• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   كتب   صوتيات   أخبار   نور البيان   سلسلة الفتح الرباني   سلسلة علم بالقلم   وسائل تعليمية   الأنشطة التعليمية  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تدريب على التشديد بالكسر مع المد بالياء
    عرب القرآن
  •  
    التشديد بالكسر مع المد بالياء
    عرب القرآن
  •  
    تدريبات على الشدة مع التنوين بالفتح
    عرب القرآن
  •  
    التشديد مع التنوين بالفتح
    عرب القرآن
  •  
    تعليم المد اللازم للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    تدريبات على التشديد بالضم مع المد بالواو
    عرب القرآن
  •  
    التشديد بالضم مع المد بالواو
    عرب القرآن
  •  
    تعليم الحرف المشدد مع الفتحة للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    الضمة والشدة
    عرب القرآن
  •  
    التشديد مع الكسر
    عرب القرآن
  •  
    تعليم التشديد مع الفتح
    عرب القرآن
  •  
    تعليم السكون للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    تعليم التنوين بالضم للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    شرح التنوين بالكسر
    عرب القرآن
  •  
    تعليم التنوين للأطفال
    عرب القرآن
  •  
    تعليم المد المتصل للأطفال
    عرب القرآن
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / خطب المناسبات
علامة باركود

إشارات في نهاية عام فات (خطبة)

إشارات في نهاية عام فات (خطبة)
وضاح سيف الجبزي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/7/2025 ميلادي - 27/1/1447 هجري

الزيارات: 425

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إشارات في نهاية عامٍ فات

 

الحمد لله الذي كان بعباده خبيرًا بصيرًا، و﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان: 1، 2]، و﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 61، 62].

 

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا ﴾ [الفرقان: 3].


ونشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق، ﴿ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45، 46]، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

يتباهى بمدح أحمدَ شعري
كتباهي الوجود بالإشراقِ
كل حرف أصوغه فيك شوقًا
لك يجري إليك جري السواقي
كيف لا سيدي وأنت كمال
للسَّنا للجمال للأخلاقِ
في فمي ذكرك السني كعطر
وصلاتي للقلب كالترياقِ
ألف صلى الإله بل ألف ألف
تتوالى إلى معاد التلاقي

 

فاللهم أرضِه صلاةً وتسليمًا، وأوله تشريفًا وتكريمًا، وزِدْهُ محبةً وتعظيمًا؛ أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأوثق العُرى كلمة التقوى، وخير الملل ملة إبراهيم عليه السلام، وأحسن السنن سنة محمد صلى الله عليه وسلم، وخير الأمور أوساطها، وشر الأمور محدثاتها، وما قلَّ وكفى، خير مما كثر وألهى، و﴿ إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾ [الأنعام: 134].

 

واعلموا - رحمكم الله - أن خير العلم ما نفع، وخير الهديِ ما اتبع، وخير ما أُلقي في القلب اليقين، ﴿ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [آل عمران: 101].

 

ألَا وإن الكرامة كرامةُ التقوى، والعزَّ عز الإيمان، ورأس الحكمة مخافة الله، وأفضل الغِنى غِنى النفس، ﴿ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الشورى: 36].

 

واعلموا - وفَّقني الله وإياكم لمرضاته - أن أقصر الطرق إلى الجنة: سلامة القلب، ولا تتم سلامة القلب إلا إذا سلِم من شركٍ يناقض التوحيد، وبدعة تخالف السُّنة، وشهوةٍ تخالف الأمر، وغفلةٍ تصد عن الذِّكر، وهوًى يصرف عن الإخلاص والتجرد[1]، ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 23].

 

أيها الناس، إن العبد لا يُكتب في المسلمين حتى يسلم الناسُ من يده ولسانه[2]، ولا ينال درجة المؤمنين حتى يأمن جاره بوائقه[3]، و((لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدَع ما لا بأسَ به؛ حذرًا مما به بأس))[4].

 

ولا يكمل إيمان العبد بالله، حتى يكون فيه خمس خِصال: التوكل على الله، والتفويض إلى الله، والتسليم لأمر الله، والرضا بقضاء الله، والصبر على بلاء الله[5]، وأنه ((من أحبَّ لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان))[6].

 

عباد الله:

إن لله عبادًا فُطنا
طلَّقوا الدنيا وخافوا الفِتنا
نظروا فيها فلما علموا
أنها ليست لحيٍّ وطنا
جعلوها لُجَّةً واتخذوا
صالحَ الأعمال فيها سفنا

 

أيها الناس، إن لكم معالمَ فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهايةً فانتهوا إلى نهايتكم، وإن المؤمن بين مخافتين: بين أجَل قد مضى، لا يدري ما الله صانع فيه، وبين أجلٍ قد بقيَ، لا يدري ما الله تعالى قاضٍ عليه فيه، فليأخذ العبد لنفسه من نفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الكِبر، ومن الحياة قبل الموت، فما بعد الموت من مستعتب، ولا بعد الدنيا من دارٍ، إلا الجنة أو النار[7]، ﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185].

أبني أبينا نحن أهلُ منازل
أبدًا غراب البين فينا ينعِقُ
نبكي على الدنيا وما من معشر
جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا
أين الأكاسرة الجبابرة الأُلى
كنزوا الكنوز فما بقِينَ ولا بقوا
مِن كل مَن ضاق الفضاء بجيشه
حتى ثوى فحَواه لحدٌ ضيقُ
خُرس إذا نُودوا كأن لم يعلموا
أن الكلام لهم حلال مطلقُ
فالموت آتٍ والنفوس نفائس
والمستغرُّ بما لديه الأحمقُ

 

يعضك - يا بن آدم - الدهر بِلِهْزِمَتَيهِ عضًّا، وتقرض عمرك الأيام قرضًا، وأملك يمتد طولًا وأجلك يأتيك عرضًا، وأنت تركض في الدنيا ركضًا، فلا بقليل تقنع ولا بكثير ترضى، وإن فاتك الشيء سخطت القضاء، وأسأت فعلًا ولفظًا، وإن نِلت ما ترجو ظننت أنك أرجح الناس عقلًا، وأسعدهم حظًّا، وأسدَّهم رأيًا، وأثبتهم عزيمةً وأمضى، لا شك أن كثيرًا من العقول لَمرضى، لا تسمع وعظًا، ولا بقبول نصح تحظى، ﴿ قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ * إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ * وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 137 - 139].

يجد بنا صرفُ الزمان ونهزل
ونُوقَظ بالأحداث فيه ونغفُلُ
وما الناس إلا ظاعن أو مودع
ومستلبٌ مستعجل أو مؤجلُ
وما هذه الأيام إلا منازل
إذا ما قطعنا منزلًا بان منزلُ
فناءٌ ملح ما يغب جميعنا
إذا عاش منا آخر مات أولُ
وكم صاحب لي كنت أكره فقده
تسلَّمه مني الفناء المعجلُ

 

أيها الناس، إنكم تغدون وتروحون إلى أجَل قد غُيِّب عنكم علمه، فإن استطعتم ألَّا يمضي هذا الأجل إلا وأنتم في عمل صالح فافعلوا،ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله، فسابقوا في مَهَلٍ آجالَكم من قبل أن تسلمكم آجالكم إلى انقطاع الأعمال، فإن قومًا نسوا آجالهم وجعلوا أعمالهم لغيرهم، فإياكم أن تكونوا أمثالهم[8].

 

﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الحشر: 19].

فيا لَلمنايا ما لها من إقالة
إذا بلغت من مدة الحي حدَّها
ستسلمك الساعات في بعض أمرها
إلى ساعة لا ساعة لك بعدَها

 

أيها الناس، إن مع الحياة موتًا، وإن مع الدنيا آخرة، وإن لكل شيء حسيبًا، وعلى كل شيء رقيبًا، وإن لكل حسنة ثوابًا، ولكل سيئة عقابًا، ولكل أجل كتابًا، وإنما تعرفون عواقب أعمالكم، إذا طًويت صحائف آجالكم[9].

وما المرء إلا راكبٌ ظهرَ عمره
على سفر يطويه باليوم والشهرِ
يبيت ويُضحي كل يوم وليلة
بعيدًا عن الدنيا قريبًا من القبرِ

 

عباد الله، الدنيا نِعم، في طيِّها نِقم، شباب يعقبه هَرَم، وصحة يتبعها سقم، ولذة آخرها ندم، وحياة نهايتها عدم، حتف موصوب، ومورد مكتوب.

ألا يا موت لم أرَ منك بدًّا
أتيت وما تحيف وما تحابي
كأنك قد هجمت على مشيبي
كما هجم المشيب على شبابي

 

ألَا وإن أفضل الناس عبدٌ أخذ من الدنيا الكفاف، وصاحب فيها العفاف، وتزوَّد للرحيل، وتأهَّب للمسير.

 

وإن أعقل الناس عبدٌ عرف ربه فأطاعه، وعرف عدوه فعصاه، وعرف دار إقامته فأصلحها، وعلِم سرعة رحلته فتزود لها.

شمِّر عسى أن ينفع التشمير
وانظر بفكرك ما إليه تصيرُ

 

يا غافلُ يا ذاهل، أمَا رأيت من العِبرة ما يشفي؟! أمَا سمعت من العظة ما يكفي؟!

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [فاطر: 5]، ﴿ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ﴾ [غافر: 39].

 

يقول صلى الله عليه وسلم: ((والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه في اليم، فلينظر بم ترجع؟))[10].

 

فيا عباد الله، يا أيها المسلمون، يا أيها المنيبون، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الحج: 77]، ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 21].

تخيَّر قرينًا من فعالك إنما
قرين الفتى في القبر ما كان يفعلُ
وإن كنت مشغولًا بشيء فلا تكن
بغير الذي يرضى به الله تشغلُ
فلن يصحب الإنسان من بعد موته
إلى قبره إلا الذي كان يعملُ
ألا إنما الإنسان ضيفٌ لأهله
يقيم قليلًا بينهم ثم يرحلُ

 

روى ابن أبي الدنيا، أنه قيل لنوح عليه السلام: يا أطول النبيين عمرًا، كيف وجدت الدنيا ولذتها؟ قال: كرجل دخل بيتًا، له بابان، فقام في وسط البيت هنية، ثم خرج من الباب الآخر[11].

 

وقال الإمام أحمد رحمه الله: ما شبهتُ الشباب إلا بشيء كان في كمِّي فسقط[12].

بكيت على الشباب بدمع عيني
فلم يغنِ البكاء ولا النحيبُ
عريت من الشباب وكان غضًّا
كما يعرى من الورق القضيبُ
فيا ليت الشباب يعود يومًا
فأخبره بما صنع المشيبُ

 

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾ [الروم: 54]، ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾ [فاطر: 37].

بكيت فما تبكي شباب صباكا
كفاك نذير الشيب فيك كفاكا
ألم ترَ أن الشيب قد قام ناعيًا
مكان الشباب الغض ثم نعاكا

 

فيا أيها الناس، توبوا قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تُشغلوا، وصِلوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذِكركم إياه تسعدوا، وأكثروا من الصدقة تُرزقوا، وأمروا بالمعروف تُحصنوا، وانهوا عن المنكر تُنصروا، واعلموا أن أكيسكم أكثركم للموت ذكرًا، وأحزمكم أحسنكم له استعدادًا، ألَا وإن من علامات العقل: التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والتزود لسُكنى القبور، والتأهب ليوم النشور[13].

انظر لنفسك يا أخي
حتى متى لا تتقي
والموت غاية من مضى
منا وموعد من بقي

 

يقول صلى الله عليه وسلم: ((أكثروا ذكر هاذم اللذات))؛ الموت[14].


وهذا كلام مختصر وجيز، قد جمع التذكرة، وأبلغ في الموعظة؛ فإن من ذكر الموت حقيقة ذكره؛ نغَّص عليه لذته الحاضرة، ومنعه من تمنيها في المستقبل، وزهَّده فيما كان منها يؤمل، ولكن النفوس الراكدة، والقلوب الغافلة تحتاج إلى تطويل الوعَّاظ، وتزويق الألفاظ، وإلا ففي قوله صلى الله عليه وسلم: ((أكثروا ذكر هاذم اللذات))، مع قوله تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ [آل عمران: 185]، ما يكفي السامع، ويشغل الناظر[15].


عباد الله:

إلى كم ذا التراخي والتمادي
وحادي الموت بالأرواح حادي؟!
فلو كنا جمادًا لاتَّعظنا
فهل صِرنا أشدَّ من الجمادِ؟!
تُنادينا المنية كل وقت
وما نصغي إلى قول المنادي
وأنفاس النفوس إلى انتقاص
ولكن الذنوب إلى ازديادِ
إذا ما الزرع قارنه اصفرار
فليس دواؤه غير الحصادِ

 

معاشر الأحبة، ألَا وإن أحسن ما نظم ونثر، وأتقن ما وُعظ به وزجر، كلام من توجَل القلوب لذكره إذا ذُكر؛ أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ [التكاثر: 1 - 8].


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما جاء فيه من الآيات والذكر الحكيم، وهداني وإياكم صراطه المستقيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل، لي ولكم، ولسائر المسلمين، من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه كان غفارًا.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله المنفرد بالدوام، الباقي بعد فناء الأيام، الموجِد للخلق بعد العدم، المُفني لهم بعد أن ثبتت أعمالهم في الصحف كما جرى بها القلم، العالِم بما انطوت عليه أسرارهم في الحال وفي القدم.


وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، شهادة عبدٍ مضطرٍّ إليها عند زلَّة القدم.


وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله إلى أكرم الأمم، صلِّ اللهم عليه، وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه، واقتفى أثره، يا ذا الجود والكرم؛ أما بعد:

فاتقوا الله رعاكم الله، واعلموا أن الهوى خدعة الألباب، ومضلَّة الصواب، والعداوة تصد عن النصح والإنصاف، وتُوقع في المين والإجحاف، والزلة غُلٌّ، والخطيئة ذلٌّ، ورُبَّ عظمٍ هِيضَ فلم ينجبر، فإن جُبر فعلى وِهاء، فتيقظوا وتنبَّهوا، واجعلوا التقوى عدةً لكم عند كل مشتهى، واستوثقوا من لَجم النفس الجموح، وامحوا العثرة بالعِبرة، والهفوة بالصحوة، والإساءة بالإحسان، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201].

 

فاتقوا الله عباد الله، فما خُلق امرؤ عبثًا فيلهو، ولا أُهمل سدًى فيلغو، وما دنياه التي تحسنت إليه بخلف من الآخرة التي قبحها سوء النظر عليه، وما الخسيس الذي ظفِر به من الدنيا بأعلى همته، كالآخر الذي ذهب من الآخرة من سهمته.

تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها
من الحرام ويبقى الإثم والعارُ
تبقى عواقبُ سوء من مغبَّتها
لا خيرَ في لذة من بعدها النارُ

 

وقف قوم على عالِم فقالوا: إنا سائلوك، أفمجيبنا أنت؟! قال: سَلُوا ولا تُكثروا؛ فإن النهار لن يرجع، والعمر لن يعود، والطالب حثيث في طلبه، قالوا: فأوصِنا، قال: تزودوا على قدر سفركم؛ فإن خير الزاد ما أبلغ البُغية، ثم قال: الأيام صحائف الأعمار، فخلِّدوها أحسنَ الأعمال، فإن الفرص تمر مَرَّ السحاب، والتواني من أخلاق الكسالى والخوالف، ومن استوطن مركب العجز عثر به، وتزوج التواني بالكسل فولد بينهما الخسران[16].

تزوجت البطالة بالتواني
فأولدها غلامًا مع غلامه
فأما الابن سموه بفقر
وأما البنت سموها ندامه

 

ألَا فاتقوا الله عباد الله، ولا تكونوا كأصحاب نفوسٍ قست قلوبها، وغلظت أكبادها، وعظُم عن آيات الله حجابها، فلا تعتبر ولا تدكر؛ فإن أقوامًا جاءتهم آيات ربهم فكانوا منها يضحكون، وأراهم ربهم آياتٍ كل آية أكبر من أختها فكانوا عنها معرضين، ﴿ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [يونس: 101]، ﴿ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ﴾ [محمد: 18]، ﴿ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 11].

الأمر جد وهو غير مزاح
فاعمل لنفسك صالحًا يا صاحِ
كيف البقاء مع اختلاف طبائع
وكرور ليلٍ دائم وصباحِ؟!
تجري بنا الدنيا على خطر كما
تجري عليه سفينة الملاحِ
تجري بنا في لُجِّ بحر ما له
من ساحل أبدًا ولا ضحضاحِ

 

فطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، طوبى لمن أنفق مالًا اكتسبه من غير معصية، وجالسَ أهل الفقه والحكمة، وخالط أهل الذل والمسكنة، طوبى لمن زكت نفسه، وحسُنت خليقته، وطابت سريرته، وعزل عن الناس شره، طوبى لمن أنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله، ووسِعته السُّنة، ولم تستهوِه البدعة.

فطوبى له والشوق يبعث همه
وزند الأسى يهتاج في القلب مشعلا

ألَا فاتقوا الله عباد الله، فما أسعد من جعل التقوى رأس ماله! وما أرشد من راقب الله في جميع أحواله! ﴿ ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5].

فاقضوا مآربكم عجالًا إنما
أعماركم سفر من الأسفار
وتراكضوا خيل الشباب وبادروا
أن تسترد فإنهن عوار

 

﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ﴾ [الانشقاق: 6 - 9].


هذا، وصلوا وسلِّموا على الرحمة المهداة، والنعمة المُسداة، نبيكم محمد رسول الله، فقد أمركم بذلك ربكم؛ فقال في محكم تنزيله، وهو الصادق في قيله، قال قولًا كريمًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].


اللهم إنا نحمدك على حسن البلاء، ونشكر لك على ما أوليت من النعماء، ونرجو منك توفيقًا يُقربنا من مراضيك، وتسديدًا يقف بنا على حدود أوامرك ونواهيك، ونسألك العصمة من الأهواء المُردية، والغِبطة بالآراء المنجية، وأن تمُدَّنا من فضلك العميم، وبرِّك الجسيم، وأن تجعل ما وقفتنا عليه من الأخبار، وأريتنا من الآيات ممن تقدمنا والآثار، عِبرةً ننتفع بنظرنا فيها، وموعظة تزجرنا عن مُوبق الأعمال ومُرديها.


اللهم وصلِّ على نبيك المختار، وعلى آله وأصحابه الأبرار، صلاةً ترفع بها مقامه، وتُعلي بها مكانه، وعمَّنا بشفاعته، واحشرنا تحت لوائه بطاعته، إنك جواد مجيد، فعَّال لما تشاء وتريد.

نسألك اللهم توفيقًا إلى
سُنة من بعثته إلى الملا
محمد شفيعنا في الحشرِ
صلى عليه الله طول الدهرِ

[1] ينظر: تاريخ بغداد للخطيب (11/ 106).
[2] رواه البخاري (6484)، بلفظ: ((المسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه))، ومسلم (64)، بلفظ: ((أي المسلمين خير؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده)).
[3] ينظر: مسند أحمد (3672)، الجامع لمعمر بن راشد (19747)، الزهد لابن المبارك (702)، مسند البزار (9362)، شعب الإيمان للبيهقي (5136)، صحيح الترغيب والترهيب للألباني (819).
[4] أخرجه الترمذي (2451)، وقال: حسن غريب، وابن ماجه (4215)، والطبراني في الكبير (446)، والحاكم في المستدرك (7899)، بلفظ: ((إن الرجل لا يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به؛ حذرًا لما به بأس))، وقال: صحيح، ووافقه الذهبي.
[5] ينظر: الأربعون الودعانية لابن ودعان (10)، تاريخ بغداد للخطيب (11/ 106).
[6] رواه أبو داود (4681)، وأحمد (15638)، وابن أبي شيبة (34730)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5965).
[7] الأربعون الودعانية (10)، شعب الإيمان للبيهقي (10581)، وينظر: البيان والتبيين للجاحظ (1/ 249).
[8] تاريخ الطبري (3/ 224).
[9] ينظر: الأربعون البلدانية لمسافر حاجي (1/ 53).
[10] رواه مسلم (2858)، وأحمد (18009)، والترمذي (2323)، والنسائي في الكبرى (11797).
[11] الزهد لابن أبي الدنيا (1/ 165).
[12] البصائر والذخائر للتوحيدي (9/ 189).
[13] المنازل والديار، أسامة بن منقذ (1/ 63).
[14] أخرجه أحمد (7925)، والترمذي (2307)، والنسائي (1824)، وابن حبان (2992)، والحاكم (7909)، وقال: على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1210).
[15] ينظر: العاقبة في ذكر الموت، عبدالحق الإشبيلي (1/ 38)، التذكرة للقرطبي (1/ 122).
[16] ينظر: عيون الأخبار لابن قتيبة (2/ 397)، المدهش لابن الجوزي (1/ 369).




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • السلوك الأهوج (خطبة)
  • من نماذج سورة البقرة
  • الحلم زينة الأخلاق وعقد مفاخرها
  • عرفات.. سحائب عطايا مرسلات (خطبة)
  • السحاب الهتان في فضائل شهر شعبان (خطبة)
  • على ضفاف عاشوراء {ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه} (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • في نهاية عامكم حاسبوا أنفسكم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: تجديد الحياة مع تجدد الأعوام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • {كل يوم هو في شأن}(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة نهايه الرتبة في طلب الحسبة(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • إشارات في أحكام الكفارات (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • إشارات في تربية البنين والبنات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إشارات إيجابية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • إشارات للطالب والأستاذ(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • قطعة اللباب في بيان إشارات الكون إلى إصلاح السلوك والآداب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إشارات حول كتب الأربعينات الحديثية(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • دورات إسلامية وصحية متكاملة للأطفال بمدينة دروججانوفسكي
  • برينجافور تحتفل بالذكرى الـ 19 لافتتاح مسجدها التاريخي
  • أكثر من 70 متسابقا يشاركون في المسابقة القرآنية الثامنة في أزناكاييفو
  • إعادة افتتاح مسجد تاريخي في أغدام بأذربيجان
  • ستولاك تستعد لانطلاق النسخة الثالثة والعشرين من فعاليات أيام المساجد
  • موافقة رسمية على مشروع تطويري لمسجد بمدينة سلاو يخدم التعليم والمجتمع
  • بعد انتظار طويل.. وضع حجر الأساس لأول مسجد في قرية لوغ
  • فعاليات متنوعة بولاية ويسكونسن ضمن شهر التراث الإسلامي

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 28/1/1447هـ - الساعة: 3:9
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب