الاتجاه الابتداعي في الشعر السعودي الحديث إلى بداية التسعينيات الهجرية

ملخص الرسالة

الاتجاه الابتداعي في الشعرالسعودي الحديث

إلى بداية التسعينيات الهجرية

(دراسة موضوعية وفنية)

خاتمة الرسالة

قبل أن أسدل ستار الختام على بحثي هذا أود أن أنوه إلى مدى الاستفادة العلمية التي تحققت لي عبر هذا الموضوع، فقد تعرفت عن كثب على نتاج ضخم لمجموعة كبيرة من شعرائنا الابتداعيين. كما تبدت أمامي العديد من الحقائق والنتائج المجهولة على الأقل بالنسبة إليّ.

ففي الفصل الأول: اتضح تطور مفهوم التجربة الشعرية لدى شعراء الاتجاه الابتداعي من خلال النماذج التي استطاعت تحقيق فنيات التجربة عبر عوالمها المتنوعة، سواء العالم النفسي، أو الواقع الاجتماعي، أو عالمي الطيعة والمرأة. ورأينا كيف قدم الشعراء النماذج الحية التي التحمت فيها تجاربهم تلك، بحيث أصبحت تشكل لحمة ابتداعية واحدة تجسد الشعور المعتقل في نفسياتهم. كما وضح من خلالها التنظيم والتدرج في بناء تلك التجارب. هذا بالإضافة إلى بروز عناصر الخيال واللغة والموسيقى، وتطوير الأدوات الفنية بغية تجسيد التجارب الشعورية الناضجة. وقد تجلى في الوقت ذاته وعي شعرائنا الابتداعيين بالعملية الشعرية التي أضحت عندهم متجاوزة حدود المناسبات المفتعلة إلى حياكة الثوب الشعري الذي يتناسب مع حقيقة الحدث وتناميه من خلال تطور أدوات الشاعر نفسه.

أما الفصل الثاني وفيما يتعلق بالموضوعات الشعرية وجدنا شعراء هذا الاتجاه يتجاوزون الأغراض التقليدية والموضوعات المرتبطة بالمناسبات في ظل تركيزهم على الموضوعات الطبيعية والموضوعات المتعلقة بالذات. ففي الموضوعات الطبيعية رأينا اهتمامًا بها حيث أضحت الميدان الذي تتعشقه أرواحهم وتهفو إليه أفئدتهم باعتبارها الملاذ الروحي الذي يحقق لهم الكثير من الأشياء المفقودة من واقعهم المعاش.

ولذلك كانوا يرون في الطبيعة الأم الرؤوم التي يستظلون بفيء حنانها. وفي الوقت ذاته يلبسونها المشاعر والأحاسيس معتبرين أنها معادلات موضوعية لما يعتمل في نفوسهم وخواطرهم المعذبة. حيت لم يكتفوا بالوقوف الشكلي أمام مظاهرها، وإنما مضوا يحاورونها ويستنطقونها ويبثونها شكواهم، أو يتمنون عليها أمنياتهم و نجواهم.

وفي الشهت الآخر من موضوعاتهم نجد بروزًا واضحًا لنفسياتهم وشخصياتهم عبر الكثير من النماذج التي حللت نفسياتهم ووضعتها تحت أقلامهم المجهرية فتكشفت ذواتهم عن الكثير من الأماني والأحلام السعيدة، أو عن جملة من الآلام والمشاعر المحبطة.

وقد ظهرت إلى جانب الموضوعات الذاتية المعروفة من شكوى واغتراب.. وما إليها موضوعات فرعية أخرى تركز على الذات إبان مواقف نفسية معينة مثل القلق، والصمت، والحيرة والانتظار.. وغيرها من المواقف التي لم تكن معروفة في الموضوعات الذاتية في الشعر السعودي من قبل.

أما الباب الثاني من هذا البحث فقد عني بالدراسة الفنية وقد برزت من خلاله العديد من النتائج والخصائص الفنية سواء أكان ذلك على صعيد البناء الفني والموسيقي، أو المعجم الشعري، أو الصورة الشعرية. ففيما يتعلق بالبناء الفني والموسيقي تبين تنوع الشكل الخارجي للقصيدة الابتداعية ما بين الشكل العمودي، والموشحي، والمقطوعي والحديث التفعيلي. كما تبين التنوع في الشكل الداخلي للقصيدة الشعرية، إذ بعد أن حقق الشعراء في هذا الاتجاه الوحدة الفنية راحوا يبحثون عن الأشكال التي من شأنها تعزيز تلك الوحدة كالشكل المسرحي والقصصي أو عبر تلمس أشكال وأطر داخلية أخرى. وفيما يتعلق بالشكل الخارجي فقد اتضحت ومضاتهم الابتداعية من خلال تعاملهم مع القصيدة التقليدية وتوظيفه عناصرها الفنية وبنيتها الموسيقية من أجل إبراز حالاتهم الشعورية، وقد تجلى ذلك عبر الأشكال المتنوعة التي عرفتها القصيدة التقليدية من أشكال عمودية أو موشحة أو مقطعية أو مرسلة.

كما برز تجديدهم وابتداعهم في شكل القصيدة من خلال استخدامهم للشكل الشعري الجديد المعروف بالشعر التفعيلي الذي برهنوا به على مقدراتهم الابتداعية القادرة على استيعاب التقنيات والجماليات الحديثة التي يطرحها هذا الشكل.

أما الفصل الثاني من الدراسة الفنية وكان عن المعجم الشعري فقد تبين فيه تأثره بعدة عوامل ساهمت في تشكيله مثل العوامل النفسية والعاطفية وعامل القراءة.. كما اتضحت في المبحث الثاني من هذا الفاصل مناحي التطور في ذلك المعجم التي تمثلت في تطور استخدام المفردة التقليدية، وفي استخدام المفردات الجديدة. وقد وضح من استخدامهم للمفردة التقليدية تركيزهم على المفردات الدينية والبيئية بشكل خاص حيث برز استغالالهم لطاقات تلك المفردتين بوضعهما ضمن سياقات شاعرية جديدة تكفل لها إبراز الطاقات المخبوءة بهما سواء أكانت إيحاءات إيمانية، أو إشارات بيئية مكانية. وعلى صعيد استخدام المفردات الجديدة شهد معجم الابتداعيين إضافة مفردات جديدة كليًا على السياق الشعري، كما شهد معجمهم أيضًا بعث الدلالات الجديدة في المفردات المعروفة سابقًا. وقي المبحث الثالث من هذا الفصل اتضحت أهم الظواهر اللغوية التي حفل بها المعجم الشعري الابتداعي والمتمثلة في الإكثار من الألفاظ ذات الرموز والدلالات الخاصة، والهمس، والإكثار من الصيغ اللغوية المتقابلة، والتكرار، وتوظيف الإيحاء الصوتي للألفاظ.

أما الفصل الأخير وهو المتعلق بالصورة الشعرية ففيه تبينت المصادر التي عول عليها الشعراء في صورهم. فاتضح أثر معين التراث في بعض تلك الصور، كما ظهرت وتنوعت المنازع الجديدة التي أخذ الشعراء يعتمدون عليها في ثراء صورهم. كما تبينت بعض العناصر المهمة في تشكيل الصورة الابتداعية وخاصة عنصري التجسيم وتداخل معطيات الحواس. وعند استجلاء خصائص الصورة لدى الشعراء الابتداعيين تبين أنها كانت متمركزة حول الذاتية والتوسع في استخدام المجاز، وفي استخدام المعادل الموضوعي. وظهر تأثير الذات في بناء الصورة إلى جانب التوسع الكبير الذي شهدته صورهم من حيث عدم الوقوف عند المأثور من استعمالات المجاز وطرائقه المعروفة في السابق، وفي الوقت ذاته برزت الصور التي تجسد المعادل الموضوعي لكل ما يزمع الشاعر تصويره من حالات مع تنوع في الأنموذج الموضوعي نفسه.

بعض التوصيات المتعلقة بالموضوع:

لم أشأ إنهاء حديثي في هذا البحث قبل أن أعطي بعض الاشاره المهمة ومنها:

• الاهتمام بالدراسات الفنية حول الشعر السعودي، خاصة بعد أن انتهت الحاجة الماسة للدراسات التاريخية حوله.

• عمل فهارس ببلوجرافية تحصر النتاج الشعري للشعراء السعوديين والدراسات النقدية المتعلقة به في الدوريات وتبوبيها حسب موضوعاتها وحسب طبيعة كل دورية.

• جمع الدراسات النقدية المتفرقة في الدوريات الأدبية عن الشعراء السعوديين وإعادة نشرها في إصدار واحد.

• توفير المصادر المتعلقة بالمادة الشعرية وبالتحديد الأعمال الشعرية القديمة التي نفذت طبعاتها الأولى ولم تطبع من جديد كأعمال العواد والقنديل والحجر.. وغيرهم. إذ أن هذه تمثل العقبة الأولى في طريق الباحثين في هذا الميدان.

• إحياء مؤتمر الأدباء السعوديين الذي توقف منذ مدة طويلة وعلى الرغم من انعقاده مرة واحدة لكنه نتجت عنه العديد من الدراسات الفنية والأبحاث الأدبية وأوراق العمل عن الحركة الأدبية السعودية وقد بلغ مجموع ما نشر منه خمسة مجلدات.

• إعادة اختيار النصوص المقررة من ذلك الأدب في مراحل التعليم العام، حيث أنها لا تعطي الوجه الحقيقي للمستوى الفني الذي بلغه الشعر السعودي.

هذا والحمد لله أولًا وأخيرًا...

فهرس المحتويات