• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | الثقافة الإعلامية   التاريخ والتراجم   فكر   إدارة واقتصاد   طب وعلوم ومعلوماتية   عالم الكتب   ثقافة عامة وأرشيف   تقارير وحوارات   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    شرح التصريف العزي للشريف الجرجاني تحقيق محمد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    نكبات أصابت الأمة الإسلامية وبشائر العودة: عين ...
    علاء الدين صلاح الدين عبدالقادر الديب
  •  
    في ساحة المعركة
    د. محمد منير الجنباز
  •  
    لوط عليه السلام
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    الصحيفة الجامعة فيما وقع من الزلازل (WORD)
    بكر البعداني
  •  
    شرح البيقونية للشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    المؤثرون المسلمون والمنابر الإلكترونية معترك
    عبدالمنعم أديب
  •  
    مناهج التصنيف في علم الدعوة في العصر الحاضر ...
    رانيه محمد علي الكينعي
  •  
    الدكتور محمد عبدالمنعم خفاجي سيوطي العصر
    د. ماجد محمد الوبيران
  •  
    سفرة الزاد لسفرة الجهاد لشهاب الدين الألوسي
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    غزوة بدر
    د. محمد منير الجنباز
  •  
    محيي الدين القضماني المربِّي الصالح، والعابد ...
    أ. أيمن بن أحمد ذو الغنى
  •  
    إبراهيم عليه السلام (5)
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    سفراء النبي صلى الله عليه وسلم لمحمد بن عبد ...
    محمود ثروت أبو الفضل
  •  
    مواقف من إعارة الكتب
    د. سعد الله المحمدي
  •  
    رسالة في المطلق والمقيد للشيخ محمد حسنين مخلوف
    محمود ثروت أبو الفضل
شبكة الألوكة / ثقافة ومعرفة / التاريخ والتراجم / تاريخ
علامة باركود

نوح عليه السلام (4)

نوح عليه السلام (4)
الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/12/2022 ميلادي - 26/5/1444 هجري

الزيارات: 923

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نوح عليه السلام (4)

 

ذكرتُ في ختام المقال السابق أن كون أتباع الأنبياء من الفقراء قد ذكره هرقل عظيم الروم لأبي سفيان رضي الله عنه؛ فقد روى البخاري في صحيحه من حديث عبدالله بن عباس، أنَّ أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في رَكْب من قريش وكانوا تجَّارًا بالشام في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مادَّ فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء، فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بترجمانه فقال: "أيكم أقرب نسبًا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: قلت: أنا أقربهم نسبًا، فقال: أدنوه منِّي وقرِّبوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه: قل لهم: إني سائل هذا عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه، قال: فوالله لولا الحياء من أن يأثروا عليَّ كذبًا لكذبتُ عليه، ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسَب، قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت: لا، قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا، قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم"، وساق الحديث إلى أن قال: "فقال للترجمان: قل له: سألتُك عن نسَبه فذكرتَ أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تُبعث في نسب قومها، وسألتك: هل قال أحد منكم هذا القول؟ فذكرت أن لا، فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت: رجل يتأسَّى بقول قيل قبله، وسألتك: هل كان من آبائه من ملك؟ فذكرتَ أن لا، قلت: فلو كان من آبائه من ملك قلت: رجل يطلب ملك أبيه، وسألتك هل كنتم تتَّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله، وسألتك: أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرتَ أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل..."؛ الحديث، وفيه: "فإن كان ما تقول حقًّا فسيملك موضع قدميَّ هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمتُ لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه، ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بُصرى فدفعه إلى هرقل فقرأه، فإذا فيه: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾، من محمد عبدالله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على مَن اتبع الهدى؛ أما بعد، فإنِّي أدعوك بدعاية الإسلام، أسلِمْ تَسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن تولَّيت فإن عليك إثم الأريسيين، ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 64].

 

هذا، وقد بيَّن اللهُ تبارك وتعالى في آخر سورة (ص) أنَّ المشركين من قريش الذين ماتوا على الكفر يتحزَّنون يومَ القيامة عندما يدخلون جهنم ولا يرون فيها الفقراء من أمثال صهيب وعمَّار وبلال وجعيل بن سراقة وخباب بن الأرت رضي الله عنهم، وفي ذلك يقول الله عز وجل: ﴿ وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ ﴾ [ص: 62، 63]، فقد رفع الله تبارك وتعالى الفقراءَ لَمَّا آمنوا وأدخلهم الجنَّةَ، وأدخل الكبراءَ والرؤساء في النار لما ماتوا على الكفر، ولما قالت قريش: ﴿ لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴾ [الزخرف: 31]، أي: على غنيٍّ من أغنياء مكة أو من أغنياء الطائف، قال تعالى موبخًا ومبينًا فساد رأيهم حيث يقول: ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ * وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 32 - 35]، والفقر أو الغِنى ليس معيارًا لمقادير الرجال ومقاييسهم؛ فالمرء لا يقاس بغناه أو بفقره، وقد يكون الرجل غنيًّا وهو لا يساوي في عين الله شيئًا، ولا عند الناس، وقد يكون فقيرًا وهو عند الله عظيم.

 

وقد مرَّ رجل مِن الأغنياء برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فسألهم عنه فقالوا: حَرِيٌّ به إن خطبَ أن يُنكح، وإن قال أن يُستمع، وإن شفَع أن يُشفَّع، ثم مرَّ به رجل من فقراء المسلمين وهو جعيل بن سراقة، فقال: ((ما تقولون في هذا؟))، قالوا: حَرِيٌّ به إن خطب ألَّا يُنكح، وإن قال ألا يُستمع، وإن شفع ألا يشفَّع، فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الفقير أنه يساوي ملء الأرض من هذا الغني؛ فقد روى البخاري في صحيحه من حديث سهل رضي الله عنه قال: مرَّ رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((ما تقولون في هذا؟))، قالوا: حَرِيٌّ إن خطب أن يُنكح، وإن شفع أن يُشفَّع، وإن قال أن يُستمع، قال: ثم سكت، فمرَّ رجل من فقراء المسلمين فقال: ((ما تقولون في هذا؟))، قالوا: حَرِيٌّ إن خطب ألا ينكح، وإن شفع ألا يشفع، وإن قال ألا يستمع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هذا - يعني الفقير - خير من ملء الأرض مثل هذا - يعني الغني))، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الفقيرَ الصالح خيرًا من ملء الأرض من أغنياء غير صالحين، علمًا أنَّ الغنى الحقيقي ليس عن كثرة العرض وإنما الغنى غنى النفس؛ كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس الغنى عن كثرة العرَض، وإنما الغنى غنى النفس))، على أنَّ الغنى والفقر أعراض تتبدَّل وتتغيَّر؛ فالمال ظِلٌّ زائل وعارية مستردَّة، ولله درُّ الشاعر حيث يقول:

لا تهين الفقير علَّك أن
تركع يومًا والدَّهر قد رفعَه

وقد نبَّه الله تبارك وتعالى إلى سوء فهم مَن يظن أنَّ الغنى يرفع قيمة الرجل في الحقيقة، حيث يقول: ﴿ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [المؤمنون: 55، 56]؛ ولذلك كان الميزان العدل يوم القيامة أن يرفع الصالحين، ولو كانوا في الدنيا فقراء مستضعفين في أعين الناس، وأن يخفض غير الصالحين ولو كانوا كبراء أغنياء، وفي ذلك يقول عز وجل: ﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ﴾ [الواقعة: 1 - 3]، فرُبَّ كاسية في الدنيا عارية عند الله يوم القيامة، ويا رُب عارية في الدنيا كاسية عند الله يوم القيامة.

 

وهذه الشُّبهة التي أثارها المستكبرون من قوم نوح قد أثارها المستكبرون مِن قريش، حتى طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعد الفقراء عن مجلسه ليجيئوا إليه، وأنهم لا يرضون أن يجالسوا هؤلاء الفقراء، فقال الله تعالى لرسوله وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ * وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ﴾ [الأنعام: 52، 53]، فالمرء بأصغريه: قلبه ولسانه، لا يقاس بماله ولا جماله ولا طوله ولا عرضه؛ وبهذا يتَّضح أن الشبهة الثانية التي أثارها قوم نوح هي شبهة داحضة عاطلة باطلة فاسدة كاسدة.

 

أما الشبهة الثالثة من هذه الشبه فهي أن نوحًا والمؤمنين به لا مزية لهم في الخَلْق على غيرهم، وقد حكى الله تبارك وتعالى هذه الشبهة عنهم في قوله: ﴿ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ ﴾ [هود: 27] علمًا بأن قولهم هذا يرد شبهتهم بدعواهم أنهم أَفْهَمُ مِن الفقراء الذين وصفوهم بأنهم أراذل بادي الرأي؛ لأنهم لم يتميزوا في شيء من خلقتهم على الفقراء، فتركيب أجسام الجميع سواء، وهذه الشبهة بعينها أثارها الكفَّار ضد جميع المرسلين، وهي تنبئ عن عقلية فاسِدة ونظرية مادية ملحدة؛ فهم يريدون أن يتحكَّموا في رحمة الله، وأن يحجروا على فضل الله.

 

وقد بدأ نوح عليه السلام في ردِّ هذه الشبهة وصدر بها الأجوبة الشافية الكافية؛ حيث قال لهم فيما حكى الله عز وجل عنه: ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ﴾ [هود: 28]، فهو يجيبهم بأنَّ النبوَّة رحمة من الله، وهدى من فضله، ولا يملك أحدٌ من خلقه التحكم فيها فيمنحها من يشاء ويمنعها عمَّن يشاء، وخزائن رحمة الله بيده هو لا شريك له؛ ولذلك ردَّ الله تبارك وتعالى في سورة الإسراء على مَن أنكر أن يكون الرسول بشرًا بدعوى أنه لا مزية لبشر على بشر فقال: ﴿ قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا ﴾ [الإٍسراء: 100]، وقال تعالى في سورة (ص) مثيرًا لشبهتهم مبطلًا لها حيث يقول: ﴿ أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ ﴾ [ص: 8، 9]، وكأن نوحًا عليه السلام يرد شبهة قومه فيقول لهم: "ماذا أفعل لقلوبكم إذا كانت متحجرة، لا تؤمن بالله ولا تصدق المرسلين، ولا تبحث عن أسباب سعادتها؟ وليست خزائن الله بيدي أتصرف فيها كما أشاء، بل خزائن الله بيده هو جل وعلا، يمنح من يشاء ويمنع من يشاء، فله وحده خزائن السماوات والأرض، كما أنَّ قلوب العباد بيد الله يصرفها كيف يشاء، ولا سلطان لي على قلوبكم ولا سيطرة لي عليها، ثمَّ يبرز نوح عليه السلام حجَّةً قوية في الدلالة على رسالته وصدقه فيما يخبر به فيقول لهم: ﴿ وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ﴾ [هود: 29]؛ أي: أنا لا أسألكم على تبليغ الرسالة أجرًا، مع أنِّي أدعوكم إلى أسباب سعادتكم في الدنيا والآخرة؛ إذ هو يدعوهم لأقوم المناهج وأحسن أساليب الحياة الطيِّبة؛ مما يجلب لهم عزَّ الدنيا ورضوان الله في الآخرة لو ساروا على المنهج الذي جاء به نوح عليه السلام.

 

ولا شك أنَّ مَن ينتصب للدعوة لإقامة هذا المنهج الراشد الذي يحفظ لهم أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وعقولهم دون أن يطلب منهم أجرًا في مقابلة عمله هذا الذي يعود عليهم بكل خير، ويحفظهم من كل شر مع تعرُّضه لتكذيب المكذِّبين، وعناد المعاندين وافتراء المفترين، وأذى السُّفهاء الجاحدين - لا بد من أن يكون صادقًا، ولا شك في أنَّ دعوة جميع الأنبياء والمرسلين تدور في فلك الكليات الخمس، وهي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العرض والنسب، وحفظ العقل، وحفظ المال؛ وهي الأساس المتين للمجتمع المثالي السعيد.

 

وقد دلَّتْ تجاربُ الإنسانية في تاريخها الطويل على أنَّه ما استمسكت أمة بمنهج نبيها إلا عزَّت وسعدت، ولا انحرفت أمَّة عن منهج الأنبياء والمرسلين إلا ذلَّت وهانت، ولو أن جماعة من الجماعات أو أمة من الأمم أرادت أن تضع لنفسها منهجًا يحفظ عليها مصالحها لأنفقت أموالًا جزيلة على (اللجان والهيئات) التي تقوم بوضع المنهج الذي تطلبه والذي قد تقضي في إعداده الأشهر والسنين، ومع ذلك لا بد من أن يكون أبتر قاصرًا، قد يحتاج إلى تعديل وتبديل، وتعديل التعديل، وتبديل التبديل مرات ومرات؛ كما هي الحال في جميع الأنظمة الوضعيَّة التي تتقاصر جملة وتفصيلًا عن منهج الأنبياء والمرسلين؛ لأنَّ المناهج الإلهية يضعها العليمُ الخبير؛ لذلك تتَّسِم بالكَمال والشُّمول لمصالح الدنيا والآخرة والغيب والشهادة ممَّا لا مجال فيه البتة للنَّظريات الوضعية والمناهج الأرضية التي لا بقاء لها ولا شمول.

 

وإلى فصل قادم إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات

مقالات ذات صلة

  • نوح عليه السلام (1)
  • نوح عليه السلام (2)
  • نوح عليه السلام (3)
  • نوح عليه السلام (5)
  • نوح عليه السلام (6)
  • نوح عليه السلام (7)

مختارات من الشبكة

  • حوار مع الأستاذ عبادة السيد نوح عن والده الشيخ السيد نوح - رحمه الله -(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • قصة نوح عليه السلام(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • إضاءات دعوية من سورة نوح عليه السلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نفحات قرآنية في سورتي نوح والجن(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • لماذا نصح نوح عليه السلام قومه بالاستغفار؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفوائد المهمات إلى جميع الدعاة من قصة نوح عليه السلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إضاءات دعوية من قصص نوح عليه السلام في القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • آيات عن نوح عليه السلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصة نوح عليه السلام (2)(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • يقين وثقة نوح عليه السلام بربه (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ورشة عمل ترفيهية للأطفال استقبالا لرمضان في أونتاريو
  • التحضير لإطعام المئات خلال شهر رمضان بمدينة فيلادلفيا
  • أعداد المسلمين تتجاوز 100 ألف بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • فيلا بارك يستضيف إفطار للصائمين للمرة الأولى
  • مدينة بيفيرتون تحتفل بأول شهر للتراث الإسلامي
  • إفطار جماعي على أرضية ملعب ستامفورد بريدج
  • 3 دورات للغة العربية والتربية الإسلامية بمدينة أليكانتي الإسبانية
  • بنك الطعام الإسلامي يلبي احتياجات الآلاف بمدينة سوري الكندية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1444هـ / 2023م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 1/9/1444هـ - الساعة: 15:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب