاقٍ فِيهَا إِلَى يَومِ القِيَامةِ، أُمَّةُ الغَيثِ لا يُدرَى خَيرُهُ أَوَّلُهُ أَم آخِرُهُ، وَإِذَا مَاتَ مِنَّا سَيّدٌ قَامَ سيّدٌ، وَإِذَا ذَهَبَ عَالمٌ قَيَّضَ اللهُ عُلَمَاءَ، فَالدِّينُ وَحُمَاتُهُ بَاقُونَ مَا بَقِيَتْ الأَرضُ وَالسَّمَاءُ.

 

وَمَعَ شِدَّةِ حُزنِنَا، أَيُّهَا السَّادَةُ وَتَأَلُّمِنَا لِمَوتِ عَالِمٍ مِنَ العُلَمَاءِ؛ إِلَّا أنَّهُ يَلزَمُنَا أَنْ نَعلَمَ أَنَّهُ لَيسَ مَعنَى مَوتِ وَاحِدٍ مِنَ العُلَمَاءِ، ضَيَاعَ الأُمَّةِ، وَتَوَقُّفِ مَسِيرَةِ الدَّعوَةِ، فَفِيمَا بَقِيَ مِنْ أَهلِ العِلمِ خَيرٌ كَثيرٌ، وَالأُمَّةُ زَاخِرَةٌ بِالكَفَاءَاتِ العِلمِيَّةِ، مَلِيئَةٌ بِالرِّجَالِ المُخْلِصِينَ الَّذِينَ يَحمِلُونَ مِشْعَلَ الهِدَايةِ - وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ -؛ فَلَا يَنبغِي أَنْ يَخُورَ العَزمُ، وَأَنْ يَضعُفَ العَطَاءُ، فَرَايَةُ العِلمِ وَالدَّعوَةِ مَحفُوظَةٌ -بِإِذنِ اللهِ- مَا دَامَ الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَحفُوظَينِ، وَلَا يَخْلُو زَمَانٌ مِنْ قَائِمٍ للهِ بِحُجَّةٍ.

 

فَلَقَدْ أَخَبَرَنَا الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ -صلى الله عليه وسلم- بِقَوْلِهِ «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» رواه البخاري ومسلم.

 

اللَّهُمَّ ارحَمْ عُلَمَاءَنَا وَمَشَايِخَنَا رَحمةً وَاسِعَةً، وَاجعَلْ أَنْوَارَهُمْ عَلَى الدَّوَامِ سَاطِعَةً، وَذِكرَهمْ وَذِكرَاهُمْ نَافِعَةً، اللَّهُمَّ مَنْ أَحيَيْتَهُ مِنهُمْ فَبَارِكْ فِي عُمرِهِ وَعِلمِهِ وَسَعْيِهِ، وَسَدِّدْهُ وَوَفِّقْهُ وَثَبِّتْهُ، وَمَنْ مَاتَ مِنهُمْ فَتَغَمْدْهُ بِالرَّحمَةِ وَالغُفْرَانِ، وَالرَّوحِ وَالرَّيحَانِ، وَالرِّضَا والرِّضْوِانِ، وِأَعلِ مَقَامَهُ فِي الجِنَانِ، وَتَقَبَّلْهُ فِي الصَّالِحِينَ، وَاحشُرْهُ مَعَ الشُّهَدَاءِ وَالنَّبِيِّينَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيْعِ الـْمُسْلِمِيْنَ وَالْـمُسْلِمَاتِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ.

 

اللَّهُمَّ انْصُرْ جُنُودَنَا الْمُرَابِطِينَ فِي الْحَدِّ الجَنُوبِيِّ ضِدَّ الْمُعْتَدِينَ وَفِي الْدَّاخِلِ ضِدَّ الْمُفْسِدِيْنَ.

 

اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَ بِلَادَنَا وَعَقِيْدَتَنَا وأخلاقنا وَقَادَتَنَا وَرِجَالَ أمْنِنَا بِسُوءٍ فَأَشْغِلْهُ بِنَفْسِهِ، وَرُدَّ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيْهِ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيْزُ.

 

اللَّهُمَّ إِنَا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الْوَبَاءِ وَالْغَلَاَءِ وَالرِّبَا والزِّنا، وَالزَّلَازِلِ وَالْمِحَنِ وَسُوءِ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِيْ الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.



[1] لم أجده عن ابن عمر؛ إنما هو عن ابن عباس كما سيأتي.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وقفات مع موت العلماء
  • موت العلماء
  • رزية موت العلماء (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • روضة المسبحين لله رب العالمين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع اسم الله العليم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عالم الفساد والعفن: السحر والكهانة والشعوذة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • البر بالوالدين وصية ربانية لا تتغير عبر الزمان (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأرض شاهدة فماذا ستقول عنك يوم القيامة؟! (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: شكر النعم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: فتنة الدجال... العبر والوقاية (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بناء الشخصية الإسلامية في زمن الفتن (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اكتشف أبناءك كما اكتشف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه رضوان الله عليهم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: فضيلة الصف الأول والآثار السيئة لعدم إتمامه(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة نابريجناي تشلني تحتفل بافتتاح مسجد "إزجي آي" بعد تسع سنوات من البناء
  • انتهاء فعاليات المسابقة الوطنية للقرآن الكريم في دورتها الـ17 بالبوسنة
  • مركز ديني وتعليمي جديد بقرية كوياشلي بمدينة قازان
  • اختتام فعاليات المسابقة الثامنة عشرة للمعارف الإسلامية بمدينة شومن البلغارية
  • غوريكا تستعد لإنشاء أول مسجد ومدرسة إسلامية
  • برنامج للتطوير المهني لمعلمي المدارس الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • مسجد يستضيف فعالية صحية مجتمعية في مدينة غلوستر
  • مبادرة "ساعدوا على الاستعداد للمدرسة" تدخل البهجة على 200 تلميذ في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/3/1447هـ - الساعة: 7:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب