أبدع ضيف منتظر: الطفل الوليد (2)

أبدع ضيف منتظر

الطفل الوليد (2)

مقدمة:

بسم الله الرحمن الرحيم: هذا الجزء الثاني من بحث الطفل الوليد[*]، ذلك العطاء الرباني الذي يَبقى هاجسًا للأبوين طوال فترة الحمل، وللأم بالذات مع اقتراب الوضع؛ قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 189]، جعلنا الله وإياكم من الشاكرين!

وكما قُلنا: يبقى الطفل طيلة الشهر الأول من العمر شديد الهَشاشة وكأنه ولد لتوِّه، ويَبقى بالمصطلح الطبي يسمى: "وليدًا"، ولكنه يجمع إلى هذه الهشاشة والرقة: المتانة والتناسق في الخَلْق والحركة، ودقة الصَّنعة المعجزة، سبحان البارئ المصور!

وتستمر هذه الخصوصية حتى نهاية الشهر الثالث بالنسبة لبعض الصفات والوظائف؛ حيث يُتِمُّ المولود العديد من التبدلات وعمليات النضج التي يقتضي الأمر الوجود خارج الرحم حتى تُستكمل.

وإن النسبة العالية للوفَيَات والأمراض عند الوليد حتى في أحسن دول العالم طبيًّا ترجع لهذه الهَشاشة، ومعظم مشاكل الوِلْدان ترجع لسوء التأقلُم، أو للتشوُّهات الخلقية، أو المشاكل القبالية (خلال عملية الوضع).

وفيما يلي بيان موجز للمَزيد مِن الاعتبارات الخاصة بطفلِكم الوليد، وتصحيح لبعض الأخطاء الشائعة بشأنها:

المظهر العام للوليد الغالي:

• يَلتفت المولود التفاتةً صغيرة نحو الصوت الأنثوي فور الولادة، وهو يَبدو مُغطى بطلاء دهني يتجمع في الثنيات ويزول تلقائيًّا خلال (2 - 3) أيام من الولادة.

ويكون نبض الوليد سريعًا مقارنة ببقية الأعمار؛ إذ ينبض قلبه (120 - 160) مرة في الدقيقة، وعدد مرات التنفس (30 - 60) مرة في الدقيقة.

ويجب تجنُّب التدفئة الزائدة أو البرودة، والاحتفاظ بحرارة الغرفة (24) درجة مئوية وسطيًّا، ولدى الشك بإصابته بالحمى تقاس حرارته من الإبْط، ويمنع إعطاؤه خوافض الحرارة منعًا باتًّا دون فحص الطبيب المختص؛ لخطورتها على خلايا كبده التي لم تنضج بعد، ويُكتفى بتخفيف ثيابه ووضع كمادات رطبة ريثما يتم فحصه.

• ويولد بعض الأطفال بدون شَعر على الرأس، والبعض بشعر كثيف، ومعظم المواليد سيسقط شعرهم ويحلُّ محله شعر جديد قد يكون لونه مختلفًا تمامًا، وإن لم يسقط يتمُّ حسب السنة النبوية حلقه في اليوم السابع[1].

• اليوافيخ: يلاحظ باللمس بقعة طرية في مقدمة الرأس، هي اليافوخ الأمامي، وهو المساحة الواقعة بين أربع من عظام القحف التي تستمر بالنمو ببطء بعد الولادة فتلتقي مغلقة اليافوخ الأمامي بعمر (6 - 12) شهرًا، مما يتيح الفرصة لدماغ الطفل ليتابع النمو ضمن القحف القابل للتوسع خلال هذه الفترة الهامة من النضج السلوكي والعاطفي والعقلي - والذي سنعود لذكر بعض علاماته المبكرة - وكلٌّ من الانغلاق الباكر أو المتأخر لليوافيخ له دلالات هامة بالنسبة للطبيب الذي يفحص اليافوخ مع كل زيارة ويقيس محيط الرأس، كما نُطَمْئِنُ الأهلَ عادة لكون اليافوخ محميًّا بشكل جيد جدًّا بحمد الله تعالى، ولا خوف من القيام بالأعمال العادية كغسل رأس الوليد وقصِّ شعره.

• أما العيون، فيغلقها الوِلْدانُ معظم الوقت، والعيون البنية اللون ستستمرُّ بنية، بينما الزرقاء قد يتغيَّر لونها، وربما تأخر ثبات لون العينين حتى الشهر التاسع، وليس نادرًا أن يبدو الوليد أحْولَ، ونُسميه: "الحَوَل الفيزيولوجي أو الوظيفي"، ولكن استمرار الحول لما بعد الشهر السادس يجب أن يُثير الانتباه، وكنا تحدثنا في الجزء الأول عن دماع الوليد*، ونشير هنا إلى احتمال وجود نقط حمراء في بياض عين الطفل (الملتحمة العينية) بعد الولادة، وهي ستزول بعد أسبوع غالبًا.

يتابع مولودكم بعينيه جسمًا متحركًا حتى (45 درجة)، وتتَّسع زاوية المتابعة لتبلغ بعمر شهر: 90 درجة، وفي الشهر الثالث تبلغ 180 درجة، (ولكنه يتابع متابعة تامة في جميع الاتجاهات بعمر سنة).

• وكذلك فإنَّ جسمه يرتكس لسماع الأصوات: أغلب الأطفال يَهدؤون وينامون على الأصوات الرقيقة (هدهدة الأمهات)، ولكن عند سماع صوت مُرتفِع يُغمض الوليد عادة عينيه، ومنهم من يسكت إذا كان يبكي، وعلى العكس فبعضهم يبكي للأصوات الغريبة - ولكن دون دمع - وقد يلاحظ خفقان القلب لديهم (سرعة نبضات القلب) ردًّا على الأصوات العالية وبالذات المفاجئة منها، وبين الشهر الثاني والثالث يُدير الرضيع رأسه نحو الأصوات، وتشكو لي بعض الأمهات أن وليدها بدءًا من هذا العمر يترك صدرَها ويَلتفت في كل مرة يسمع صوتًا لثوانٍ قبل أن يعود ليرضع فتَستغرِق كل رضعة أكثر من ساعة، وهؤلاء لا بدَّ من إرضاعهم بهدوء تام.

• يغلب الاحمرار على لون جلد المواليد؛ لازدياد نسبة الكريات الحمر لديهم، وهذا يجعل الدوران الدموي مكتظًّا إن صحَّ التعبير، ويؤدي ذلك مع عدم ثبات دورتهم الدموية لزرقة خفيفة بنهايات أطرافهم، تتكرَّر في البرد وعند البكاء، وتزول خلال الشهر الأول من العمر، ونشير إلى أن أظافر الوليد طرية ولكنها حادة لا سيما بالنسبة لجلده الغض، وهو قد يخمش نفسه، وتُنصح الأم أن تنتظر حتى ينام وليدها بعمق، ثم تُمْسك كل إصبع بمفردها بحذر شديد وتقص الظفر بمقص أظافر دقيق.

• ومن الأعراض الشائعة عند المواليد في الأيام الأولى (ذكورًا وإناثًا) ضخامة الثديين مع وجود قليل من الحليب أحيانًا، وهي تَرجع للهرمونات الوالدية المارَّة عبر المشيمة، ويمنع قطعيًّا عصر الثدي لإخراج الحليب؛ لاختلاط ذلك بالتهابات وخراجات قيحية، وهو يُرتشف عفويًّا، وتزول الضخامة بالتدريج خلال بضعة أيام.

التطور العاطفي الحركي للطفل الوليد (ويُسمى الروحي الحركي):

قال تعالى: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21].

1- رصد علماء التطور السلوكي اللحظات الأولى للتفاعل العاطفي بين الأم ووليدها وسمَّوها:

"الفترة الأولى للتفاعل الاجتماعي"، وحدَّدوها بالأربعين دقيقة الأولى تلوَ الولادة، بعد ذلك يمرُّ الوليد بفترات قصيرة جدًّا من التنبه والتآثر تتناوب مع فترات النوم.. سبحان الله! وإذا أضاعت الأم الفترة الأولى لوعي مولودها للتفاعل الاجتماعي (تلك الدقائق الأربعين الثمينة)، فإنها غالبًا لا تَحظى بفترة مماثلة قبل مضي عدة أيام!

2- يبتسم الوليد ابتداءً وهو نائم فقط، وبعمر شهرين:

يبتسم وهو صاحٍ، وبعمر 3 أشهر: يضحك لأمه ويفرح عند رؤيتها (ويَعتبرها البعض أهم علامة تطوريَّة)، وفي الشهر الرابع يُمكن له أن يضحك بصوت مرتفع.

3- تكون عضلات الطفل ضعيفة في البداية، ومن أهمها عضلات العُنُق؛ حيث يتابعها الطبيب بالفحص في كل زيارة، وكذلك قد يُلاحظها بعض الأهل، ففي وضعية الحمل البطني: عندما تَحمل الطفل ويدك تحت بطنه وترفعه قليلاً، فإن رأس المولود يهبط للأسفل؛ لأنَّ عضلات العنق ضعيفة، ولكن بعمر شهر تجده يرفع رأسه لثوانٍ قبل أن يهبط، وبعمر شهرين: يرفع رأسه على مستوى جذعه، وبعمر ثلاثة أشهر: يرفعه فوق مستوى جذعه، وعدم حدوث ذلك هو علامة ذات دلالة مَرَضيَّة تسمى طبيًّا: "سقوط الرأس"، وإنَّ أهم حركة لتقويم التطور الحركي للطفل الرضيع هي تمكُّنه من رفع رأسه فوق مستوى جذعه في الشهر الثالث[2].

4- أما أول الحركات البدئية التي تزول قدرة الطفل على أدائها مع تطوره الطبيعي، فنسميها: "المنعكسات الذاتية أو البدئية".

أذكر منها منعكس الإطباق (للراحتين)، وهنالك منعكس "المشي الذاتي"؛ فعندما تُمسك المولود وتوقفه على سطح مستوٍ فإنه ما يلبث أن يخطو للأمام بضع خطوات وأنت ممسك بيديه، وهو منعكس يزول بعمر أربعة أشهر، فيراجعنا الأهل قلقين بشدة؛ لأن طفلهم حسب تعبيرهم "كان يَنصب ساقيه ثم لم يعد يفعل"، ظانين خطأً أنه أصيب بارتخاء مفاجئ؛ حيث نؤكد لهم بعد الفحص السريري الذي يُثبت سلامة الرضيع أنه لا داعي للقلق، فهي مرحلة تطورية سويَّة، وعلى العكس، فإن عدم زوال هذه المنعكسات بالأوقات المحدَّدة لذلك قد يَحمل دلالات مرضيَّة، ونَختم بملاحظة - وإن كانت لما بعد الفترة العمرية التي نحن بصددها - وهي أن الزحف ليس حركة تطورية مهمَّة، وأن نسبة مرتفعة من الأطفال لا يزحفون وهم أسوياء تمامًا.

العناية بسرَّة الطفل الوليد:

يكون جذمور الحبل السري - أي: القطعة المتبقية منه - غضًّا لونه أبيض صدفي فور الولادة، وما يلبث أن يجفَّ ويغمقَّ لونه، ويوصى بمسح منطقة السرَّة بالكحول الممدد (60%) 2 - 4 مرات باليوم، وعدم تركها تحت الحفَّاظ معرَّضة لبول المولود وبرازه المتسرِّب أحيانًا.

• ومن الأخطاء الشائعة - والتي قد تؤدي لأضرار جسيمة - وضْع الملح أو الكحل على السرَّة؛ لأن المنطقة تشبه الجرح المفتوح نسجيًّا (وإن كانت مغلقة وظيفيًّا)، ويجب مراجعة الطبيب في حال احمرار الجلد حول السرَّة أو خروج مفرزات مصلية قيحية، أو نزف[3]، وأسوأ الجراثيم التي تَدخل من السرة الملوثة وقد تَقتل الوليد جرثومةُ "الكزاز"، وقد قلَّت هذه الحالات - بحمد الله - إثر تعميم لقاح الكزاز على النسوة المُقبلات على الحمل، وإعطائه لكل حامل لم يَسبق أن تلقته خلال السنوات الخمس التي سبقت حملها.

• أما التهابات سرَّة الوليد بالجراثيم الأخرى فتتم معالجة البسيطة منها موضعيًّا، بينما المهملة والمختلطة منها تكون خطرة وقد تؤدي لحُمى وحدوث إنتان دم ما لم تُعالج بالصادات المناسبة وبإشراف طبي محكم.

• ويَسقط الجذمور الجاف عادة بعمر (7 - 14) يومًا بشكل تلقائي دون مشاكل، ونادرًا ما يتأخَّر ذلك لنهاية الشهر الأول.

الإقياء عند الوليد: هو عَرَضٌ غير نادر، والأغلب أنه سليم السير:

• وأكثر أسبابه شيوعًا: ابتلاع الطفل شيئًا من السائل المحيط به خلال رحلة المخاض، وهذا النوع يشفى تلقائيًّا، ولكن إن كانت الكمية المُبتلعة كبيرة فقد يكون الإقياء شديدًا، ويستدعي استشارة الطبيب والقيام بإجراءات خاصة؛ مثل: غسل المعدة الجزئي بالسائل الفيزيولوجي، ونصح الأم بالتدرج بإعطاء الرضعات بفواصل متقاربة (كل نصف ساعة إلى ساعة)، وبكميات قليلة جدًّا تزاد تدريجيًّا كل بضع مرات مع إطالة الفواصل، وهو أمر يحتاج لصبر شديد، وغالبًا لسحب الحليب من الثديين وإعطائه بالملعقة أو المحقن (السيرنج) ، وأشرفت على حالات أغنى فيها صبر الأهل وتفهُّمهم عن غسل المعدة، ونجحوا في تجنُّب الحليب الاصطناعي الذي يطلبه البعض للاستسهال، فيحرمون الوليد من نعمة رزقه الله إياها لا يُدانيها شيء في العظمة والفائدة.

•• وهنا أشير إلى أنه من الأسباب الأخرى الشائعة لإقياء الوليد: التحسُّس للحليب الصناعي.

•• ولكن أبسط تلك الأسباب وأسلمها على الإطلاق هو القيء التالي لفرط الإرضاع، أو للفشل في جعل الطفل يتجشأ، وهنا فهو ليس إقياءً حقيقيًّا بل "قلص"، والبعض يسميه: ارتجاعًا.

البراز الأول للمولود: وهو براز أخضر غامق جدًّا (ضارب للسواد)، ويُسمى: "العِقْي"، وهو محتوى أمعاء الوليد قبل الولادة، والذي يبدأ طرحه بعدها بساعات، ويُمكن أن يبكِّر ذلك أو يتأخر، والطرح المبكر جدًّا وهو في الرحم من علامات تألُّم الجنين، وقد يكون مؤشر خطورة بالنسبة للجنين والأم، ويجب البحث عن سبب التأخر في طرحه لما بعد 24 - 36 ساعة عند طفل بتمام الحَمل؛ فقد ينتج ذلك عن تضيُّق الأمعاء، أو انسدادها بأسبابه المختلفة، وكذلك فإنَّ خمس الأطفال الذين يُولدون بوزن قليل جدًّا، يتأخَّر لديهم طرح العِقي لما بعد أول 24 ساعة من عمرهم.

أخطاء شائعة حول الإمساك والإسهال عند الوليد:

• بين العِقي والبراز العادي يطرح الوليد ما نسميه: "البراز الانتقالي"، والذي قد يظنُّ خطأً حالة إسهال، قبل أن يظهر البراز العادي بلونه الأصفر الذهبي ورائحته الحمضيَّة قليلاً عند من يرضع من أمه، والذي يتبرز عادة عدة مرات في اليوم، بينما أطفال الحليب الصناعي يتبرزون مرة أو مرتين باليوم، أو كل يومين.

• يجب أن نُبقي في ذهننا أن عدم تواتر طرح البراز عن الوليد ليس إمساكًا بالضرورة، لا سيما دون وجود أعراض مرافَقة كالإقياء وضعف الرضاعة؛ كما أن الطفل الطبيعي في أشهرِه الأولى قد يطرح البراز 4 - 5 مرات يوميًّا، دون أن يكون مصابًا بالإسهال، بل بعضهم يطرح برازًا كلما رضَع، وكأن أمعاءه تتحرك كاستجابة انعكاسية للرضاعة، وليس في ذلك التكرار ما يقلق ما دام أنه بصحة جيدة، ويكسب وزنًا بشكل نظامي..، وعمومًا يفضَّل عرض الوليد على الطبيب كلما كان عند الأهل أيُّ مخاوف أو شكوك، لا سيما الأبوين حديثي العهد.

• ويبقى المولود شاهدًا متحركًا شديد الإيحاء لكل متأمل بعظمة الخالق سبحانه وتعالى!

بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [فصلت: 53].

بلى سبحانك ربنا، جلَّت قدرتك، وعظم شأنك!