عام 1445 من الهجرة النبوية

عام 1445 مِن الهجرة النبوية

اشكر الله على أنْ منَحَك الأعوام الماضية مِن عُمُرك، وأنْ بلّغك استقبال هذا العام الجديد- الذي لا تدري كم سيكون نصيبك منه- ولْيكن شكْرك شكرًا عمليًا ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ﴾ [سبأ: 13]؛ وذلك باستثمار هذه الفرصة.

ها نحن نتَسلّمُ هذا العام 1445هـ، الذي لا ندري كم سيعطينا الله منه إمهالًا في آجالنا؛ فلْنشكر الله؛ ولْنستثمر النعمة؛ بأن لا نَدَع صحائف هذا العام البيضاء تمرّ فارغةً، أو أنْ نملأها بشيء ليس طيّبًا، نعمْ، بهذا الإطلاق: اجتناب أيّ شيء ليس طيبًا، فهل يَخفى تحديد ذلك على أي إنسان عاقل! كلا، وستكون نتيجة هذا الاختيار منذ بداية هذا العام الجديد، أنْ تكون صحائفنا التي يُسجّلها الله علينا، لا محالة: صحائفَ مملوءة بضدّ ذلك، أي: تكون مملوءة بكل شيء طيّب، وكل عملٍ طيّب! اللهم نسألك التوفيق لهذا.

إنّ مِن الاغتباط بنعمة إدراك هذا العام 1445هـ، ومِن شكْر الله على ذلك؛ أن نبدأ مِن الآن بملْء صفحاته البيضاء بالصالح من الأعمال والفضائل؛ ولْنُخطط لها، ونُحدّد أهدافًا خيّرة، ونضَع لها برامج نجتهد في تنفيذها؛ لعل الله يُكرمنا بالتيسير للفوز بهذا الهدف العظيم، والتوفيق لهذا الشكر العملي لله واهبِ الحياة، المنعم بالوقت والزمن؛ لنعمَل فيه ما يستحق أنْ يُعمَل، ويَمُنّ علينا بالقبول، والشكر العمَلِيّ أَبلَغُ الشكرِ، ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ﴾ [سبأ: 13].

‏ أُمورٌ يتوقفُ عليها هذا الاستثمار وهذا الشكر لله سبحانه:

يَتوقف استثمار نعمة إدراكك هذا العام الجديد على أُمور، مِنها:

• القناعة بضرورة شكْر النعمة باستثمارها، واليقين بأن ربْحك وخسارتك مرهونان بهذا الاستثمار وعدمه.

• أن يكون هدفك هو: إرادة الله والدار الآخرة؛ بملازمة طاعته وذكْره وفعْل الخير.

• معرفة الطرق والوسائل والأسباب اللازمة لاستثمارك وقتك.

• مجاهدة نفسك على الالتزام بالبرنامج والواجبات، والانتباه وعدم الانسياق مع الغفلة وأسبابها.

• محاسبة نفسك على مدى تقدّمك في تحقيق هدفك باستمرار، دون غفلة أو تَوَقُّفٍ.

• العِلم بأنّ منارات الطريق، الذي تَسِير فيه تُنْبئك بحقيقة اتّجاهك وإلى أين سائر؟

لتستمرّ فيه إِنْ رأيتَ أنك متّجهٌ إلى جنة عرضُها السماوات والأرض، لا إلى جهنم وبئس المصير!

ولا تَخفى الآيات والأحاديث؛ فهي مما يَعرفه المسلمون، كبيرهم وصغيرهم؛ فلا إشكال في هذا المجال، وإنما الإشكال هو في التطبيق، وتحويل: الوقت، والعُمر، والأقوال، إلى عملٍ وإنجازٍ ملموس ومشاهَد، وإلا فلا فائدة في الكلام، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3].

وأخيرًا نقول: إنك ستشكر الله، وتستثمر فرصة الوقت هذه بقدْر استحضارك لكلٍّ مِن:

• أنّ الوقت في حالِ مُضِيٍّ باستمرار؛ فلا يتوقفُ أبدًا حتى يَرث الله الأرض ومَن عليها!

• أنّ الله قد مَنّ عليك بهذه النعمة (نعمة الوقت والحياة)؛ فوجَبَ عليك الشكر!

• أنّ نتيجتك يوم القيامة مرتبطة بحالك أو أحوالك التي تختارها لنفسك في حياتك الدنيا!

• أنّ الساعة آتيةٌ لا ريب فيها!

• أنّ الله مطّلع على تصرفاتك، لا يخفى عليه شيء، سبحانه!

• أنّ أعمالك مرصودة مسجلة عليك موثَّقة بتوثيق الله؛ فلا مفرّ! ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ [المؤمنون: 115، 116].

اللهم ارزقنا حُسْن الحياء منك، ربِّ سَلِّمْ، اللهم مَنًّا منك وفضلًا!