• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | المكتبة المرئية   المكتبة المقروءة   المكتبة السمعية   مكتبة التصميمات   كتب د. خالد الجريسي   كتب د. سعد الحميد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حادثة الإفك... عبر وعظات (PDF)
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    مراحل تنزلات وجمع القرآن - دروس وعبر
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    من علامات حسن الخاتمة (PDF)
    أبو جعفر عبدالغني
  •  
    الاشتقاق بين الإجماع والابتداع: نظرة في أثر جودة ...
    محمود حمدي فريد نجم
  •  
    الأربعون المنتخبة المهمة لعامة الأمة (PDF)
    شيماء بنت مصطفى بن يوسف آل شلبي
  •  
    لصوص الصلاة (PDF)
    الشيخ الدكتور سمير بن أحمد الصباغ
  •  
    إتحاف الأبرار بتهذيب كتاب الأنوار في شمائل النبي ...
    منشورات مركز الأثر للبحث والتحقيق
  •  
    الرصائف والروائق السمت الرضي، والسبك البهي - ...
    الأزهر عيساوي
  •  
    (بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا، فطوبى ...
    إبراهيم بن سلطان العريفان
  •  
    زهر الخمائل من دوح الشمائل: وصف رسول الله صلى ...
    د. عبدالهادي بن زياد الضميري
  •  
    الخزي والذل على الكافرين
    ياسر عبدالله محمد الحوري
  •  
    التقنيات الجديدة لنقد القصة القصيرة جدا (WORD)
    شادي مجلي عيسى سكر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

قصة تحريم الخمر (خطبة)

قصة تحريم الخمر (خطبة)
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/6/2019 ميلادي - 26/10/1440 هجري

الزيارات: 53549

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الخمر في الشريعة (1)

قصة تحريم الخمر

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَتِلْكَ وَصِيَّةُ اللَّهِ لَنَا وَلِمَنْ كَانُوا قَبْلَنَا، فَوَاللَّهِ لَنِعْمَ الْمُوصِي، وَلَنِعْمَتِ الْوَصِيَّةُ ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا ﴾ [النِّسَاء: 131].

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: شَرِيعَةُ اللَّهِ تَعَالَى بَيَّنَتِ الْحَلَالَ، وَبَيَّنَتِ الْحَرَامَ، وَالْمُشْتَبَهُ بَيْنَهُمَا أُمِرَ الْعَبْدُ بِاجْتِنَابِهِ؛ اسْتِبْرَاءً لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ. وَمَا مِنْ خَبِيثٍ مُحَرَّمٍ مَمْنُوعٍ إِلَّا وَيُقَابِلُهُ طَيِّبٌ مُبَاحٌ مَشْرُوعٌ؛ لِيُبْلَى الْعَبْدُ أَيَخْتَارُ الْحَلَالَ الطَّيِّبَ، أَمْ يَرْتَكِسُ فِي الْحَرَامِ الْخَبِيثِ.

 

لَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ السِّفَّاحَ وَأَبَاحَ النِّكَاحَ، وَحَرَّمَ الرِّبَا وَأَبَاحَ الاتِّجَارَ، وَحَرَّمَ الْخَمْرَةَ وَأَبَاحَ الطَّيِّبَاتِ مِنَ الْمَأْكُولَاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ، وَهَكَذَا يُقَالُ فِي سَائِرِ الْمُبَاحَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ. وَلَوِ الْتَزَمَ النَّاسُ شَرِيعَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَمَا حَصَلَ الِاخْتِلَالُ وَالْخَوْفُ؛ وَلَمَّا شَكَا النَّاسُ النَّقْصَ وَالْجُوعَ.

 

مَا أَعْسَرَ ذَلِكَ عَلَى الْقُلُوبِ الضَّعِيفَةِ، وَالنُّفُوسِ الْمَرِيضَةِ، وَإِلَّا فَصَاحِبُ الْقَلْبِ الْحَيِّ مَهْمَا رَانَ عَلَيْهِ مِنْ صَدَأٍ، وَعَلِقَ بِهِ مِنْ قَذَرٍ؛ لَهُ يَوْمٌ تُحَرِّكُهُ عَبْرَةٌ، وَتَزْجُرُهُ مَوْعِظَةٌ، فَيَنْتَفِضُ انْتِفَاضَةً عَنِيفَةً؛ خَوْفًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَفَرَقًا مِنْ عِقَابِهِ، وَرَغْبَةً فِي ثَوَابِهِ، فَتُزِيلُ تِلْكَ الِانْتِفَاضَةُ كُلَّ صَدَأٍ وَقَذَرٍ عَلِقَ فِي قَلْبِهِ، فَلَا يَعُودُ إِلَى الْمُحَرَّمِ مَهْمَا كَانَ مَحْبُوبًا إِلَى قَلْبِهِ، وَمَهْمَا اشْتَاقَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ؛ لِأَنَّهُ غَلَّبَ مَحَبَّةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ مَحْبُوبٍ، وَفَاقَ شَوْقُهُ إِلَى رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالَى كُلَّ شَيْءٍ.

 

وَالْمَثَلُ الْمَضْرُوبُ عَلَى ذَلِكَ يَعُودُ تَارِيخُهُ إِلَى عَصْرِ الرِّسَالَةِ وَتَنَزُّلِ الْوَحْيِ، حَيْثُ صَحَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَعْظَمُ قُدْوَةٍ، وَأَفْضَلُ أُسْوَةٍ فِي الِامْتِثَالِ لِلْوَحْيِ، وَطَاعَةِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

وَأَمَّا مَوْضُوعُهُ: فَكَانَ فِي مَنْعِ مَرْغُوبٍ، وَتَحْرِيمِ مَحْبُوبٍ، وَقَطْعِ مَأْلُوفٍ، لَطَالَمَا تَغَنَّتْ بِهِ الْعَرَبُ، وَنَظَمَتْ فِيهِ شِعْرَهَا، وَسَبَكَتْ فِيهِ نَثْرَهَا، وَأَنْفَقَتْ فِي تَحْصِيلِهِ دِرْهَمَهَا وَدِينَارَهَا! ذَلِكُمْ هُوَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ الَّذِي مَلَكَهُمْ حُبُّهَا كَمَا أَسْكَرَهُمْ شُرْبُهَا، قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «حُرِّمَتِ الْخَمْرُ وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ لِلْعَرَبِ عَيْشٌ أَعْجَبُ مِنْهَا، وَمَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ أَشَدُّ مِنْهَا».

 

لِذَا كَانَتْ حِكْمَةُ الشَّارِعِ ظَاهِرَةً فِي تَحْرِيمِهَا؛ إِذْ أَخَذَهُمْ بِالتَّدَرُّجِ فِي النَّهْيِ عَنْهَا، لَقَدْ كَانُوا يُحِبُّونَهَا وَيَشْرَبُونَهَا، وَيَجْتَمِعُونَ عَلَيْهَا، وَيَتَّجِرُونَ بِهَا، فَأَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى ذَمِّهَا إِشَارَةً فِيهَا خَفَاءٌ، حَيْثُ ذَكَرَهَا وَذَكَرَ مَعَهَا غَيْرَهَا، فَسَكَتَ عَنْهَا وَأَثْنَى عَلَى غَيْرِهَا، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ ذِكْرَ أَمْرَيْنِ مُقْتَرِنَيْنِ يُثْنَى عَلَى أَحَدِهِمَا وَيُسْكَتُ عَنِ الْآخَرِ فِيهِ مَذَمَّةٌ لِلْآخَرِ: ﴿ وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ﴾ [النَّحْل: 67]، فَذَكَرَ السَّكَرَ وَسَكَتَ عَنْهُ، وَوَصَفَ الرِّزْقَ الَّذِي هُوَ الطَّعَامُ بِأَنَّهُ حَسَنٌ، فَكَانَ ذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى ذَمِّ السَّكَرِ.

 

وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ تَكُنِ الْخَمْرُ مُحَرَّمَةً فَكَانَ الصَّحَابَةُ يَشْرَبُونَهَا، فَيَعْدُوا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَيَضْرِبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ثُمَّ يَتَفَاخَرُونَ حَتَّى يَقْتَتِلُوا، وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرَى ذَلِكَ وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ﴾ [الْبَقَرَة: 219] الْآيَةَ، فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي النِّسَاءِ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾ [النِّسَاء: 43] فَكَانَ مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ يُنَادِي: أَلَا لَا يَقْرَبَنَّ الصَّلَاةَ سَكْرَانٌ، فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [الْمَائِدَة: 91] قَالَ عُمَرُ: انْتَهَيْنَا» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

 

قَالَ الرَّازِيُّ: "وَالْحِكْمَةُ فِي وُقُوعِ التَّحْرِيمِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلِمَ أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا أَلِفُوا شُرْبَ الْخَمْرِ، وَكَانَ انْتِفَاعُهُمْ بِذَلِكَ كَثِيرًا، فَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ مَنَعَهُمْ دُفْعَةً وَاحِدَةً لَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَلَا جَرَمَ اسْتَعْمَلَ فِي هَذَا التَّحْرِيمِ هَذَا التَّدَرُّجَ وَهَذَا الرِّفْقَ".

 

وَأَخَذَ الْمُنَادِي يُنَادِي: "إِنَّ الْخَمْرَ حُرِّمَتْ"، وَكَانَ جَمْعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَيْهَا يَشْرَبُونَ، فَلَمَّا سَمِعُوا النِّدَاءَ بِتَحْرِيمِهَا لَمْ يَتَوَانَوْا وَلَمْ يَتَرَدَّدُوا؛ بَلْ بَادَرُوا بِامْتِثَالِ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا: «انْتَهَيْنَا، انْتَهَيْنَا»، وَقِصَصُهُمْ فِي الِاسْتِجَابَةِ لِهَذَا الْأَمْرِ عَدِيدَةٌ وَمَشْهُورَةٌ.

 

قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «... إِنِّي لَقَائِمٌ أَسْقِيهَا أَبَا طَلْحَةَ وَأَبَا أَيُّوبَ وَرِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِنَا إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلْ بَلَغَكُمُ الْخَبَرُ؟ قُلْنَا: لَا؟ قَالَ: فَإِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، فَقَالَ: يَا أَنَسُ، أَرِقْ هَذِهِ الْقِلَالَ، فَمَا رَاجَعُوهَا وَلَا سَأَلُوا عَنْهَا بَعْدَ خَبَرِ الرَّجُلِ» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاللَّفْظُ لَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: «فَوَاللَّهِ مَا قَالُوا: حَتَّى نَنْظُرَ وَنَسْأَلَ». وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: «فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُهَا فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ».

 

إِنَّ سُرْعَةَ اسْتِجَابَةِ صَحَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَمْرِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي تَحْرِيمِ شَرَابٍ أَلِفُوهُ وَاعْتَادُوهُ، وَأَحَبُّوهُ وَعَشِقُوهُ لَمِمَّا يَدْعُو لِلدَّهْشَةِ وَالْإِعْجَابِ وَالْإِكْبَارِ، هَرَقُوهَا وَتَخَلَّصُوا مِنْهَا، وَكَسَرُوا جِرَارَهَا؛ حَتَّى سَالَتْ سِكَكُ الْمَدِينَةِ خَمْرًا فَوْرَ نُزُولِ تَحْرِيمِهَا. وَكَانَ تَحْرِيمُهَا بَعْدَ غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ بِأَيَّامٍ.

 

لَمْ يَحْتَاجُوا مَوَاعِظَ خُطَبَاءَ، وَلَا بَيَانَاتِ عُلَمَاءَ، وَلَا أَجْهِزَةَ إِعْلَامٍ تَنْهَاهُمْ عَنِ الْخَمْرِ وَتُبَيِّنُ لَهُمْ أَضْرَارَهَا، وَلَمْ يَجْعَلْهُمْ يُبَادِرُونَ إِلَى التَّخَلُّصِ مِنْهَا خَوْفُهُمْ مِنْ رِجَالِ الْحِسْبَةِ، أَوْ أَفْرَادِ الشُّرْطَةِ، أَوْ حُكْمِ الْمَحْكَمَةِ، لَمْ يَحْتَاجُوا إِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ الرَّقِيبَ كَانَ دَاخِلَ قُلُوبِهِمْ، وَلِأَنَّ خَوْفَهُمْ كَانَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، فَكَفَتْهُمْ آيَةٌ وَاحِدَةٌ يُنَادِي بِهَا الْمُنَادِي، فَتَسِيلُ عَلَى إِثْرِهَا سِكَكُ الْمَدِينَةِ خَمْرًا.

 

حُرِّمَتِ الْخَمْرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ تَحْرِيمُهَا أَبَدًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَلَوْ سُمِّيَتْ بِغَيْرِ اسْمِهَا، أَوْ زَعَمُوا أَنَّ الدَّوَاءَ فِيهَا، قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ».

 

وَمَهْمَا كَانَتْ نِسْبَةُ الْإِسْكَارِ فِيهَا قَلِيلَةً، وَلَا يُسْكِرُ مِنْهَا إِلَّا الْكَثِيرُ؛ فَالْقَلِيلُ حَرَامٌ، قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ»، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ شُرْبَ مَا يُسْكِرُ حَرَامٌ وَفِسْقٌ وَكَبِيرَةٌ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ.

 

أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [الْمَائِدَة].

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، أَحْمَدُهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِمَّا يُنَاسِبُ ذِكْرُهُ مَعَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ بَلَاءٌ ابْتُلِيَ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ حَتَّى لَا يَتَوَرَّعَ بَعْضُهُمْ عَنْ إِظْهَارِهِ وَالْمُجَاهَرَةِ بِهِ، بَلْ وَأَذِيَّةِ إِخْوَانِهِ بِهِ، فَيُشْعِلُ دَخِينَتَهُ فِي مُجَمَّعَاتِ النَّاسِ حَتَّى يَنْفُثَ عَلَيْهِمْ سُمُومَهَا، وَيَنْشُرَ فِيهِمْ رَائِحَتَهَا.

 

وَكَمْ أَنْفَقَ فِيهَا مِنْ مَالِهِ، وَأَتْلَفَ صِحَّتَهُ، وَأَضَرَّ بِزَوْجِهِ وَأَوْلَادِهِ، وَالْمَالُ مَالُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾ [النُّور: 33] فَنَسَبَ الْمَالَ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ سُبْحَانَهُ، فَلَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُنْفِقَهُ فِي عَطَبِ نَفْسِهِ، وَأَذِيَّةِ النَّاسِ.

 

وَالصِّحَّةُ نِعْمَةٌ، أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَنْ مَلَكَهَا مَغْبُونٌ، فَلَا يَحِلُّ لِلْمُدَخِّنِ أَنْ يُخِلَّ بِهَا مِنْ أَجْلِ شَهْوَةٍ فَاسِدَةٍ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ [النِّسَاء: 29].

 

وَأَذِيَّةُ الْمُؤْمِنِ لَا تَجُوزُ وَفِيهَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الْأَحْزَاب: 58] فَلَا يَجُوزُ لِلْمُدَخِّنِ أَنْ يُدَخِّنَ فِي مَجَامِعِ النَّاسِ، وَلَا أَنْ يَضُرَّ أَهْلَهُ وَأَوْلَادَهُ بِسُمُومِهِ، وَكَمْ ذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ مِنْ أَضْرَارٍ أَتَتْ عَلَى الْأَوْلَادِ، وَأَمْرَاضٍ أَصَابَتْهُمْ؛ لِأَنَّ أَبَاهُمْ كَانَ مُدَخِّنًا حَشَرَهُمْ بِسُمُومِهِ. أَضِفْ إِلَى ذَلِكَ أَنَّ الدُّخَانَ خَبِيثُ الرَّائِحَةِ، خَبِيثُ الْعَمَلِ فِي جَسَدِ الْإِنْسَانِ، خَبِيثُ الْعَاقِبَةِ، وَكَانَ مِنْ أَوْصَافِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي أُثْنِيَ بِهَا عَلَيْهِ: ﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ [الْأَعْرَاف: 157].

 

أَيُّهَا الْأَخُ الْمُدَخِّنُ: خِطَابُ الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ وَالْفِطْرَةِ يَدْعُوكَ إِلَى تَرْكِهِ وَالتَّوْبَةِ مِنْهُ؛ فَإِنْ أَبَيْتَ إِلَّا الْإِضْرَارَ بِنَفْسِكَ فَحَذَارِ أَنْ تُؤْذِيَ بِهِ زَوْجَكَ وَأَوْلَادَكَ وَإِخْوَانَكَ، وَاحْذَرْ أَنْ تُؤْذِيَ بِهِ مُسْلِمًا فَيَدْعُو عَلَيْكَ وَأَنْتَ لَا تَسْمَعُ دُعَاءَهُ. ثُمَّ فَكِرْ فِي أَذِيَّتِكَ لِلْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ، وَأَذِيَّتِكَ لِإِخْوَانِكَ الْمُصَلِّينَ. وَكَيْفَ تَتْلُو كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَائِحَةُ الدُّخَّانِ تَنْبَعِثُ مِنْ فَمِكَ، وَكَيْفَ يُلَامِسُ لِسَانُكَ سِيجَارَتَكَ، وَأَنْتَ بِهِ تَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى وَتُسَبِّحُهُ وَتَحْمَدُهُ وَتَدْعُوهُ.

 

أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعَافِيَكَ مِنْ بَلَائِكَ، وَأَنْ يَعْصِمَنَا وَيَحْفَظَنَا مَا بَقِينَا.

 

أَلَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • شرب الخمر ليلة الزفاف
  • شرح حديث: سئل عن الخمر تتخذ خلا
  • خطبة: لا تشربوا الخمر
  • رسالة إلى متعاطي المخدرات وشارب الخمر
  • أربعين ساعة بين الأمواج (خطبة)
  • لا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر
  • تحريم الخمر وبيان أضرارها (خطبة)
  • خطورة انتشار الخمور والمسكرات (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • كشف الأستار بشرح قصة الثلاثة الذين حبسوا في الغار(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصة فيها عبرة (الأصمعي والبقال)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • في عيادة الطبيب ( قصه قصيرة )(مقالة - حضارة الكلمة)
  • قصه حدثت للدكتور عبدالرحمن العشماوي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: هدايات من قصة جوع أبي هريرة رضي الله عنه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأربعون حديثا في تحريم وخطر الخمر والمخدرات (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • حديث: أيها الناس، إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: من العنب، والتمر، والعسل(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • تحريم شرب الخمر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة توهج الجمر في تحريم الخمر(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • طلاب هارفارد المسلمون يحصلون على مصلى جديد ودائم بحلول هذا الخريف
  • المعرض الرابع للمسلمين الصم بمدينة دالاس الأمريكية
  • كاتشابوري تحتفل ببداية مشروع مسجد جديد في الجبل الأسود
  • نواكشوط تشهد تخرج نخبة جديدة من حفظة كتاب الله
  • مخيمات صيفية تعليمية لأطفال المسلمين في مساجد بختشيساراي
  • المؤتمر السنوي الرابع للرابطة العالمية للمدارس الإسلامية
  • التخطيط لإنشاء مسجد جديد في مدينة أيلزبري الإنجليزية
  • مسجد جديد يزين بوسانسكا كروبا بعد 3 سنوات من العمل

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/2/1447هـ - الساعة: 1:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب