• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم   الدر الثمين   سلسلة 10 أحكام مختصرة   فوائد شرح الأربعين   كتب   صوتيات   مواد مترجمة  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    شرح (صفوة أصول الفقه) لابن سعدي - رحمه الله - ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعليق على رسالة (ذم قسوة القلب) لابن رجب (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في: شهر الله المحرم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في الأضحية (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في 10 ذي الحجة (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    الدعاء لمن أتى بصدقة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: صدقة لم يأكل منها
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: هو لها صدقة، ولنا هدية
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (ترك استعمال آل النبي على الصدقة)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    شرح حديث: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعريف بالخوارج وصفاتهم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ
علامة باركود

مرضعاته - صلى الله عليه وسلم - وحواضنه (خطبة)

مرضعاته - صلى الله عليه وسلم - وحواضنه (خطبة)
أبو عبدالله فيصل بن عبده قائد الحاشدي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/12/2023 ميلادي - 9/6/1445 هجري

الزيارات: 3436

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مُرْضِعَاتُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَوَاضِنُهُ


الخُطْبَةُ الأُوْلَى

إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمِدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70، 71].

 

أَمَّا بُعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ:

فَمَا زَالَ الحَدِيْثُ مَعَكُمْ - أَيُّهَا النَّاسُ - عَنِ السِّيْرَةِ النَّبَوِيَّةِ عَلَى صَاحِبِهَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَحَدِيْثِي مَعَكُمْ اليَوْمَ عَنْ « مُرْضِعَاتِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَوَاضِنُهُ». وَمِمَّنْ أَرْضَعَتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيُّهَا النَّاسُ- ثُوِيْبَةُ مَوْلَاةُ أَبِي لَهَبٍ.

 

فَفِي «الصَّحِيْحَيْنِ»[1]، مِنْ حَدِيْثِ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنْكِحْ أُخْتِي ابْنَةَ أَبِي سُفْيَانَ. قَالَتْ: فَقَالَ: «أَوَتُحِبِّينَ ذَلِكَ؟»، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَعَمْ وَلَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ يُشْرِكُنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي.

قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ ذَلِكَ لا يَحِلُّ لِي».

 

قَالَتْ: فَإِنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ. فَقَالَ: «ابْنَةُ أُمِّ سَلَمَةَ». قَالَتْ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: «وَاللهِ لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي مَا حَلَّتْ لِي، إِنَّهَا لابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ، فَلا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلا أَخَوَاتِكُنَّ».

 

زَادَ البُخَارِيُّ: «قَالَ عُرْوَةُ: وَثُوَيْبَةُ مَوْلاةُ أَبِي لَهَبٍ، كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا فَأَرْضَعَتْ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».

 

وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ بِسَنَدٍ قَالَ عَنْهُ الأَلْبَانِيُّ فِي «صَحِيْحِ السِّيْرَةِ»، إِسْنَادَهُ قَوِيٌّ[2]، أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسِكَ؟ قَالَ: « نَعَمْ، أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ بِي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهَا قُصُورَ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، وَاسْتُرْضِعْتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَبَيْنَا أَنَا مَعَ أَخٍ لِي خَلْفَ بُيُوتِنَا نَرْعَى بَهْمًا لَنَا، أَتَانِي رَجُلانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ ثَلْجًا، فَأَخَذَانِي، فَشَقَّا بَطْنِي، ثُمَّ اسْتَخْرَجَا مِنْهُ قَلْبِي، فَشَقَّاهُ فَاسْتَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَةً سَوْدَاءَ فَطَرَحَاهَا، ثُمَّ غَسَلا بَطْنِي وَقَلْبِي بِذَلِكَ الثَّلْجِ حَتَّى أَنْقَيَاهُ، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: زِنْهُ بِعَشَرَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَوَزَنْتُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: زِنْهُ بِمِائَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَوَزَنْتُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: زِنْهُ بِأَلْفٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَوَزَنْتُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: دَعْهُ عَنْكَ، فَلَوْ وَزَنْتَهُ بِأُمَّتِهِ لَوَزَنَهَا».

 

وَفِي «مُسْنَدِ» أَحْمَدَ بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ فِي «الصَّحِيْحَةِ»[3]، مِنْ حَدِيْثِ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ كَانَ أَوَّلُ شَأْنِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟

 

قَالَ: «كَانَتْ حَاضِنَتِي مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَابْنٌ لَهَا فِي بَهْمٍ لَنَا وَلَمْ نَأْخُذْ مَعَنَا زَادًا فَقُلْتُ: يَا أَخِي اذْهَبْ فَأْتِنَا بِزَادٍ مِنْ عِنْدِ أُمِّنَا فَانْطَلَقَ أَخِي وَمَكَثْتُ عِنْدَ الْبَهْمِ، فَأَقْبَلَ طَائِرَانِ أَبْيَضَانِ كَأَنَّهُمَا نَسْرَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَهُوَ هُوَ قَالَ: الْآخَرُ نَعَمْ، فَأَقْبَلَا يَبْتَدِرَانِي فَأَخَذَانِي فَبَطَحَانِي لِلْقَفَا فَشَقَّا بَطْنِي ثُمَّ اسْتَخْرَجَا قَلْبِي فَشَقَّاهُ، فَأَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَتَيْنِ سَوْدَاوَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: ائْتِنِي بِمَاءِ ثَلْجٍ فَغَسَلَ بِهِ جَوْفِي، ثُمَّ قَالَ: ائْتِنِي بِمَاءِ بَرَدٍ فَغَسَلَ بِهِ قَلْبِي ثُمَّ قَالَ: ائْتِنِي بِالسَّكِينَةِ فَذَرَّهُ فِي قَلْبِي، ثُمَّ قَالَ: أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ حُصْهُ فَحَاصَهُ وَخَتَمَ عَلَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اجْعَلْهُ فِي كِفَّةٍ، وَاجْعَلْ أَلْفًا مِنْ أُمَّتِهِ فِي كِفَّةٍ.

 

قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا أَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْأَلْفِ فَوْقِي أُشْفِقُ أَنْ يَخِرَّ عَلَيَّ بَعْضُهُمْ (أَيْ: يَسْقُطُ)، فَقَالَ: لَوْ أَنَّ أُمَّتَهُ وُزِنَتْ بِهِ لَمَالَ بِهِمْ ثُمَّ انْطَلَقَا وَتَرَكَانِي.

 

قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَفَرِقْتُ فَرَقًا شَدِيدًا؛ (أَيْ: خِفْتُ)، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى أُمِّي فَأَخْبَرْتُهَا بِالَّذِي لَقِيتُ، فَأَشْفَقَتْ أَنْ يَكُونَ قَدْ الْتَبَسَ بِي؛ (أَيْ: مَسَّنِي شَيْءٌ مِنَ الشَّيْطَانِ)، فَقَالَتْ: أُعِيذُكَ بِاللهِ فَرَحَلَتْ بَعِيرًا لَهَا فَجَعَلَتْنِي عَلَى الرَّحْلِ وَرَكِبَتْ خَلْفِي حَتَّى بُلْغَتِنَا إِلَى أُمِّي فَقَالَتْ: أَدَّيْتُ أَمَانَتِي وَذِمَّتِي وَحَدَّثَتْهَا بِالَّذِي لَقِيتُ فَلَمْ يَرُعْهَا ذَلِكَ، وَقَالَتْ: إِنِّي رَأَيْتُ حِينَ خَرَجَ مِنِّي يَعْنِي نُورًا أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ».


وَفِي «صَحِيْحِ مُسْلِمٍ» [4]، عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَتَاهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ، فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالُ: هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ - أَيْ: جَمَعَهُ وَضَممَّ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ - ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ - يَعْنِي ظِئْرَهُ - فَقَالُوا: إِنْ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقَعُ اللَّوْنِ »،

 

قَالَ أَنَسٌ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: « فَكُنْتُ أَرَى أَثَرَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ».

وَلَاَ شَكَّ - أَيُّهَا النَّاسُ - أَنَّ التَّطْهِيْرَ مِنْ حَظِّ الشَّيْطَانِ هُوَ إِرْهَاصٌ مُبَكِّرٌ لِلنُّبُوَّةِ وَإِعْدَادٌ لِلعِصْمَةِ مِنَ الشَّرِّ وَعِبَادَةِ غَيْرِ اللهِ، فَلاَ يَحِلُّ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ إِلَّا التَّوْحِيْدُ.

 

وَكَانَتْ إِقَامَتُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَنِي سَعْدٍ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِ سِنِيْنَ أَرْضَعَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي سَعْدٍ[5]، وَشُقَّ عَنْ فُؤَادِهِ هُنَاكَ، فَرَدَدْتُهْ إِلَى أُمِّهِ؛ لِأَنَّهَا خَافَتْ عَلَيْهِ، وَرَغَبَتْ فِي إِنْهَاءِ مَسْئولِيَّتِهَا عَنْهُ رَغْمَ حُبِّهَا لَهُ، وَتَعَلُّقِهَا بِهِ فَمَكَثَ مَعَ أُمِّهِ إِلَى أَنْ بَلَغَ سِتِّ سِنِيْنَ [6]، فَخَرَجَتْ بِهِ أُمُّهُ إِلَى المَدِيْنَةِ تَزُورُ أَخْوَالِهِ بِالمَدِيْنَةِ، مِنْ بَنِي عَدِي بْن النَّجَّارِ.

 

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنَّ أُمَّ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آمِنَةُ تُوُفِّيَتْ وَرَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنُ سِتِّ سِنِينَ بِالْأَبْوَاءِ، بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، كَانَتْ قَدْ قَدِمَتْ بِهِ عَلَى أَخْوَالِهِ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، تُزِيرُهُ إيَّاهُمْ، فَمَاتَتْ وَهِيَ رَاجِعَةٌ بِهِ إلَى مَكَّةَ.

 

وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدَ بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ فِي «صَحِيْحِ السِّيْرَةِ»[7]، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: انْتَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى رَسْمِ قَبْرٍ فَجَلَسَ وَجَلَسَ النَّاسُ حَوْلَهُ كَثِيرٌ، فَجَعَلَ يُحَرِّكُ رَأْسَهُ كَالْمُخَاطِبِ ثُمَّ بَكَى، فَاسْتَقْبَلَهُ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «هَذَا قَبْرُ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ، اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي الِاسْتِغْفَارِ لَهَا فَأَبَى عَلَيَّ، وَأَدْرَكَتْنِي رِقَّتُهَا فَبَكَيْتُ»، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ سَاعَةً أَكْثَرَ بَاكِيًا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ.

 

وَفِي «صَحِيْحِ مُسْلِمٍ » [8]، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهَ، فَقَالَ: «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ ».

 

فَلَمَّا مَاتَتْ أُمُّهُ - أَيُّهَا النَّاسُ - حَضَنَتْهُ أُمُّ أَيْمَنْ [9]، وَهِيَ مَوْلَاتُهُ، وَرِثَهَا مِنْ أَبِيْهِ [10]، وَاسْمُهَا بَرَكَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَهَ بْنِ حِصْنٍ، وَكَانَتْ حَاضِنَةَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا تَزَوَّجَ خَدِيْجَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - أَعْتَقَهَا، وَزَوَّجَهَا زَيْدُ بْنَ حَارِثَةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ أُسَامَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-.

 

وَكَفَلَهُ جُدُّهُ عَبْدُ المُطَّلِبِ، فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ العُمُرِ ثَمَانِيَ سِنِيْنَ، تُوُفِّيَ جَدُّهُ، وَأَوْصَى بِهِ إِلَى عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ شَقِيْقَ عَبْدِ اللهِ فَكَفَلَهُ، وَأَحَاطَهُ أَتَمَّ حِيَاطَةٍ، وَنَصَرَهُ حِيْنَ بَعَثَهُ اللهُ أَعَزَّ نَصْرٍ، مَعَ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَمِرًّا عَلَى شِرْكِهِ إِلَى أَنْ مَاتَ! فَخَفَّفَ اللهُ بِذَلِكَ مِنْ عَذَابِهِ؛ كَمَا جَاءَ فِي «الصَّحِيْحَيْنِ»[11] مِنْ حَدِيْثِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ، قَالَ: « نَعَمْ هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ ».

وَأَسْتَغْفِرُ اللهُ.

 

سَفَرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلِى الشَّامِ

صُحْبَةُ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ وَقِصَّةُ بُحَيْرَا الرَّاهِبِ

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ المُرْسَلِيْنَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

تَقَدَّمَ الحَدِيْثُ مَعَكُمْ - أَيُّهَا النَّاسُ - عَنْ مُرْضِعَاتِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَوَاضِنِهِ، وَالآنَ حَدِيْثِي مَعَكُمْ عَنْ « سَفَرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلِى الشَّامِ، صُحْبَةُ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ وَقِصَّةُ بُحَيْرَا الرَّاهِبِ ».


أَيُّهَا النَّاسُ، لَقَدْ نَشَأَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتِيْمًا يَكْفُلُهُ جَدُّهُ عَبْدُ المُطَّلِبِ، وَبَعْدَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ.

 

وَقَدْ خَرَجَ بِهِ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ فِي تِجَارَةٍ إِلَى الشَّامِ وَهُوَ ابْنُ ثِنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَذَلِكَ مِنْ تَمَامِ لُطْفِهِ بِهِ، وَيَقُومُ مِنْ يَقُومُ بِهِ إِذَا تَرَكَهُ بِمَكَّةَ، فَمَاذَا رَأَى أَبُو طَالِبٍ وَأَصْحَابُهُ مِنَ الآيَات؟

 

رَوَى الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الخَرَائِطِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ فِي «صَحِيْحِ السِّيْرَةِ»[12]، مِنْ حَدِيْثِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيُّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: «خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ وَخَرَجَ مَعَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَشْيَاخٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَمَّا أَشْرَفُوا عَلَى الرَّاهِبِ هَبَطُوا فَحَوَّلُوا رِحَالَهُمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الرَّاهِبُ وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَمُرُّونَ بِهِ فَلَا يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ وَلَا يَلْتَفِتُ، قَالَ: وَهُمْ يَحِلُّونَ رِحَالَهُمْ فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُهُمْ، حَتَّى جَاءَ فَأَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: هَذَا سَيِّدُ الْعَالَمِينَ، هَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، هَذَا يَبْعَثُهُ اللهُ رَحْمَةً الْعَالَمِينَ.

 

فَقَالَ لَهُ أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ: وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: إِنَّكُمْ حِينَ شَرَفْتُمْ مِنَ الْعَقَبَةِ لَمْ يَبْقَ شَجَرٌ، وَلَا حَجَرٌ، إِلَّا خَرَّ سَاجِدًا، وَلَا تَسْجُدُ إِلَّا لِنَبِيٍّ وَإِنِّي أَعْرِفُهُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، أَسْفَلَ مِنْ غُضْرُوفِ كَتِفِهِ مِثْلِ التُّفَّاحَةِ، ثُمَّ رَجَعَ فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا ثُمَّ أَتَاهُمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَعِيَّةِ الْإِبِلِ قَالَ: أَرْسِلُوا إِلَيْهِ.

 

فَأَقْبَلَ وَعَلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ قَالَ: انْظُرُوا إِلَيْهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْقَوْمِ وَجَدَهُمْ قَدْ سَبَقُوهُ إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ فَلَمَّا جَلَسَ مَالَ فَيْءُ الشَّجَرَةِ عَلَيْهِ، قَالَ: انْظُرُوا إِلَى فَيْءِ الشَّجَرَةِ مَالَ عَلَيْهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ عَلَيْهِ وَهُوَ يُنَاشِدُهُمْ أَنْ لَا تَذْهَبُوا بِهِ إِلَى الرُّومِ فَإِنَّ الرُّومَ إِنْ رَأَوْهُ عَرَفُوهُ بِالصِّفَةِ فَقَتَلُوهُ، فَالْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِسَبْعَةِ نَفَرٍ قَدْ أَقْبَلُوا مِنَ الرُّومِ فَاسْتَقْبَلَهُمْ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكُمْ؟

 

قَالُوا: جِئْنَا فَإِنَّ هَذَا النَّبِيَّ خَارِجٌ فِي هَذَا الشَّهْرِ، فَلَمْ يَبْقَ طَرِيقٌ إِلَّا بُعِثَ إِلَيْهِ نَاسٌ وَإِنَّا بُعِثْنَا إِلَى طَرِيقِهِ هَذَا، فَقَالَ لَهُمُ الرَّاهِبُ: هَلْ خَلَّفْتُمْ خَلْفَكُمْ أَحَدًا هُوَ خَيْرٌ مِنْكُمْ؟ قَالُوا: لَا، قَالُوا: إِنَّمَا أُخْبِرْنَا خَبَرَهُ فَبُعِثْنَا إِلَى طَرِيقِكَ هَذَا، قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ أَمْرًا أَرَادَهُ اللهُ أَنْ يَقْضِيَهُ هَلْ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ رَدَّهُ؟ قَالُوا: لَا قَالَ: فَبَايِعُوهُ فَبَايَعُوهُ وَأَقَامُوا مَعَهُ، قَالَ: فَأَتَاهُمُ الرَّاهِبُ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللهَ أَيُّكُمْ وَلِيُّهُ؟ قَالَ أَبُو طَالِبٍ: فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُهُ حَتَّى رَدَّهُ وَبَعَثَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، بِلَالًا وَزَوَّدَهُ الرَّاهِبُ مِنَ الْكَعْكِ وَالزَّيْتِ».

 

وَهَذَا الحَدِيْثُ - أَيُّهَا النَّاسُ - سَنَدُهُ أَئِمَّةٌ عَدَا ذِكْرُ أَبِي بَكْرٍ وَبِلَالٍ فَهِيَ مُدْرَجَةٌ مِنْ قَبْلِ بَعْضِ الرُّوَاةِ، قَالَ الحَافِظُ ابْنِ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللهُ - فِي الإِصَابَةِ: « رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَذِكْرُ أَبِي بَكْرٍ وَبِلَالٍ غَيْرِ مَحْفُوظٍ»، وَفِي رِحْلَتِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الشَّامِ وَلِقَائِهِ بِالرَّاهِبِ بحَيْرَا - أَيُّهَا النَّاسُ - مِنَ الفَوَائِدِ العِظَامِ الشَّيْءِ الكَثِيْرِ، فَمِنْ تِلْكَ الفَوَائِدِ:

الفَائِدَةُ الأُوْلَى: حِمَايَةُ اللهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدِفَاعِهِ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ يَحْمِي هَذَا الدِّيْنِ وَيُدَافِعُ عَنْهُ، وَيَرُدُّ عَنْهُ بَأْسَ الَّذِيْنَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ.

 

الفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: تَصْدِيْقٌ لِقَوْلِ اللهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى﴾ [الضحى: 6]، فَقَدْ كَانَ فِي رِعَايَةِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، يَحْفَظْهُ وَيُدَافِعُ عَنْهُ، فَلِهَذَا مَنَعَهُ مِنْ دُخُولِ الشَّامِ، وَرَدَّهُ إِلَى مَكَّةَ خَوْفًا عَلَيْهِ.

 

الفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: فِيْهِ دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ البَاهِرَةُ، فَقَدْ حَيَّاهُ الشَّجَرُ وَالحَجَرُ، مَالَ فَيْءُ الشَّجَرَةِ إِلَيْهِ، وَصَدَّقَ نُبُوَّتِهِ هَذَا الرَّاهِبُ بِمَا عَلِمَ مِنَ البِشَارَةِ المَذْكُورَةِ عِنْدَهُ فِي الكِتَابِ الأَوَّلِ وَصِفَةِ الأَنْبِيَاءِ فِيْهِ.

 

الفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ مَانِعٌ مِنْ كِبْرٍ أَوْ عِنَادٍ أَوْ إِيْثَارِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ مَلَامَةٍ أَوْ أَذًى، فَإِنَّهُ لَاَ يُمْكِنُهُ إِلَّا الاعْتِرَافُ بِصِدْقِ نُبُوَّتِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

الفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أَنَّ مَنْ تَرَكَ الانْقِيَادَ لِهَذَا الدِّيْنِ، فَإِنَّهُ لَاَ يَكُونُ مُسْلِمًا حَتَّى وَلَوْ عُلِمَ صِحَّتَهُ، فَلَاَ بُدَّ مِنَ الانْقِيَادِ بِإِعْلَانِ الإِسْلَامِ وَالْتِزَامِ أَحْكَامِهِ، وَهَذَا مِثْلُ أَبِي طَالِبٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ صِحَّةَ الإِسْلَامِ وَيُقِرُّ بِذَلِكَ لَكِنَّهُ لاَ يَنْقَادُ لَهُ بِالعَمَلِ، وَآثَرَ أَنْ يُدَافِعَ عَنْ نَفْسِهِ مَلَامَةَ قَوْمِهِ إِذَا تَرَكَ دِيْنَ آبَائِهِمْ وَأَجْدَادِهِمْ، فَمَاتَ كَافِرًا.

 

الفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أَنَّ عَدَاوَةَ النَّصْرَانِيَّةِ الصَّلِيْبِيَّةِ لِهَذَا الدِّيْنِ بَدَأَتْ قَبْلَ البِعْثَةِ المُحَمَّدِيَّةِ، وَلِهَذَا بَعَثَ الرُّومُ الجُنُودَ إِلَى الطُّرُقِ لَمَّا أَعْلَمَتْهُم شَيَاطِيْنُهُمْ وَكَهَنَتَهُمْ بِقُدُومِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الشَّامِ لِيَقْتُلُوهُ وَكَانَ مَعَهُمْ اليَهُودُ فِي هَذِهِ المُؤَامَرَةِ، كَمَا ذَكَرَ ابْنُ القَيِّمِ».

 

اللهُمَّ يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِيْنِكَ، اللهُمَّ يَا مُصَرِّفَ القُلُوبِ وَالأَبْصَارِ، صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ.

 

اللهُمَّ لَاَ تَدَعْ لَنَا ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ، وَلاَ هَمًّا إلَّا فَرَّجْتَهُ، وَلاَ دَيْنًا إِلَّا قَضَيْتَهُ، وَلاَ حَاجَةً مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ هِيَ لَكَ رِضَا وَلَنَا فِيْهَا صَلَاحٌ، إِلَّا قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.

 

وَسُبْحَانَكَ اللهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ.

 


[1] رَوَاهُ البُخَارِيُّ (5101)، وَمُسْلِمٌ (1402).

[2] ابْنُ إِسْحَاقَ فِي «السِّيْرَةِ» (1/ 51)، وَقَوَّىٰٰ إِسْنَادَهُ الأَلْبَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي «صَحِيْحِ السِّيْـرَةِ» (16-17).

[3] (صَحِيْحٌ) أَخْرَجَهُ أَحْمَد (4/ 184-185)، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ - فِي «الصَّحِيْحَةِ» (373).

[4] رَوَاهُ مُسْلِمٌ (261).

[5] انْظُرْ : « الفُصُول فِي سِيْرَةِ الرَّسُولِ » لابْنِ كَثِيْر (45).

[6] « المَرْجِعُ السَّابِقُ» (47).

[7] (صَحِيْحٌ) أَخْرَجَهُ أَحْمَد (3565)، بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي «صَحِيْحِ السِّيْـرَةِ» (23).

[8] رَوَاهُ مُسْلِمٌ (976).

[9] «الفُصُول» (48).

[10] رَوَاهُ مُسْلِمٌ (177) مِنْ كَلَامِ ابْن شِهَاب الزُّهْرِيّ، تِلْمِيْذ أَنَس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

[11] رَوَاهُ البُخَارِيُّ ( 3883)، وَمُسْلِمٌ (209).

[12](صَحِيْحٌ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ (3620)، وَابْن أَبِي شَيْبَة فِي «المُصَنَّف» (18390)، وَالبَيْهَقِيُّ فِي «الدَّلاَئِلِ»(1/ 370)،وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ- فِي «صَحِيْحِ السِّيْـرَةِ»(29-30).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مرضعات النبي صلى الله عليه وسلم
  • خطبة: فائدة التاريخ
  • إرهاصات نبوته - صلى الله عليه وسلم - ونزول الوحي

مختارات من الشبكة

  • من فضائل النبي صلى الله عليه وسلم: كان صلى الله عليه وسلم رحيما بالمؤمنين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أولى الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة أكثرهم صلاة عليه(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بكثرة الصلاة عليه يوم وليلة الجمعة(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث (26) «كل سلامى من الناس عليه صدقة» (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: موسى عليه السلام وحياته لله عز وجل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • علاقة محمد صلى الله عليه وسلم، بجبريل عليه السلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حبه صلى الله عليه وسلم لاستماع القرآن من غيره(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • من مائدة العقيدة: وجوب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيمه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صلاة واحدة على النبي صلى الله عليه وسلم بعشر حسنات(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • من سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • دورات إسلامية وصحية متكاملة للأطفال بمدينة دروججانوفسكي
  • برينجافور تحتفل بالذكرى الـ 19 لافتتاح مسجدها التاريخي
  • أكثر من 70 متسابقا يشاركون في المسابقة القرآنية الثامنة في أزناكاييفو
  • إعادة افتتاح مسجد تاريخي في أغدام بأذربيجان
  • ستولاك تستعد لانطلاق النسخة الثالثة والعشرين من فعاليات أيام المساجد
  • موافقة رسمية على مشروع تطويري لمسجد بمدينة سلاو يخدم التعليم والمجتمع
  • بعد انتظار طويل.. وضع حجر الأساس لأول مسجد في قرية لوغ
  • فعاليات متنوعة بولاية ويسكونسن ضمن شهر التراث الإسلامي

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 30/1/1447هـ - الساعة: 15:3
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب