• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    شرح السنة للإمام المزني تحقيق جمال عزون
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    شرح التصريف العزي للشريف الجرجاني تحقيق محمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    نكبات أصابت الأمة الإسلامية وبشائر العودة: عين ...
    علاء الدين صلاح الدين عبدالقادر الديب
  •  
    في ساحة المعركة
    د. محمد منير الجنباز
  •  
    لوط عليه السلام
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    الصحيفة الجامعة فيما وقع من الزلازل (WORD)
    بكر البعداني
  •  
    شرح البيقونية للشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المؤثرون المسلمون والمنابر الإلكترونية معترك
    عبدالمنعم أديب
  •  
    مناهج التصنيف في علم الدعوة في العصر الحاضر ...
    رانيه محمد علي الكينعي
  •  
    الدكتور محمد عبدالمنعم خفاجي سيوطي العصر
    د. ماجد محمد الوبيران
  •  
    سفرة الزاد لسفرة الجهاد لشهاب الدين الألوسي
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    غزوة بدر
    د. محمد منير الجنباز
  •  
    محيي الدين القضماني المربِّي الصالح، والعابد ...
    أ. أيمن بن أحمد ذو الغنى
  •  
    إبراهيم عليه السلام (5)
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    سفراء النبي صلى الله عليه وسلم لمحمد بن عبد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مواقف من إعارة الكتب
    د. سعد الله المحمدي
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / فكر
علامة باركود

العقل والشرع ( العقل والغيب )

العقل والشرع ( العقل والغيب )
د. فهمي قطب الدين النجار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/3/2014 ميلادي - 3/5/1435 هجري

الزيارات: 26637

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

العقل والشرع

(العقل والغيب)


أ- الغيب في اللغة وفي كتب المفسرين:

الغيب في لغة العرب: كل ما غاب عنك.


قال القرطبي:

واختلف المفسرون في تأويل الغيب هنا، فقالت فرقة: الغيب في هذه الآية ﴿ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾ [البقرة: 3]، هو الله - سبحانه وتعالى.


وقال آخرون: القضاء والقدر، وقال آخرون: القرآن وما فيه من الغيوب.


وقال آخرون: كلُّ ما أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- ممَّا لا تهتدي إليه العقول؛ من أشراط الساعة، وعذاب القبر، والحشر والنشر، والصراط، والميزان، والجنة والنار، قال ابن عطية: وهذه الأقوال لا تتعارَضُ، بل يقع الغيب على جميعِها.


وهذا ما أشار إليه ابن تيمية - يرحمه الله - في كتابه القيم: (درء تعارض العقل والنقل) أن الغيب: "كلُّ ما غاب عن الإنسان واقعًا وعقلاً، مثل الأمور المتعلقة بذات الله - تعالى - واليوم الآخر، والبرزخ، والبعث بعد الموت، والشفاعة، والصراط، والميزان، وخلود الدارينِ، والروح... إلخ".


هذه الأمور الغيبية يجب الإيمان بها؛ لأنها وردت في القرآن الكريم، ومن لم يُؤمِنْ بأيٍّ من أمور الغيب هذه فقد خالف اعتقادَ أهل السنة والجماعة، وهذا ممَّا لا شبهة فيه بين أصحاب الحديث والفقهاء والعلماء في العالم الإسلامي كله"[1].


ويقولُ صاحب الظلال في تفسيره:

"والإيمان بالغيب هو العتبةُ التي يجتازها الإنسان، فيتجاوز مرتبة الحيوانِ الذي لا يدرك إلا ما تدركه حواسه، إلى مرتبة الإنسان الذي يدرك أن الوجود أكبر وأشمل من ذلك الحيِّز الصغير المحدَّد الذي تُدرِكه الحواسُّ - أو الأجهزة التي هي امتدادٌ للحواس - وهي نقلة بعيدة الأثر في تصور الإنسان لحقيقة الوجود كله، ولحقيقةِ وجوده الذاتي، ولحقيقة القُوَى المنطلقة في كيان هذا الوجود، وفي إحساسه بالكون وما وراء الكون من قدرة وتدبير، كما أنها بعيدة الأثر في حياته على الأرض، فليس مَن يعيش في هذا الحيز الصغير الذي تدركه حواسه كمَن يعيش في الكون الكبير الذي تدركه بديهته وبصيرته...".


ويقول: "لقد كان الإيمان بالغيب هو مفرِق الطريق في ارتقاء الإنسان عن عالمِ البهيمة، ولكن جماعة الماديِّين في هذا الزمان - كجماعة الماديين في كل زمان - يُريدون أن يعودوا بالإنسان القهقَرَى، إلى عالم البهيمة الذي لا وجود فيه لغير المحسوس، ويسمون هذا (تقدمية)، وهو النكسة التي وقى الله المؤمنين إياها، فجعل صفتَهم المميزة صفة ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾ [البقرة: 3]، والحمد لله على نعمائه، والنكسة للمنتكسين والمرتكسين"[2].

 

ب- الغيب في القرآن والسنة:

وردت كلمةُ الغيب في القرآن الكريم 48 مرة، تؤكِّد على أن الغيب لا يعلمُه إلا الله، وأن مِن صفات المؤمنين المتقين الإيمان بالغيب، من هذه الآيات قولُه - تعالى -:

• ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾ [البقرة: 2، 3].

• ﴿ أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [البقرة: 33].

• ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ ﴾ [آل عمران: 179].

• ﴿ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ﴾ [الأنعام: 50].

• ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُو ﴾ [الأنعام: 59].

• ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 73].


ووردت لفظة الغيب في السنة المطهرة في مواضع كثيرة من كتب السنة، منها ما يؤكد على أن مفاتح الغيب لا يعلمها إلا الله، وأنه عالم الغيب والشهادة، وأن من صفات المؤمنين الإيمانَ بالغيب قولاً وعملاً واعتقادًا.


فقد ورد في صحيح البخاري أحاديث عدة بروايات متعددة، تذكر أن مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله، فيها عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله: لا يعلم أحدٌ ما يكون في غد، ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام، ولا تعلم نفس ماذا تكسب غدًا، وما تدري نفس بأي أرضٍ تموت، وما يدري أحد متى يجيء المطر))[3].


وعن فضل الإيمان بالغيب، روى الحاكم وصححه عن ابن مسعود قولَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((والذي لا إله غيره ما آمَن أحدٌ أفضل من إيمانٍ بغيب)).

 

جـ- الغيب والفلاسفة:

يبيِّن ابن تيمية - يرحمه الله - أن فلاسفة اليونان - أمثال أرسطو الذي يسمِّيه فلاسفة العرب (المعلِّم الأول) - من أجهلِ الناس بأمور الغيب، أو مَن يطلق عليه بالإلهيات، يقول: "إذا نظر في كلام معلِّمهم الأول - أرسطو - وتدبَّره الفاضل العاقل، لم يُفِدْه إلا العلم بأنهم كانوا من أجهل الخلق برب العالمين".


ويقول: "وأمَّا ما جاءت به الأنبياء، فلا يعرِفُه هؤلاء ألبتة، وليسوا قريبين منه، بل كفَّارُ اليهود والنصارى أعلمُ منهم بالأمور الإلهية، ولست أعني بذلك ما اختصَّ الأنبياء بعلمه من الوحي الذي لا يناله غيرهم، فإن هذا ليس من علمِهم ولا من علم غيرهم، وإنما أعني العلومَ العقلية التي بيَّنها الرسلُ للناس بالبراهين العقلية في معرفة الرب وتوحيده، ومعرفة أسمائه وصفاته، وفي النبوات والمعاد، وما جاؤوا به من مصالحِ الأعمال التي تُورِث السعادة في الآخرة، فإن كثيرًا من ذلك لم يشمُّوا رائحتها، ولا في علومهم ما يدلُّ عليها، وأما ما اختصَّت الرسل بمعرفته وأخبَرت به من الغيب [عن طريق الوحي الإلهي]، فذلك أمرٌ أعظم من أن يُذكَر في ترجيحه على الفلسفة، وإنما المقصود الكلام في العلوم العقلية، دَعْ ما جاءت به الأنبياء، فإنه مرتبة عالية"[4].


ويبيِّن ابن تيمية أسبابَ جهل الفلاسفة اليونان بالعلومِ الإلهية والحقائق الغيبية، يقول: "أما الغيب الذي يُخبِر به الأنبياء والكلِّيات العقلية التي تعمُّ الموجودات كلَّها وتقسم الموجودات قسمة صحيحة، فلا يعرفونها ألبتة، فإن هذا لا يكون إلا لمَن أحاط بأنواع الموجودات، وهم لا يعرفون إلا الحساب وبعض لوازمها، وهذا معرفة بقليل الموجودات جدًّا"[5].


ويوجِّه ابن تيمية نقدَه أيضًا إلى مَن يُسمَّون بفلاسفة الإسلام؛ أمثال ابن سينا، والفارابي، والكندي، وغيرهم، وهم من أتباعِ الفلسفة اليونانية، ولم يستفيدوا من نور الهداية الذي كان بمتناول أيديهم، يقول: "إن هؤلاء المتفلسفة المتأخِّرين في الإسلام من أجهل الخلق عند أهل العلم والإيمان، وفيهم من الضلال والتناقض ما لا يخفى على الأذكياء من الصبيان؛ لأنهم لما التزموا ألاَّ يسلُكُوا إلا سبيلَ سلفهم الضالين وألاَّ يُقرُّوا إلا بما يبنونه على تلك القوانين، وقد جاءهم من النُّور والهدى والبيان ما ملأ القلوب والألسنة والآذان، وصاروا بمنزلة من يريد أن يطفئ نور الشمس بالنفخ في الهباء أو يغطي ضوءها بالعباء"[6].


ولا يكتفي شيخ الإسلام بذلك النقدِ للفلسفة اليونانية وتلامذتها من المسلمين، بل وجَّه نقدَه إلى علم الكلام والمتكلِّمين الذين حاولوا الدفاع عن الإسلام، لكنهم اتخذوا أساليب الفلسفة ومقدماتها ومصطلحاتها القاصرة المحدودة لإحقاق الغيبية الدينية التي كانت تختص بمفاهيمها الخاصة[7].


يقول في كتاب النبوَّات:

"كلامُهم في الخلق والبعث والمبدأ والمعاد وفي إثبات الصانع، ليس فيه تحقيق العلم لا عقلاً ولا نقلاً، وهم معترفون بذلك؛ كما قال الرازي: لقد تأمَّلتُ الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها عليلاً ولا تروي غليلاً، ورأيتُ أقرب الطرق طريقة القرآن"[8].

 

د- هل يُدرِك العقل الغيب؟

يرفع ابنُ تيمية من شأن العقل الإنساني ويعدُّه أساسَ التكليف - كما رأينا آنفًا - إلا أن هذا العقل له حدود لا يستطيع تجاوزها؛ لذلك يقصر باعه عن الإحاطة بالحقائق الغيبية، يقول: "فإن نفس الغريزة العقلية التي تكون للشخص، قد تعجزُ عن إدراك كثير من الأمور، لا سيما الغائبات، فمَن رام بعقلِ نفسه أن يُدرِك كل شيء كان جاهلاً"[9].


ويؤكِّد ابن تيمية - يرحمه الله - أن المنطق إذا عُدَّ ميزانًا عقليًّا، فهو يعجِزُ عن إدراك الحقائق الدينية والإلهية، ووَزْنُ الحقائق الغيبية به يُماثِلُ وزنَ الذَّهب والفِضَّة في ميزان الحَطَب والحديد والرصاص والحجارة، يقول: "ومن المعلوم أن موازين الأموال لا يُقصَد أن يوزن بها الحطب والرصاص دون الذَّهب والفِضَّة، وأمر النبوات وما جاءت به الرسل أعظمُ في العلوم من الذَّهب في الأموال"[10].


وقد أكَّد هذا الأمر - أي محدودية العقل - أيضًا ابنُ خلدون في مقدِّمتِه المشهورة؛ حيث يقول: "بلِ العقلُ ميزانٌ صحيح، فأحكامُه يقينية لا كذب فيها، غير أنك لا تطمعُ أن تزن به أمور التوحيد والآخرة، وحقيقة النبوة، وحقائق الصفات الإلهية، وكل ما وراء طورِه، فإن ذلك طمعٌ في محال، ومثال ذلك مثال رجل رأى الميزانَ الذي يُوزَن به الذَّهب فطمع أن يزنَ به الجبال، وهذا لا يُدرَك، على أن الميزان في أحكامه غير صادق، لكن العقل قد يقف عنده ولا يتعدى طوره، حتى يكون له أن "يحيط بالله وصفاته، فإنه ذرة من ذرَّات الوجود الحاصل منه[11].


وهكذا نجد أن أمور الغيب وحقائقها لا تُدرَك بالعقل، وعلى المؤمن أن يُؤمِن بها كما أُنزِلت في القرآن الكريم، وكما جاءت في السنة الصحيحة.


وينقُلُ لنا ابنُ تيميَّة - يرحمُه الله - في كتابِه (درء تعارض العقل والنقل)[12] قولَ أبي محمد بن عبدٍالبصري المالكي[13] في كتابه الذي صنَّفه في أصول السنة والتوحيد، قال: "وكان إجماعُ السلف والخلفاء وأئمة الدين وفقهاء المسلمين من شرق وغرب، وسهل وجبل، وسائر أقاليم الإسلام، من مغرب، ومصر، وشام، وعراق، وحجاز، ويمن، وبحر[14]، وخراسان - مجتمعين على أن عقيدةَ السنَّة أربع عشرةَ خصلةً: سبعة متعلقة بالشهادة، وهي مما يُدان بها في الدنيا، وسبعة متعلقة بالغيب، وهي مما يؤمن بها من أحكام الآخرة.


فالَّتي في الدنيا: القول مع الاعتقاد بأن الإيمان قول وعمل ونية، والإيمان بالقدر خيره وشره، وأن القرآن غير مخلوق، وتخيير الأربعة على الترتيب[15]، وإثبات الإمامة، وترك الخروج على أحد منهم، والصلاة على مَن مات من أهل القِبْلة، وترك المراء والجدل.


والمتعلقة بالآخرة: الإيمان بأحكام البرزخ، والآيات التي بين يدي الساعة، والبعث بعد الموت، ورؤية الله -تعالى- والإيمان بالحوض والشفاعة والصراط والميزان، وخلود الدارين[16]، فمَن خالف شيئًا من هذا فقد خالف اعتقادَ السنة والجماعة، وهذا مما لا شبهة فيه بين أصحاب الحديث والفقهاء والعلماء من سائر الأقاليم".


ولا يقصِدُ ابنُ تيمية - يرحمه الله - من عدم إدراك العقل للغيب، أنه لا يدركه مطلقًا في الحياة الدنيا والآخرة، أو في الحياة وما بعد الموت، فالذي لا نحسُّه في الدنيا - والإحساس هو أول طريق الإدراك العقلي كما رأينا آنفًا، وهو غيبٌ بالنسبة لنا - فقد نحسُّه، ومن ثَمَّ نُدرِكه بعد الموت أو في الآخرة، يقول: "فلا ريب أن الأعيان منها ما هو محسوس، ومنها ما ليس بمحسوس، وما أخبرَتْنا به الأنبياء من الغيب ليس محسوسًا لنا، فلا نشهَدُه الآن، بل هو غيبٌ عنا، ولكن ممَّا يمكن إحساسه، ومما يحسه الناس بعد الموت؛ ولهذا كانت عبارةُ الأنبياء - عليهم السلام - تقسيمَ الأمور إلى غيب وشهادة؛ قال - تعالى -: ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾ [البقرة: 3]، وقال: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [الحشر: 22]"[17].


وأهل الإيمان في القديم والحديث يلتقون كلُّهم حول هذا الأمر، محدودية العقل الإنساني، وأن الله وهبَه لمخلوقاتِه النَّاطقة، ليُدرِك حياتَه الواقعية القريبة، لا الغيبَ البعيد عنه، يقول صاحب الظلال: "إن الطاقة الفكرية التي وُهِبها الإنسان، وُهِبها ليقومَ بالخلافة في هذه الأرض، فهي موكلة بهذه الحياة الواقعية القريبة، تنظر فيها، وتتعمَّقها وتتقصَّاها، وتعمل وتنتج، وتنمي هذه الحياة وتجملها، على أن يكون لها سندٌ من تلك الطاقة الروحية التي تتصل مباشرة بالوجود كله وخالق الوجود، وعلى أن تدع للمجهول حصته في الغيب الذي لا تُحِيط به العقول، فأمَّا محاولة إدراك ما وراء الواقع بالعقل المحدود الطاقة بحدود هذه الأرض والحياة عليها، دون سند من الروح الملهم والبصيرة المفتوحة، وترك حصة للغيب لا ترتادها العقول... فأما هذه المحاولة، فهي محاولةٌ فاشلة أولاً، ومحاولةٌ عابثة أخيرًا، فاشلةٌ لأنها تستخدم أداةً لم تخلق لرصد هذا المجال، عابثةٌ لأنها تبدِّد طاقة العقل التي لم تُخلَق لمثل هذا المجال، ومتى سلَّم العقل البشري بالبديهيةِ العقلية الأولى، وهي أن المحدود لا يُدرِك المطلق، لزمه - احترامًا لمنطقِه ذاته - أن يسلِّم بأن إدراكه للمطلق مستحيلٌ، وأن عدمَ إدراكه للمجهول لا ينفي وجودَه في ضمير الغيب المكنون، وأن عليه أن يَكِل الغيب إلى طاقةٍ أخرى غير طاقة العقل، وأن يتلقَّى العلم في شأنِه من العليم الخبير الذي يُحِيط بالظاهر والباطن، والغيب والشهادة، وهذا الاحترام لمنطق العقل في هذا الشأن هو الذي يتحلَّى به المؤمنون، وهو الصفة الأولى من صفات المتقين"[18].



[1] درء تعارض العقل والنقل 8/ 503.

[2] في ظلال القرآن 1/ 39، 40، دار الشروق - القاهرة.

[3] وانظر الأحاديث الأخرى في صحيح البخاري برقم: 981، 4261، 4405، 4477، 4828.

[4] الرد على المنطقيين ص 294 - 295.

[5] تفسير سورة الإخلاص ص 6.

[6] الرد على المنطقيين ص 221.

[7] انظر: الحافظ ابن تيمية للندوي ص 176.

[8] النبوات: 148.

[9] درء تعارض العقل والنقل: 7/ 326.

[10] نقض المنطق ص 163.

[11] مقدمة ابن خلدون ص460، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان (دون تاريخ).

[12] 8/ 503.

[13] لا يوجد له ترجمة في كتب التراجم، وقد ذكر الأستاذ عمر رضا كحالة في كتابه معجم المؤلفين 10/ 272 أبا محمد بن عبده البصري المتوفى سنة 347هـ، فلعله هو.

[14] أي: أهل البحر في الجزر وغيرها.

[15] يُقصَد بالأربعة: الخلفاء الراشدون، أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، على الترتيب.

[16] عدد الخصلات المتعلقة هنا ست وليس سبعًا، ولعل في النسخة نقصًا.

[17] درء تعارض العقل والنقل: 6/ 33.

[18] في ظلال القرآن، 1/ 40.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

مقالات ذات صلة

  • خريطة العقل
  • نعمة العقل ودوره في فهم النقل
  • درء تعارض العقل مع النقل
  • ماهية العقل ( العقل في اللغة وعند الفلاسفة )
  • العقل والقلب عند الإمام ابن تيمية
  • العقل والشرع ( العقل والتأويل )
  • العقل والشرع ( العقل والذكاء )

مختارات من الشبكة

  • العقل والشرع ( فضل العقل، العقل والنقل )(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أثر مخالفة المصطلحات في اللغة والشرع والعقل على الاختلاف العلمي والعملي على الأمة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رأي الشرع في قوة العقل الباطن(استشارة - الاستشارات)
  • العقل في قصائد ديوان (مراكب ذكرياتي) للدكتور عبد الرحمن العشماوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مقتضيات تعظيم الوحي(مادة مرئية - موقع أ.د. عبدالله بن عمر بن سليمان الدميجي)
  • صور من ذكاء وكمال عقل الصحابة رضي الله عنهم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أهمية العقل(مقالة - حضارة الكلمة)
  • العلاقة بين القرآن والعقل(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مفهوم العقل في اللغة والاصطلاح(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ماهية العقل ( تعريف العقل عند العلماء المسلمين )(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ورشة عمل ترفيهية للأطفال استقبالا لرمضان في أونتاريو
  • التحضير لإطعام المئات خلال شهر رمضان بمدينة فيلادلفيا
  • أعداد المسلمين تتجاوز 100 ألف بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • فيلا بارك يستضيف إفطار للصائمين للمرة الأولى
  • مدينة بيفيرتون تحتفل بأول شهر للتراث الإسلامي
  • إفطار جماعي على أرضية ملعب ستامفورد بريدج
  • 3 دورات للغة العربية والتربية الإسلامية بمدينة أليكانتي الإسبانية
  • بنك الطعام الإسلامي يلبي احتياجات الآلاف بمدينة سوري الكندية

  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1444هـ / 2023م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 2/9/1444هـ - الساعة: 6:14
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب