أقوال الحافظ الذهبي النقدية في علوم الحديث من كتابه سير أعلام النبلاء

ملخص الرسالة

أقوال الحافظ الذهبي النقدية في علوم الحديث

من كتابه "سِيَر أعلام النُّبَلاء"

إنَّ كتاب "سِيَر أعلام النُّبَلاء" من الدَّواوين العلميَّة العظيمة التي تحتَوِي على غُرَرِ الفَوائد ودُرَرِ الفَرائد، تتجلَّى فيه شخصيَّة الذهبي النقديَّة الفَذَّة، ومعرفتُه الواسعة في الحديث، وقد قُمتُ بجمْع أقواله النقديَّة وفَوائده الحديثيَّة، ودرستُ هذه الأقوال، ونظمتُ بحثي في مقدمة ومدخل وثلاثة أبواب، واشتَمَل المدخل على فصلين: الأول: في ترجمة الحافظ الذهبي والثاني: في دراسة جَوانب في كتاب "سِيَر أعلام النُّبَلاء".

أمَّا الباب الأول فهو: دراسة الأقوال النقديَّة في الجرح والتعديل، واشتَمَل هذا الباب على فصلين:

الأول: في البدعة وأثرها في الجرح.

والثاني: في دراسة بعض مَباحث الجرح والتعديل.

أمَّا الباب الثاني فهو: دراسة أقوال الذهبي النقديَّة في الحديث وأئمَّة الجرح والتعديل، واشتمل على فصلين أيضًا:

الأول: في دراسة أقواله النقديَّة في الحديث وما يتعلَّق بنقْد السند والمتن وأقواله في الرُّواة وشرحه لبعض الأحاديث.

والثاني: في دراسة أقواله النقديَّة لمسائل من علوم الحديث.

أمَّا الخاتمة فقد ذكَرت فيها أهمَّ النتائج التي توصَّلت إليها، وأوجزها فيما يلي:

1- استدركت أسماء عدَّة كتبٍ للذهبي لم يذكُرْها مَن قام بدراسة وترجمة الحافظ الذهبي.

2- قمتُ بجمع أقواله النقديَّة العامَّة وأظهرتُ فيها براعتَه النقديَّة وورعَه وإنصافَه.

3- حقَّقت تاريخ تأليفه للكتاب حيث ابتدأ به سنة 732، واستمرَّ في تهذيبه إلى "744".

4- أظهرت مفهوم الطبقة وطريقته في ترتيبها، وأثبتُّ أنَّ الكتاب تنقُصه خمس طبقات.

5- قُمت بدراسةٍ وافية نظريَّة وتطبيقيَّة لمسألة البدعة وأثرها في الجرح.

6- أظهرت الفَرْقَ الدقيق بين الاختلاط والتغيُّر، وبين الكتابة والتدوين.

7- استدركت كثيرًا من الأنساب التي فاتَتِ ابنَ الأثير في "اللباب".

8- استدركت أكثر من (90) لقبًا فاتت الحافظ ابن حجرٍ في "نزهة الألباب".

وأسأل الله - سبحانه - أنْ يَرزُقني الإخلاص والصواب، وأنْ يتقبَّل منِّي جهدي بالقَبول الذي هو أهله - سبحانه - وصلَّى الله على نبيِّنا محمد وآله وصَحبه وسلَّم.

المقدمة

الحمد لله رَبِّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتَمُّ التسليم على نبيِّنا محمَّد سيِّد الأوَّلين والآخرين، وعلى آله الطيِّبين الطاهِرين، وصَحابته الغُرِّ الميامين، ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.

اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا إنَّك أنت العليم الحكيم.

اللهم لا سهلَ إلا ما جعلتَه سهلاً، وأنت إنْ شئت تجعَل الحزن سهلاً.

وبعدُ:

فإنَّ من أفضل القُرُبات عند الله - عزَّ وجلَّ - منزلةً، وأعلاها قدرًا، وأبْقاها ذِكرًا، وأعظمها أجرًا - طَلَبُ العِلم النافع ابتغاء وجْه الله - تعالى - فإنَّه يَعودُ على صاحبه بالخير العَمِيم والذِّكر الجميل في الدُّنيا، ويكونُ أنيسًا له في وحشة قَبرِه، وظُلمَة رَمسِه، وذُخرًا يوم يقومُ الناس لربِّ العالمين، يومَ لا ينفَعُ مالٌ ولا بنون إلا مَن أتى الله بقلبٍ سليم.

اللهم إنِّي أسألك عِلمًا نافِعًا، وعملاً خالصًا مُتقبَّلاً، يكون سببًا لرحمتك، والفوز برِضاك ومغفرتك، ومدخلاً لدار كَرامتك.

وإنَّ من نِعَمِ الله - عزَّ وجلَّ - عليَّ وفَضله العَمِيم أنْ وفَّقني لطلب العلم الشرعي، وأكرمَنِي بالإقامة بالبلد الأمين في جوار البيت العتيق، ويسَّر لي إتمامَ دِراستي الشرعيَّة في جامعة أمِّ القُرَى.

وبعد أنِ اجتزتُ السَّنة التمهيديَّة - بعَوْنِ الله وتوفيقه - شرعت في البحث عن موضوعٍ لرسالتي، وبعد تتبُّعٍ وتفكُّر، وقَع اختِياري على جمع ودراسة أقوال الحافظ الذهبي النقديَّة في عُلوم الحديث من كتابه "سِيَر أعلام النُّبَلاء".

أسباب اختيار الموضوع:

وكان من بين الأسباب التي حَدَتْ بي للكتابة في هذا الموضوع:

1- محبَّتي للحديث النبوي الشريف وما يتَّصل به من عُلومٍ تتعلَّق بروايته ودِرايته، وخاصَّة ما يتعلَّق بالنقد ومَناهج العُلَماء فيه، والذهبي له منهجه المتميِّز في النقد، ويُعَدُّ من كِبار أئمَّة النقد في القَرن الثامن.

2- وإنَّ من جملة الأسباب التي دفعَتْني إلى اختِيار هذا الموضوع رَغبتي في التخصُّص في معرفة الرِّجال وأحوالهم وأقوالهم وطَبقاتهم، وفي ذلك فوائدُ كثيرة.

"منها: معرفة مَناقبهم وأحوالهم فيُتأدَّب بآدابهم وتُقتَبس المحاسن من آثارهم.

ومنها: مَراتبهم وأعصارهم فيُنزلون مَنازِلهم، ولا يقصر بالعالي في الجلالة عن دَرجته ولا يُرفَع غيرُه عن مَرتبته.

ومنها: أنهم أئمَّتنا وأسلافنا كالوالدين لنا، وأجدى علينا في مصالح آخِرتنا التي هي دار قَرارنا، وأنصح لنا فيما هو أعوَدُ علينا، فيَقبُح بنا أنْ نجهلهم وأنْ نهمل معرفتهم"[1].

3- إنَّ كتاب "سير أعلام النبلاء" من الدَّواوين العلميَّة العظيمة التي تحتوي على غُرَر الفوائد ودُرَر الفرائد التي يَجُود بها قلمُ الحافظ الذهبي في كتاباته وتعليقاته وانتقاداته، وكتاب "سِيَر أعلام النُّبَلاء" من أواخِر كتبه العلميَّة، يُعَدُّ ثمرة وخُلاصة جُهود الحافظ الذهبي في النَّقد، تتجلَّى فيه شَخصيَّته العلميَّة النقديَّة الفذَّة، ومعرفته الواسعة بالرِّجال والحديث والتاريخ.

ويمرُّ المُطالِع له بكثيرٍ من الإفادات والتحقيقات والانتقادات، بثَّها في تَضاعِيف كتابه وافتَتحَها بـ(قال) و(قلت) يجدُ فيها الباحث الإفادات الغالية، والتحقيقات النَّفيسة والنُّكت العلميَّة البديعة، والتوجيهات والإرشادات النافعة التي تُرقِّق قلب القارئ وتُهذِّب سُلوكه، وتكون كواحةٍ وارفةِ الظِّلال يَلجَأ إليها بعدَ الكدِّ في القِراءة والعَناء في البحث، فرأيتُ جمْع هذه الأقوال وترتيبها ودِراستها من هذا السِّفر النفيس لتكون مُيسَّرة للباحثين.

طريقة البحث في هذه الرسالة:

قد كان المنهج الذي سِرتُ عليه في إعداد هذه الرسالة:

1- شرَعتُ في قِراءة الكتاب قراءةً مُتأنِّية والإشارة أثناء المطالعة على هامش نُسختي إلى الفَوائد العلميَّة المنشورة المتنوِّعة.

2- قرَأت الكتاب مرَّة ثانيةً بأكمله، ودوَّنت جميع الأقوال النقديَّة والفوائد الحديثيَّة.

3- رتَّبت هذه الأقوال النقديَّة والحديثيَّة حسَب المواضيع.

4- درست هذه الأقوال النقديَّة وعلَّقت عليها من خِلال أقوال الذهبي في كتبه الأخرى، وفي مُقدِّمتها "الميزان"، ثم "تذكرة الحفاظ"، و"المغني"، و"الموقظة"، وتوسَّعت في ذِكر الأدلَّة ومَذاهب العلماء، مُؤيِّدًا كلَّ ذلك بأقوال غيره من مشاهير النُّقَّاد وأئمَّة الحديث، واستفدت من مُختَلف المصادر التي تُكمِل جوانب البحث، وتُظهِر القدر الذي أضافَه الذهبي وحرَّرَه.

5- افتتحتُ كلَّ مبحثٍ من مَباحِث الرسالة بأقوال الذهبي النقديَّة في كتابه "سِيَر أعلام النُّبَلاء"، وأتبعتُها بأقواله النقديَّة في كُتُبِه الأخرى، وقد أُمهِّدُ لبعض المباحث بتقديم كلام غيره من العُلَماء من تعريفٍ أو تمهيدٍ تقتَضِيه طبيعةُ البحث.

6- لم أُتَرجِمْ للأعلام الواردين في الرسالة؛ لأنَّ ذلك يُضاعِف حَجمَها، ويُثقِل هَوامِشَها بما لا فائدةَ فيه، وخاصَّة أنَّ كلَّ قولٍ أورَدَه من الكتاب أذكُر موضع الترجمة التي ذكر فيها هذا القول، وعامَّة هؤلاء ترجَمَ لهم الذهبي ترجمةً مُفصَّلة واسعةً؛ ولذلك اكتفيتُ بذِكر أسماء الأعلام ووَفَيَاتهم في الأعمِّ الأغلب، وترجمتُ لبعض الأعلام الذين وجَدتُ فائدةً في ترجمتهم.

7- عزَوْتُ الآيات القرآنيَّة الكريمة، وخرَّجتُ الأحاديث النبوية الشريفة، وضبطت كثيرًا من الأسماء والكلمات بالشَّكل، وأوضحت الكلمات الغامضة التي يَرِدُ ذِكرها أثناءَ البحث.

خطَّة البحث:

وقد نظمتُ البحثَ في مقدمة ومدخل وثلاثة أبواب، وخاتمة.

أمَّا المقدمة: فهذه.

أمَّا المدخل فقد اشتمل على فصلين:

الفصل الأول: الإمام الذهبي الناقد في ضوء كتابه "سِيَر أعلام النُّبَلاء".

واشتمل هذا الفصل على مبحثين:

المبحث الأول: الحافظ الذهبي وسَماعاته ومُصنَّفاته في ضوء كتابه "سِيَر أعلام النُّبَلاء".

المبحث الثاني: الذهبي الناقد في ضوء أقواله في "سِيَر أعلام النُّبَلاء".

الفصل الثاني: دراسة جوانب من كتاب "سِيَر أعلام النُّبَلاء".

واشتمل هذا الفصل على أربعة مباحث:

المبحث الأول: تاريخ تأليف الذهبي لكتاب "سِيَر أعلام النُّبَلاء".

المبحث الثاني: مفهوم الطبقة عند الحافظ الذهبي ومنهجه في ترتيبها.

المبحث الثالث: ذِكر الشيوخ والتلاميذ وما يتعلَّق، بذلك من مباحث الرواية.

المبحث الرابع: منهجه في ذِكر الوفيات والولادات وأعمار المترجمين.

الباب الأول: دراسة أقوال الحافظ الذهبي النقديَّة في الجرح والتعديل:

وتحته فصلان:

الفصل الأول: البدعة وأثرها في الجرح.

ويشتمل هذا الفصل على تمهيد وثلاثة مباحث:

التمهيد: ذكر لمحة تاريخيَّة موجزة عن ظهور البِدَعِ والفِرَقِ.

المبحث الأول: حكم رواية المبتدِع.

المبحث الثاني: أثر الاختلاف بسبب العقائد في الجرح.

المبحث الثالث: مسألة تكفير أهل البِدَعِ والأهواء.

المبحث الرابع: أقسام البِدَعِ.

أولاً: التشيُّع والرَّفض.

ثانيًا: النصب.

ثالثًا: بدعة الخوارج.

رابعًا: الإرجاء.

خامسًا: القدر.

سادسًا: التجهم والاعتزال.

سابعًا: الفلسفة وعلوم الأوائل.

المبحث الخامس: بدعة القول بخلق القرآن وأثرها في الجرح والتعديل.

الفصل الثاني: دراسة أقوال الحافظ الذهبي النقديَّة في مباحث الجرح والتعديل، ويشتمل على تسعة مباحث:

المبحث الأول: الجرح ليس بغيبةٍ.

المبحث الثاني: الجرح والتعديل المبهمان.

المبحث الثالث: تعارُض الجرح والتعديل.

المبحث الرابع: عَداوة الأقران وأثره في الجرح.

المبحث الخامس: الاختلاط والتغيُّر وأثره في الجرح.

المبحث السادس: التلقين وأثره في الجرح.

المبحث السابع: سرقة الحديث وأثرها في الجرح.

المبحث الثامن: أخْذ الأجرة على الحديث وأثره في الجرح.

المبحث التاسع: شرح بعض أقوال أئمَّة الجرح والتعديل.

الباب الثاني: دراسة أقوال الحافظ الذهبي النقديَّة في الحديث وأئمَّة الجرح والتعديل:

وتخته فصلان:

الفصل الأول: دراسة أقوال الحافظ الذهبي النقديَّة في الحديث.

ويشتمل على ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: نقْد الأحاديث، وفيه سبعة مطالب:

أولاً: نقد السند.

ثانيًا: نقد المتن.

ثالثًا: علل الحديث.

رابعًا: الأحاديث المتواترة.

خامسًا: الأحاديث الموضوعة.

سادسًا: الأحاديث المنكرة.

سابعًا: أبوالأحاديث الغريبة.

المبحث الثاني: أقوال الذهبي النقديَّة في الرُّواة ومباحث الاتِّصال والانقطاع.

المبحث الثالث: أقوال الذهبي النقدية في شرح الأحاديث.

الفصل الثاني: أقوال الحافظ الذهبي النقديَّة لأئمَّة الجرح والتعديل.

الباب الثالث: دراسة أقوال الحافظ الذهبي النقديَّة في مسائل من عُلوم الحديث:

وتحته فصلان:

الفصل الأول: دراسة أقوال الحافظ الذهبي النقديَّة لكتب السُّنَّة.

ويشمل على ستة مباحث:

المبحث الأول: مسند الإمام أحمد.

المبحث الثاني: سنن الإمام أبي داود.

المبحث الثالث: سنن الإمام الترمذي.

المبحث الرابع: سنن النسائي وتصحيح نسبة المجتبى إليه.

المبحث الخامس: سنن ابن ماجه.

المبحث السادس: مستدرك الحاكم.

الفصل الثاني: دراسة أقوال الحافظ الذهبي النقدية في مباحث من مصطلح الحديث.

ويشتمل على عشرة مباحث:

المبحث الأول: كتابة الحديث وتدوينه.

المبحث الثاني: الحديث الحسن ومرتبة راويه.

المبحث الثالث: حُكم رواية الحديث الموضوع.

المبحث الرابع: الثقة: تعريفه، وأنَّه ليس من شرطه عدم الخطأ، ومَن لم يروِ إلا عن ثقة في الغالب، وحُكم زيادة الثقة.

المبحث الخامس: التدليس: أقسامه وأحكامه.

المبحث السادس: طرق تحمُّل الحديث وأدائه.

المبحث السابع: الرواية من أصْل الكتاب وعدم الاتِّكال على الحِفظ فقط.

المبحث الثامن: معرفة الصحابة - رضي الله عنهم - وفيه مطالب:

أولاً: فوائد في تعريف الصحابة ومعرفتهم.

ثانيًا: تفاوت الصحابة - رضي الله عنهم - في الفضل والعدالة، وبيان مَن هو أفضل الصحابة.

ثالثًا: عَدالة الصحابة وموقف المسلم وقَع من تَشاجُرٍ وتَقاتُلٍ بينهم.

المبحث التاسع: الإسناد وما يتعلَّق به، وتحته مطلبان:

أولاً: الحديث المسلسل.

ثانيًا: السابق واللاحق.

المبحث العاشر: معرفة الرواة، وتحته خمسة مطالب:

أولاً: المؤتلف والمختلف.

ثانيًا: المتفق والمفترق، والمتشابه.

ثالثًا: بيان المهمل.

رابعًا: الأنساب.

خامسًا: الألقاب.

أمَّا الخاتمة فقد بيَّنت فيها بعض النتائج.

ثم صنعت فهرسًا للمصادر والمراجع وآخَر للموضوعات.

هذا هو المخطَّط العام للرسالة، وقد بذَلتُ فيها وسعي واستنفذت طاقتي وجهدي - على كثْرة العوائق والصَّوارف وتشتُّت البال والخاطر - راجِيًا أنْ أكونَ قد أضفتُ لَبِنَةً متواضعة وقدَّمت عملاً علميًّا - على ما فيه من هناتٍ - يُضاف إلى المكتبة الإسلاميَّة الزاخرة، وأنْ أكون قد وُفِّقتُ إلى الحقِّ والصواب؛ إذ هو غاية المطلوب والرجاء.

وإنْ كانت الأخرى فمن نفسي الضعيفة، وأستغفرُ الله وأبرأ إليه من حولي وقوَّتي مستعينًا بحول الله وقوَّته، وحسبي أنِّي أدَّيْتُ ما بوسعي، وما أردت إلا الخير.

وما أحسن قول الإمام الخطابي في مقدمة كتابه "غريب الحديث"[2]: "فأمَّا سائر ما تكلَّمنا عليه ممَّا استدرَكْتاه بمبلغ أفهامنا، وأخَذْناه عن أمثالنا، فإنَّا أحقَّاء ألا نُزكِّيه، وألا نُؤكِّد الثقة به، وكلُّ مَن عثر منه على حرفٍ أو معنى يجبُ تغييره فتحنُ نُناشِده الله في إصلاحه وأداء حقِّ النصيحة فيه، فإنَّ الإنسان ضعيفٌ لا يسلم من الخطأ إلا أنْ يعصمه الله بتوفيقه، ونحن نسأَلُ الله ذلك، ونرغَبُ إليه في دركه، إنَّه جواد وهوب".

وفي الختام أحمَدُ الله - سبحانه - على عَوْنِه وتوفيقه لإتمام هذه الرسالة؛ حيث سهَّل لي الصعب، وذلَّل لي العقبات، وهيَّأ لي من العُلَماء الناصحين مَن أخَذ بيدي وأخلَصَ في توجيهي وإرشادي.

واللهَ الكريمَ أسأَلُ أنْ يعصمني من الزَّلل، وينفع بهذا العمل، وأسأله السلامة من آفة النَّفس وما يُفسِد الإخلاص ويحبط العمل، وأسأله - سبحانه - أنْ يتقبَّل مني هذا الجهد بالقبول الذي هو أهلُه - سبحانه - وأنْ ينفعني به يوم العَرْضِ عليه، اللهمَّ اغفرْ لي ولوالديَّ ولإخواني ومشايخي وأصحاب الحقوق عليَّ ولجميع المسلمين، إنَّك غفورٌ رحيم جواد كريم.

وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على خاتم رسُلِك سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

وآخِر دَعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين.

الخاتمة

الحمدُ لله في الأولى والآخِرة وهو العليم القدير، والصَّلاة والسَّلام على خاتم أنبيائه سيِّدنا محمَّد البشير النذير، وعلى آله وصَحْبِه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم البعْث والمصير.

وبعدُ:

فإنَّ كتاب "سِيَر أعلام النُّبَلاء" للحافظ الذهبي ديوانٌ عظيمٌ، وسِفر جليل، يُظهِر غَزارةَ عِلم الحافظ الذهبي، وإمامته في النقد، ومعرفته الواسعة في الحديث والرجال.

فقد اشتمل هذا الكتابُ إلى جانب ما وُضِعَ له من تراجم مشاهير العُلَماء وأعلام النُّبلاء من الخلفاء والملوك، والوزراء والأمراء، والقضاة والقرَّاء، والمحدِّثين والفقهاء، واللغويين والأدباء، والنُّحاة والشُّعَراء، والزُّهَّاد والعُبَّاد، والفلاسفة والمتكلِّمين - اشتمل على فوائد نفيسةٍ، وتحقيقات علميَّة بديعة، وفوائد ومصطلحات في الجرح والتعديل، وإفادات مُتنوِّعة في الحديث والرِّجال؛ لأنَّ الحافظ الذهبي آثَر المحدِّثين وتوسَّع في تراجمهم لشِدَّة كلفه بهم، وعظيم إكباره لهم.

وقد اتَّسم الذهبي في هذا الكتاب بالبَراعة النقديَّة التي جعلَتْه ينتقدُ كِبار العلماء والمؤرِّخين وأئمَّة الجرح والتعديل، ويُنبِّه على أوهامهم بأسلوبٍ علمي متَّزن يَكشِف عن غَزارة علمٍ، ونبالة قصدٍ، وقُدرةٍ فائقة على النَّقد.

وقد اجتهدت في دِراسة هذا الكتاب واستخراج الفوائد العلميَّة ودِراستها.

1- فقُمت بترجمةٍ للحافظ الذهبي في ضوء كتابه "سِيَر أعلام النُّبَلاء"، وذكرت سماعاته التي تدلُّ على واسع معرفته وعظيم اطِّلاعه.

2- وأحصَيْت مؤلفاته التي ذكَرَها في كتابه، واستدركت أسماء ثمانية كتب لم يَذكُرها مَن تخصَّص لدِراسة الذهبي، ثم الذي استدرك عليه.

3- كما قمتُ بجمْع أقواله النقديَّة العامَّة في كتابه، وتتبَّعت سائر أقواله، ورتَّبتُها وأظهَرتُ فيها براعتَه النقديَّة وشُمولها وما يتَّسِمُ فيها من ورَع وإنْصاف.

4- ثم درست جوانبَ من كتابه، وأفضتُ في الحديث عنها، وحقَّقت تاريخَ تأليفه للكِتاب وأنَّه ابتَدَأ بتأليفه سنة (732) واستمرَّ في تهذيبه وتنقيحه إلى سنة (744).

5- كما أظهرت مفهومَ الطبقة عند الحافظ الذهبي وطريقتَه في ترتيبها، وأثبتُّ أنَّ الكتاب المطبوع تنقص منه خمس طبقات تقريبًا؛ لأنَّه ينتهي بترجمة السلطان الناصر داود المتوفَّى سنة (656) في الطبقة الخامسة والثلاثين، بينما الكتاب ينتهي بترجمة الحافظ المزي المتوفَّى سنة (742) كما نصَّ على ذلك الفاسي في "تعريف ذوي العلا ممَّن لم يذكرهم الذهبي في سير النبلا".

6- وذكرت طريقتَه في سرْد أسماء الشيوخ والرُّواة وما يتعلَّق بذلك من مباحث الرِّواية.

7- وأفضتُ في الحديث عن منهجه في ذِكر الوفيات والولادات وأعمار المترجمين، وتنبَّهت إلى بعض أوْهامه في ذلك.

8- وقُمت بدِراسةٍ وافيةٍ - نظريَّة وتطبيقيَّة - لمسألة البدعة وأثرها في الجرح والتعديل، وأبَنتُ عن منهج المحدِّثين في موقفهم النقدي النَّزيه ومِعيارهم الدَّقيق في قبول روايات المبتدعة أو ردِّها.

9- وتوسَّعت في الكلام عن المسألة القول بخلْق القُرآن، وأثَر هذه البدعة في الجرح والتعديل، فجاء مبحثُ البدعة ومتعلقاته شاملاً وافيًا بفضل الله وتوفيقه.

10- وقمت كذلك بدِراسةٍ مُتعمِّقة لبعض مباحث الجرح والتعديل، وأفضت في بحث عَداوة الأقْران بذِكر الأمثلة والشَّواهد الكثيرة.

كما أوضَحتُ الفرق الدَّقيق بين الاختِلاط والتغيُّر وأثَر ذلك في الجرح والتعديل.

11- واعتنيت بإظهار الناحية النقديَّة الحديثيَّة، وبَيان دقَّتها وشُمولها في نقْد الأحاديث والرُّواة.

وتتبَّعت بدِقَّةٍ أقوالَه في نقْد أئمَّة الجرح والتعديل فبلغوا خمسةً وخمسين إمامًا.

12- وقمت أيضًا بدِراسة كتب السُّنَّة دراسةً مُوسَّعةً في ضوء أقوال الذهبي.

13- وأفضت في الكلام في بعض مباحث المصطلح، فأظهرت الفرْق الدَّقيق بين الكتابة والتدوين الذي غفَل عنه كثيرٌ ممَّن كتبوا في هذه المباحث.

14- وتوسَّعت في الكلام عن عَدالة الصحابة - رضي الله عنهم - ورد ما يُثارُ حولهم أفرادًا وجماعات، وبيَّنتُ تفاوتهم في العدالة والفضْل، وأنَّه لا يَلزَمُ من ثُبوت عَدالتهم عدم وُقوع المعاصي منهم؛ إذ هم ليسوا بمعصومين.

15- وتكلَّمت عمَّا يتعلَّق بمباحث الإسناد ومعرفة الرُّواة، فجمعتُ ما يتعلَّق بالحديث المسلسل والسابق واللاحق.

وفي مبحث بَيان المهمل جمعتُ كثيرًا من الفوائد، وأوضحت كثيرًا من الغوامض التي تفيدُ أهْل هذا الشأن.

وفي مبحث الأنساب جمعت جميعَ الأنساب التي صرَّح الذهبي بذِكرها، واستدركت أكثر من أربعين نسبة على كتاب "اللباب"؛ لابن الأثير.

وفي مبحث الألقاب أحصيت الألقاب بدقَّة، واستدركت على كتاب "نزهة الألباب"؛ للحافظ ابن حجر، وهو أوسَعُ كتابٍ في هذا الباب، استدركت عليه من كتاب الذهبي أكثر من تسعين لقبًا.

وفي الختام:

أسأَلُ الله - سبحانه - أنْ يسبل عليَّ عفوَه وسترَه، ويتجاوَز عن سيِّئاتي وتقصيري ويحسن عاقبتي في الأمور كلِّها، ويُجِرني من خِزي الدُّنيا وعَذاب الآخِرة.

وأخِر دَعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على سيِّدنا محمد وآله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.