• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | المكتبة المرئية   المكتبة المقروءة   المكتبة السمعية   مكتبة التصميمات   كتب د. خالد الجريسي   كتب د. سعد الحميد  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    نفحات تربوية من الخطب المنبرية (PDF)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    شرح كتاب الأصول الثلاثة: من قول المؤلف: فدليل ...
    الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
  •  
    أفضل الصيغ: جمع لأفضل الصيغ الواردة في التشهد، ...
    أحمد علي سالم أحمد
  •  
    المنهل الروي بشرح منظومة الإمام اللغوي محمد بن ...
    أ. د. حسن بن محمد بن علي شبالة
  •  
    وفد النصارى.. وصدق المحبة..
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    لقط الفوائد ونتف الفرائد للإمام العلامة يوسف بن ...
    د. إياد العكيلي
  •  
    التذكير بما ورد في فضل التهجير (PDF)
    سعد بن صالح بن محمد الصرامي
  •  
    شذرات الفوائد من صحيح البخاري (PDF)
    د. ابراهيم شذر حمد الصجري
  •  
    لقاء حول الفتوى والاجتهاد (PDF)
    أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
  •  
    الموسوعة الندية في الآداب الإسلامية - آداب ...
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    خمسون قاعدة في فقه البيوع (PDF)
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    تدبر سورة العاديات (PDF)
    عبدالله عوض محمد الحسن
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

دلالات تربوية على سورة المرسلات

د. أحمد مصطفى نصير

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/3/2010 ميلادي - 19/3/1431 هجري

الزيارات: 70554

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

دلالات تربوية على سورة المرسلات

يقول صاحب "الظلال": (هذه السورة حادَّة الملامح، عنيفة المشاهد، شديدة الإيقاع، كأنَّها سياطٌ لاذِعة مِن نار، وهي تُوقِفُ القلبَ وقفةَ المحاكَمة الرهيبة؛ حيث يُواجَه بسيلٍ مِن الاستفهامات والاستنكارات والتهديدات، تنفذُ إليه كالسِّهام المسنونة!).

يقول الله تعالى: ﴿ وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا * وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا * فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا * فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا * عُذْرًا أَوْ نُذْرًا * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ ﴾ [المرسلات: 1 – 7].

يرسل الله سبحانه الرُّسل من الملائكة والبَشَر بما فيه صالح البَشَر عُرْفًا؛ أي: شرعًا لا يُنْكره القلب، ولا الفطرة السليمة؛ قال سبحانه: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، وتلك الرُّسل تَتَتَابَع فيما بينها؛ يقول الحق سبحانه: ﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى ﴾ [المؤمنون: 44]، كما أنَّ تلك الرُّسل كالرياح المرسلة التي تَجمَع بين الرحمة والعذاب، فهي عذاب يَعصِف بالكافرين؛ يقول سبحانه: ﴿ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأحقاف: 24، 25]، وهي رحمة تَنشُر الخير بين المؤمنين؛ قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [النمل: 63]، فهي بذلك تفرق الناس إلى فريقين؛ حيثُ يتميَّز الخبيثُ عن الطَّيِّب، وتفرق بين الحلال والحرام؛ يقول سبحانه: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1].

وتُلقي الذِّكْر، وتُبلغ الرِّسالة للعباد المؤمنين؛ يقول سبحانه: ﴿ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ﴾ [النمل: 6]، وذلك كلُّه إعذارٌ مِن الله تعالى، وإنذارٌ للبشرية جمْعاء؛ يقول سبحانه: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ﴾ [فاطر: 24]، ثم يأتي المقْسَم به: ﴿ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ ﴾ [المرسلات: 7]، فبحق الرُّسُل التي أَرسَلها الله تعالى من الملائكة ومن البشر؛ لِتُنذر البشريةَ عذابَ اللهِ الواقعَ بالكافرين، وتَنشُر الرحمة بين العالمين، وتفرق بين الحلال والحرام، مُلْقِيةً الذِّكْرَ، ومُبلِّغة للرِّسالة، وهذا أمْر مُشاهَد ومَعلوم للناس؛ أن كل زمان يأتي لا يَخلو مِن النذير، سواء مِن الأنبياء أو الرُّسل أو الدعاة مهما كذب المكذِّبون، فبحق ما هو معلوم لنا مِن أمْر هؤلاء الرُّسل المبشِّرين والمنذرين يُقْسِم المولى بأن وعْده لهم واقع لا مَحالة، فما هو وعد الله الذي أقسم به؟
﴿ فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ * وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ * لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴾ [المرسلات: 8 – 15].

هنا قبل أنْ يُجيب المولى على المقصود بوُقوع وعْده، يُجيب على تساؤلٍ آخَر، ألَا وهو: متى يقع هذا الوعد؟ لأنَّ في ذلك تَخصيصًا لهذا الوعد بتحديد زمن وقوعه؛ إذْ متى علمتَ وقتَ وُقوعِه، علمتَ ماذا يقع؟ انظر حين ترى النجوم، وقد انطفأ نورُها، وإلى السماء حين تتشقَّق وتفتح أبوابَها، وإلى الجبال الشاهقات حين تُنسَف، إنَّه لا شكَّ يومُ القيامة، تَعْرفه مِن علاماتِه وأهواله، عندئذ يَجمع اللهُ الرُّسل التي شهدَت على البشريَّة في الدُّنيا بتبليغ الرسالة، فإنَّها تجتمع اليومَ لِتَشْهَد مِن جديد؛ يقول سبحانه: ﴿ يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾ [المائدة: 109]، هنا يَندَحر الباطلُ ويَزْهَق، وهنا يأتِ الويلُ للمكذبين بالبعث واليوم الآخر.
﴿ أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ * كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴾ [المرسلات: 16 – 19].

إنَّها إشارةٌ مِن الله تعالى للقرون السابقة، تلك القُرون التي هلكَت وهلك معها آخرون، كلُّهم كذَّبوا الرُّسل، وهذا ما يفعله الله تعالى بالمكذبين؛ يقول سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [يونس: 13]، فالويلُ الذي وَعَدَ اللهُ به أولئك المكذبين في الدُّنيا واقعٌ بهم، مهما طال عليهم الزَّمان، ومهما بَغَوْا وتكبَّروا واستكبروا، فسوف يفعل الله بهم مثلَ ما فَعل بالقرون التي قبْلَهم.
﴿ أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴾ [المرسلات: 20 – 24].

مِن الطَّبيعي أنْ يأتي المولى سبحانه بعد هلاك هؤلاء بقوم غيرهم؛ لينظر ماذا يَعملون؛ يقول سبحانه: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [يونس: 14]، وهنا يَلفِت القرآنُ انتباهنا إلى أصل خلقتِنا، إنَّه ماء مهين؛ تلك النطفة التي جعلها الله تعالى في جدار رحم الأم تأخذُ مراحل نُمُوِّها لأجلٍ هو قدَّرَه لها؛ تخرج طفلًا يتنفَّس يُقدِّر له الله تعالى مِن أسباب العيش والكسب ما قدَّرَه له سبحانه، أبَعْدَ هذا يُكذِّب المكذِّبون وينكرون اليومَ الآخر والحساب والجزاء؟! إنَّهم حقًّا يستحقُّون الويلَ لتكذيبهم بهذه الآيات البيِّنات؛ يقول سبحانه: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21].
﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً ‎وَأَمْوَاتًا * وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴾ [المرسلات: 25 – 28].

كما يلفت المولى انتباهَنا إلى الكون الذي نعيش فيه، تلك الأرض التي تَحوينا، سواء أَكُنَّا عليها أحياءً أم أمواتًا؛ يقول سبحانه: ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ [طه: 55]، إنَّ الذي يَنظر إلى تلك الأرض التي كَفَتَتْ ابنَ آدمَ على ظهرها وفي بطنها، وتلك الجبال الشامخات التي جعلها الله رَواسي لحركة الأرض، وهذا الماء الذي أنزله الله تعالى فيها ماءً عذبًا فراتًا لِنَشرَب منه، هذه التهيئة الربَّانية للإنسان لكي يَحيا على هذه الأرض؛ لِيعلمَ يقينًا أنَّه لم يُخْلق عبثًا، وإنَّما خُلق لغاية، وأنَّ أجَله الذي وقَّته الله له لحكمة، إنَّ الذي يُكذِّب بهذه الحقيقة التي دلَّل عليها المولى سبحانه بآيات الكون التي تَشهَد بذلك، لَيَسْتَحِق الويلَ الذي أعدَّه الله له.
﴿ انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ * لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ * إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴾ [المرسلات: 29 – 34].

إنَّ تكذيبَ الإنسان بالبعث واليومِ الآخِر قد فاق ما يُعذَر به، إنَّ الكون قد تَلاشَى مِن هذا التَّكذيب، وقامت القيامة مَصحوبة بغضب الرَّحمن، هنا يُحِقُّ اللهُ الحقَّ، ويُبطل الباطل؛ إذ يدعوهم لأنْ يَذهبوا وينطلقوا إلى ما كانوا يَعبدون في الدُّنيا؛ يقول سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [الأنعام: 94]، إنَّهم عندئذ يَعجزون ولا يُنصرون، هنا يكون انطلاقُهم وتَمسُّكُهم بحبل النجاة وهمًا؛ إذ إنَّ مصيرَهم إلى النار، تلك النار يصف المولى سبحانه دخانَها بأنَّه يتفرق مِن شِدَّة لظاها إلى ثلاث شعب؛ لتكذيبهم بالله وكُتُبه ورسله[1]، إنَّها تُحيط بهم ليذوقوا حَرَّها، فلا راحة لهم مِن اللهب المسلَّطِ عليهم، بل إنَّها تَقذف عليهم شَرَرَها العظيم، كل شرارة منها كالقصْر في حجمها، ويشبِّهها المولى سبحانه بالجِمال الصُّفر المتتابعة، كل ذلك كناية على تسليط العذاب على أولئك المكذبين.
﴿ هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ * وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴾ [المرسلات: 35 – 37].

هنا تخرس ألسنةُ هؤلاء المكذِّبين فلا تَقْدِر على أنْ تَنْطق بكلمة واحدة، بل إنَّها تُريد أن تَعتَذر عما بَدَرَ منها مِن التكذيب بالله واليوم الآخر، فلا يأذن الله لها، إنَّه ويلٌ نفسي؛ إذ يخاصمهم المولى سبحانه فلا يُكلِّمهم.
﴿ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ * فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴾ [المرسلات: 38 – 40].

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يُحِبُّ رجُلٌ قومًا إلا حُشِرَ معهم))[2]، فمَن يتفاخر بالفراعنة حُشِر معهم، ومَن تفاخَر بالرُّومان وغيرهم مِن الأباطرة الظالمين، كان مصيرُه مثلَ مصيرهم، أين التفاخُر بحمَلة هذا الدِّين؟ أين الانتساب للمسلمين؟ هنا يَسخَر اللهُ منهم؛ إذ يردُّ عليهم كيدَهم، يدعوهم لأن يكيدوا لِيُنقِذوا أنفسَهم، كما كانوا يَكيدون في الدُّنيا ضدَّ المسلمين، إنَّه ويلُ الحسرة عليهم أن يكُون مصيرُهم اليومَ الخزيَ والخسران.
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴾ [المرسلات: 41 – 45].

هنا تلتفتُ السورةُ إلى صِنْف آخَر مِن الناس لَيْسُوا بمكذِّبين، وإنَّما هم مصدِّقون ومتَّقون؛ إذ يُظلُّهم الله تعالى في ظلالٍ مِن الجِنان، يتمتَّعون بعُيونها وفواكهها التي يَشتَهونها، يأكلون ويشربون بلا حساب هانئين بهذا الرَّغد مِن العيش، جزاءً لهم على إحسانهم الإيمان بالله تعالى، وخشيته وتقواه، إنَّ المكذب يَبحث في الآخرة عن هؤلاء المتَّقين في النار فلا يَراهم؛ يقول تعالى: ﴿ وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ ﴾ [ص: 62، 63]، هنا يردُّ المولى القديرُ عليهم في كتابه: ﴿ أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ﴾ [الأعراف: 49]، هنا تزداد الحسرة أنِ اتَّبَعَ المكذِّبون طريقَ الضلال، ولم يتَّبعوا طريقَ المؤمنين، فقد فاتَهم حظُّهم مِن النعيم.
﴿ كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴾  [المرسلات: 46، 47].

هنا يُنادُونَ أصحابَ الجَنَّة أن يُغْدِقوا عليهم بعضًا مما ينعمون به؛ يقول سبحانه: ﴿ وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [الأعراف: 50]، هنا يَسخَر الله منهم، فيُطعمهم ويسقيهم، بَيْدَ أنَّ هذا الطَّعام وهذا الشراب ليس إلا زيادة في التنكيل بهم والعذاب؛ يقول سبحانه: ﴿ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ﴾ [محمد: 15]، ويقول: ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ ﴾ [الواقعة: 51 – 56]، أليس ذلك هو الويل حقًّا لأولئك المكذِّبين أنْ يَمكثوا في العذاب مُهانين، ونظائرُهم من المؤمنين في الجنات ينعمون مُكرمين.
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾ [المرسلات: 48 – 50].

يقول سبحانه: ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ﴾ [القلم: 42 – 43]؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يُنادي منادٍ لِيَذْهَبْ كلُّ قوم إلى ما كانوا يَعبُدون... يَبقَى مَن كان يَعبُد اللهَ مِن بَرٍّ أو فاجر، فيقال لهم: ما يَحبسكم وقد ذهبَ الناس؟ فيقولون: فارقناهم ونحن أحوَجُ منَّا إليه اليومَ، وإنا سمعنا مناديًا يُنادي: لِيَلْحَقْ كلُّ قوم بما كانوا يَعبدون، وإنَّما ننتظر ربَّنا، قال: يأتيهم الجبَّار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أوَّل مرة، فيقول: أنا ربُّكم، فيقولون: أنتَ ربُّنا، فلا يكلِّمه إلا الأنبياء، فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه، فيقولون: الساق، فيكشِف عن ساقه، فيسجُد له كلُّ مؤمن، ويَبقَى مَن كان يسجد لله رياءً وسُمعة، فيذهب كيما يَسجُد، فيعود ظهرُه طَبَقًا واحدًا، ثم يُؤتى بالجِسْر، فيُجعل بين ظَهْرَيْ جهنم))[3]، وذلك مِن أجل أنَّهم لم يكونوا يسجدون لله في الدُّنيا[4].

إنَّ الله قد أَرسَل الرُّسل، وأنزل الرِّسالات، وأنذر خلْقَه وعبيدَه أنَّه الإلهُ الواحد القهار، وأقام عليهم الحُجَج البيِّنات، فلا عُذرَ بعد ذلك لأحد، ولا إذنَ لأحد أنْ يَعْتذر، فليس بَعد ذلك إلَّا أن يَفصِل اللهُ بينهم، فلا آمَن مَن لم يُصدِّق بكتابه وبرُسُله وبآياته سبحانه وتعالى.

[1] ذكره الإمام البقاعي في "نظم الدَّرَر في تناسُب الآيات والسُّوَر".
[2] رواه الطبراني في "الصغير والأوسط"، وصحَّحه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"، ج 3 ص 96، رقم: 3037.
[3] رواه البخاري، ج 6 ص 2706، رقم 7001.
[4] ذكره ابن عباس، وأخرجه ابن جرير عنه، يراجع في ذلك "الدُّرُّ المنثور في التفسير بالمأثور".




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • دلالات تربوية على سورة الناس
  • دلالات تربوية من سورة الإخلاص
  • دلالات تربوية على سورة المسد
  • دلالات تربوية على سورة الكوثر
  • دلالات تربوية على سورة النصر
  • دلالات تربوية على سورة قريش
  • دلالات تربوية على سورة الماعون
  • دلالات تربوية على سورة الانفطار
  • دلالات تربوية على سورة الفلق
  • دلالات تربوية على سورة الانشقاق
  • نماذج تربوية من السنة النبوية
  • تفسير سورة المرسلات للناشئين
  • تفسير سورة المرسلات كاملة
  • الاستدلال على حتمية البعث من بعض الظواهر الكونية في قوله تعالى: (ألم تر)

مختارات من الشبكة

  • وقفات تربوية مع سورة الفيل (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة العصر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة الهمزة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة التكاثر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نفحات تربوية من الخطب المنبرية (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع دعاء: (اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • "اجلس فقد آذيت": خاطرة تربوية تأصيلية في ضوابط الاستشهاد بالمواقف النبوية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • خاطرة تربوية: فلنحذر الانسياق إلى ضفاف نهر الهوى!(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خاطرة تربوية: على ضفاف حالة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإحصاء في القرآن الكريم والسنة النبوية: أبعاد ودلالات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- شكر
خالد - السعودية 04/03/2010 03:38 PM
بارك الله فيكم
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة علمية حول دور الذكاء الاصطناعي في تحسين الإنتاجية بمدينة سراييفو
  • مركز تعليمي إسلامي جديد بمنطقة بيستريتشينسكي شمال غرب تتارستان
  • 100 متطوع مسلم يجهزون 20 ألف وجبة غذائية للمحتاجين في مينيسوتا
  • مسابقة الأحاديث النبوية تجمع أطفال دورات القرآن في بازارجيك
  • أعمال شاملة لإعادة ترميم مسجد الدفتردار ونافورته التاريخية بجزيرة كوس اليونانية
  • مدينة نابريجناي تشلني تحتفل بافتتاح مسجد "إزجي آي" بعد تسع سنوات من البناء
  • انتهاء فعاليات المسابقة الوطنية للقرآن الكريم في دورتها الـ17 بالبوسنة
  • مركز ديني وتعليمي جديد بقرية كوياشلي بمدينة قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 29/3/1447هـ - الساعة: 10:36
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب