• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات   بحوث ودراسات   إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم   الدر الثمين   سلسلة 10 أحكام مختصرة   فوائد شرح الأربعين   كتب   صوتيات   مواد مترجمة  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    شرح (صفوة أصول الفقه) لابن سعدي - رحمه الله - ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعليق على رسالة (ذم قسوة القلب) لابن رجب (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في: شهر الله المحرم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في الأضحية (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    10 مسائل مهمة ومختصرة في 10 ذي الحجة (PDF)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    الدعاء لمن أتى بصدقة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: صدقة لم يأكل منها
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: هو لها صدقة، ولنا هدية
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    باب: (ترك استعمال آل النبي على الصدقة)
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: «كخ كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    شرح حديث: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    التعريف بالخوارج وصفاتهم
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    حديث: ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي ...
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
  •  
    إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة
    الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

المسلم بين حر الدنيا وحر الآخرة (خطبة)

المسلم بين حر الدنيا وحر الآخرة (خطبة)
د. عبدالرزاق السيد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/7/2025 ميلادي - 29/1/1447 هجري

الزيارات: 6835

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المسلم بين حر الدنيا وحر الآخرة


الحمد لله الذي جعل حرارة الصيف إنذارًا وتذكيرًا، وجعل النار للكافرين، موردًا ومصيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الزمان فقدَّر فيه الفصول تقديرًا لمن أراد أن يتذكَّر أو أراد شكورًا، وأشهد أن سيدنا محمدًا أرسله الله إلى الناس كافة، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليمًا.


أهمية الحديث عن الحر:

أيها المسلمون، نُعايِشُ هذه الأيام شدةَ الحَرِّ اللافح، والصيف القائظ، والشمسُ تزداد سطوعًا لتُرسل نورها وتنشرَ سياط لَهبها على الأرض والأبدان، ولا تسأل عن حال الناس في هذه الأيام مع شدة الحر وهم يطلبون الظل الظليل، والهواء العليل، والماء البارد السلسبيل؛ لذا كان لا بد لنا مع حر الصيف من موعظة، ومع القيظ من ذكرى، والإنسان إن أصابه البرد تألَّم، وإن أصابه الحر تألَّم، كما قال النبي الأكرم؛ فعن خولة بنت قيس الأنصارية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ابنُ آدمَ إن أصابَه البردُ قال حَسِّ، وإن أصابه الحَرُّ قال حَسِّ)؛ السلسلة الصحيحة.


والزمانُ بليله ونهاره، وشهوره وأعوامه، وصيفه وشتائه، آيةٌ من آيات الله تبارك وتعالى التي نصبها للعباد موعظةً وذكرى، موعظةٌ في تقلُّبِ الأحوال وتصرُّفها، وغِيَرِ الأيام وتصرُّمها.


القرآن والسنة تحدثنا عن حر الدنيا وحر الآخرة:

أيها المسلمون، لقد ذكر القرآن والسنة النبوية الحر وكيفية اتِّقائه في هذه الدنيا وفي الآخرة، وذكر نعم الله الكثيرة التي يتمتع بها الإنسان في هذه الدنيا، ومنها تقلُّب الليل والنهار، وتقلب الفصول الشتاء والصيف، فهو الذي يقلِّب الأيام والشهور، ويطوي الأعوام والدهور، وهو الواحد الأحد الصمد سبحانه وبحمده، قال الله تعالى ﴿ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [النور: 44]، وقال الله تعالى: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [القصص: 71، 72].

 

ونحن نعيش هذا الحر اللافح هذه الأيام، نتذكر ما منَّ به ربُّنا علينا وأنعم من الوسائل التي تقينا الصيفَ وقيظَه، من الظلال الوارفة، والأشجار اليانعة؛ قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ﴾ [النحل: 81].

 

ولقد تخلَّف قوم عن رسول صلى الله عليه وسلم متعذرين بالحر، وتوعَّدهم الله بحر جهنم، فقال الله لهم مذكرًا: ﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [التوبة: 81، 82].

 

والصيف بحرارته فيه إيماء إلى جهنم الحامية، وهذه النار التي مُنحناها في الدنيا ومُتعنا بها التي نطهي عليها طعامنا ونقضي بها مآربنا، جُعلت متاعًا لنا وتذكرة بنار جهنم؛ قال الله عز وجل: ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ ﴾ [الواقعة: 71 - 73].

 

وفي السنة النبوية يذكر لنا عليه الصلاة والسلام، شدة الحر في الصيف وأنه من فيح جهنم، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اشْتَكَتِ النَّارُ إلى رَبِّهَا، فَقالَتْ: يا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فأذِنَ لَهَا بنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ في الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ في الصَّيْفِ، فَهْوَ أَشَدُّ ما تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ ما تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ).


اعتداء الإنسان على هذه الأرض وتغيير أحوالها:

أيها المسلمون، إن شدة الحر في هذه الحياة الدنيا من جملة الآيات الكونية الربانية التي يُخوِّف الله بها عباده، لعلهم يتقون أو يحدِث لهم ذكرًا، ولعلهم يتذكرون وينزجرون عما هم فيه من غفلة وإعراضٍ عن الله عز وجل، فهذه الحرارة التي يحس بها الناس في هذه الأيام، وتُذهِب نومهم بالليل والنهار، وتَضِيقُ بها أنفُسهم في بعض البلاد، وتُخرج الماء من عروقهم، إنما هي آية من آياته في هذا الكون، يذكِّر بها الغافل ويعذب بها الكافر، ولقد عذب الله بالحر أقوامًا من العصاة غيَّروا وبدَّلوا في هذه الأرض، غيَّروا عقيدة الناس وأخلاقهم ومعاملاتهم، فغيَّر الله أحوالهم وعذَّبهم من جنس أعمالهم؛ قال الله تعالى: ﴿ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ * وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ * قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ * وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ* قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ * فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [الشعراء: 176 – 189].

 

ذَكَر المفسرون في قصة قوم شعَيب عن ابنِ عباس - رضي الله عنهما - عند قولِهِ تَعَالى: ﴿ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [الشعراء: 189]، قال: أرسَلَ الله إليهم سَمومًا من جَهنّمَ، فأَطافَ بهم سبعةَ أيَّام حتى أنضَجَهمُ الحرُّ، فحَمِيَت بيوتهم وغَلَت مياههم في الآبار والعيون، فخَرَجوا من منازلهم هارِبين والسَّموم معهم، فسلَّط الله عليهم الشَّمسَ من فوقِ رؤوسهم فغَشِيَتهم، وسلَّط الله عليهم الرَّمضاءَ مِن تحتِ أرجُلِهم حتى تساقَطَت لحومُ أرجُلِهم، ثم نَشَأت لهم ظُلَّة كالسحابة السوداءِ، فلمَّا رَأَوها ابتَدَروها يستغيثونَ بظلِّها، فوجَدوا لها بردًا ولذَّةً، حتى إذا كانوا جميعًا تحتَها أطبقَت عَلَيهم وأمطَرَت عليهم نارًا فهلَكوا، ونَجَّى الله شعيبًا والذين آمنوا مَعَه.

 

هذا جزاء أصحاب الذنوب التي تواطؤوا وتعوَّدوا عليها، وصارت من عاداتهم وطبائعهم، لقد حذَّرهم ونهاهم عن المعاصي التي درجوا عليها، وألِفتها نفوسهم وارتضتْها قلوبهم، حتى أصبحت جزءًا من حياتهم، وشيئًا من كيانهم، بل أصبح إنكارها هو المنكر، وهي ذنوب مؤذنة بفسادهم ومُعلنة باستحقاقهم أن يدمِّرهم الله - عز وجل تدميرًا.

 

عندما يعبث الإنسان ويُفسد في الأرض فسادًا أخلاقيًّا أو عقديًّا، أو اجتماعيًّا، أو سياسيًّا، أو اقتصاديًّا، فإن أثر الفساد يظهر في الأرض، اقرؤوا إن شئتم قول الله جلا في علاه: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41].


وفساد هذا الزمان واضح، إفساد للجو بالتلوث الكيميائي والحراري والإشعاعي للبيئة، إفساد للبر والبحر بإلقاء النفايات النووية فيها، وإفساد بالحروب وأسلحتها ومصادرها، وغيرها من مظاهر إفساد الطبيعية ومقدرات الحياة؛ ما أدى إلى ارتفاع غير مألوف في درجات الحرارة في جميع دول العالم، ووجود ظاهرة الاحتباس الحراري، وكثرة الأمراض، ومن حرائق في الغابات، وجفاف في بعض الأنهار، وتغيرات في المناخ، كل ذلك من إفساد بني آدم في الجو والبر والبحر، وهو تنبيه من الله تعالى لعلهم يرجعون إلى شرعه وحكمه، فسنة الله ماضية في الأولين والآخرين: ﴿ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ﴾ [فاطر: 43].

 

وما ترونه من فيضانات وزلازل إلا نتيجة هذا الإفساد في الأرض.

 

إن مسؤولية الإنسان عن الأرض هي مسؤولية كاملة عن جميع نطاقاتها الصخرية، والمائية، والهوائية، والحياتية، والتي يطلق عليها في مجموعها تعبير (البيئة)، وهي كل ما يحيط بالإنسان من مختلف صور المادة والطاقة والحياة، ومن نظم اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية وعقدية، وشرعية، والإنسان المستخلف على الأرض مؤتَمن على بيئتها، ومسؤول أمام الله وأمام الناس عن المحافظة عليها، وانطلاقًا من ذلك، فإن الاعتداء على أيٍّ من مكونات البيئة المادية أو المعنوية، هو مخالفة شرعية وأخلاقية.


حر الدنياء للاستعداد لحر الآخرة:

أيها المسلمون، في هذه الأيام التي يشتد حرُّها، ويزداد سمومها، وتلفح شمسها، يخرج الناس من الحر إلى أطراف الأنهار والبحار، حتر يتبرَّدوا من حر الجو في هذه الأيام، لكن ينبغي أن يعلم الناس أن حر الدنيا هذا يذكرنا بحر الآخرة، وشمس الدنيا وشدتها، تذكِّرنا بدُنو الشمس منا يوم القيامة في يوم طويل عسير، يشتد فيه الزحام والحر، ويَعظُم فيه الكرب، ويسيل فيه العرق، ويبلغ الخوف بالناس مداه، فعن المقداد بن عمرو بن الأسود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تدنو الشمسُ يومَ القيامةِ من الخلقِ، حتى تكونَ منهم كمقدارِ مَيلٍ، فيكون الناسُ على قدرِ أعمالهم في العَرقِ، فمنهم من يكونُ إلى كعبَيه، ومنهم من يكون إلى ركبتَيه، ومنهم من يكون إلى حِقْوَيه، ومنهم من يلجُمه العرقُ إلجامًا)؛ صحيح الجامع.


إذا تذكر الإنسان ذلك، وتفكر فيه، علِم أن حر الظهيرة في أشد بقاع الأرض حرًّا لا يكاد يذكر أمام حرِّ ذلك اليوم العظيم، وأن ضجر الإنسان من شدة الحر مع ما هو فيه من وسائل التبريد والراحة، لن يقارن بضجره في ذلك اليوم العظيم، ﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ ‌سُكَارَى وَمَا هُمْ ‌بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 2].

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِن فَيْحِ جَهَنَّمَ)؛ مسلم.

 

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قال: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَب الْعَالَمِينَ)، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ يَتَغَيَّبُ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ)؛ رواه ابن حبان وصححه الألباني.


وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: تَلا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الآيةَ: ﴿ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المطففين: 6]، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: كيْف بكمْ إذا جَمَعكم اللهُ كما يُجمَعُ النَّبْلُ في الكِنانةِ خَمسينَ ألْفَ سَنةٍ، ثمَّ لا يَنظُرُ اللهُ إليكم؟!)؛ رواه الحاكم وصححه الذهبي.


فماذا أعددنا لهذا اليوم العصيب الذي لا ظل فيه إلا مَن أظله الله، فتخيَّلوا هذا الموقف الرهيب ونحن حفاة عراة غرل ليس معنا شيء يسترنا، وليس معنا شيء يَحمينا من حر الشمس ووهجها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، يتمنى الناس فيه أن يخرجوا منه إلى أي شيء.

 

أيها الإخوة، فإذا كانت شدة الحر في الصيف تشعل الغابات، وتُلجئ الناس إلى منازلهم فرارًا من الحر، ويخرجون بسببها من البلاد الحارة إلى البلاد الباردة، وحر الدنيا ما هو إلا نفس واحد من أنفاس جهنم، والنفس هو الهواء القليل يخرج من الشيء، فكيف إذًا بنار جهنم؟ وكيف بحرِّها؟ وكيف بحميمها؟ وكيف بيحمومها؟ وكيف بآنها؟ وكيف بشوبها؟ وكيف بها كلها وما فيها من أنواع النكال والعذاب؟ نعوذ بالله تعالى منها.

 

لقد كان السلف الصالح يتذكرون هذه الأمور؛ لأن قلوبهم كانت حية، فكل ما يرونه ويشاهدونه في الدنيا يذكرهم بالآخرة، ومن ذلك أن بعضهم كان إذا شرب الماء البارد في الصيف بكى وتذكر أُمنية أهل النار حينما يشتهون الماء، فيقولون لأهل الجنة: ﴿ وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ۚ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [الأعراف50].


وكان بعضهم إذا صبَّ على رأسه ماء من الحمام ووجده شديد الحر، بكى وقال: ذكرت قوله تعالى: {يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} [الحج 19]، وكان بعضهم إذا رجع من الجمعة في حرِّ الظهيرة، يذكر انصراف الناس من موقف الحساب إلى الجنة أو النار، فإن الساعة تقوم يوم الجمعة.

 

إنها جهنم إنها شديدةُ الحرارة، ظلها يحموم، وهبوُبها سموم، ﴿ وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ ﴾ [الواقعة: 41 - 44].

 

(والسموم: الهواء الحار، والحميم: الماء الحار، والظل اليحموم: هو ظلُ الدخانِ، وهو حار أيضًا، فاجتمع عليهم حرارةُ الهواءِ، وحرارةُ الماءِ، وحرارةُ الدخان، وإن ما ترونه من حرارة نار الدنيا ما هي إلا جُزْءًا من سبعين جُزْءًا من نار جهنم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: نَارُكُمْ جُزْءٌ مِن سَبْعِينَ جُزْءًا مِن نَارِ جَهَنَّمَ، قيلَ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، قالَ: فُضِّلَتْ عليهنَّ بتِسْعَةٍ وسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا)؛ البخاري.


أيها الأحبة، إن المؤمن يتذكر النار كلما لفحته رياحُ الصيف، وألْهَبت وجهه الناعم بحرِّها، فيقول في نفسه: إذا كان هذا من نفس جهنم، فكيف بجهنم نفسها؟! نعوذ بالله تعالى منها، وإذا كنا لا نحتمل نار الدنيا وهي جزء من سبعين جزءًا من نار الآخرة، فما الشأن بنار الآخرة؟! وصدق الله إذ يقول: ﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ * وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر:15-18].

كيف نتقي حر الآخرة:

أيها المسلمون، إن أعظم ما يُتقى به حرُّ يوم القيامة الإتيان ببعض الاعمال الصالحة التي تتقرب بها إلى الله، فتنجيك من حر ذلك اليوم؛ منها:

أولًا: تقوى الله تعالى: فالتقوى من أعظم الأسباب التي تقي العبد كربات يوم القيامة؛ قال تعالى: ﴿ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمْ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الزمر 61].

ثانيًا: إنظار المعسر أو الوضع عنه: فهنيئًا لمن أنظَر معسرًا أو وضع عنه شيئًا من دينه، ونقول له: أبشِر بخير عظيم من الله، فيكفيك شرفًا أن يَعِدَك الله بأن يُظلك في هذا اليوم العصيب، فعن كعب بن عمرو رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (مَن أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عنْه، أَظَلَّهُ اللَّهُ في ظِلِّهِ)؛ (رواه مسلم).

ثالثًا: كن من السبعة: أعمال لسبعة أصناف من الناس حازوا السبق، وفازوا ونجوا تحت ظل ربهم، ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّه تَعالى، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه: اجتَمَعا عَلَيهِ، وتَفَرَّقَا عَلَيهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ، وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخافُ اللَّه، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأَخْفَاها، حتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ)؛ (متفق عليه عن أبي هريرة).


رابعًا: صوم النافلة: وهو ما زاد عن الفريضة مما وردت به السنة؛ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (مَن صامَ يَوْمًا في سَبيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا..)؛ (متفق عليه).


خامسًا: الصدقة: وهي تشمل جميع أنواع الصدقات، من مال، أو شفاعة، أو قضاء حاجة، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (كلُّ امرئٍ في ظِلِّ صَدَقَتِه حتى يُقْضَى بين الناسِ؛ قال يزيد: فكَانَ أبُو مرثدٍ لا يُخْطِئُهُ يَوْمٌ إلَّا تَصَدَّقَ فيهِ بِشيءٍ، ولَوْ كَعْكَةً أوْ بَصَلَةً)؛ (صحيح الجامع)، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يُكثرون من الصدقة من أجل ذلك.


سادسًا: قراءة القرآن وحفظ سورتي البقرة وآل عمران: عن النواس بن سمعان الأنصاري رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: (يُؤْتَى بالقُرْآنِ يَومَ القِيامَةِ وأَهْلِهِ الَّذِينَ كانُوا يَعْمَلُونَ به، تَقْدُمُهُ سُورَةُ البَقَرَةِ وآلُ عِمْرانَ، وضَرَبَ لهما رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ثَلاثَةَ أمْثالٍ ما نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ؛ قالَ: كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ ظُلَّتانِ سَوْداوانِ، بيْنَهُما شَرْقٌ، أوْ كَأنَّهُما حِزْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن صاحِبِهِما)، الشرق: أي: ضَوْءٌ، ونُورُ الشَّرْقِ هو الشَّمسُ)؛ (رواه مسلم).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • صفات المؤمنين المفلحين في الدنيا والآخرة (خطبة)
  • صفات المؤمنين المفلحين في الدنيا والآخرة (2) (خطبة)
  • أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
  • إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • من هو السني؟ وهل يخرج المسلم من السنة بوقوعه في بدعة جاهلًا أو متأولا؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عقيدة المسلم تجاه الصحابة: 50 معتقدا من القرآن عن الصحابة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من مائدة الحديث: التحذير من الإضرار بالمسلمين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نظام التوارث بين المسلم وغير المسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العلاقة الفردية بين المسلم وغير المسلم في الفقه الإسلامي(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • شرح حديث أبي هريرة: "المسلم أخو المسلم لا يخونه"(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من دروس خطبة الوداع: أخوة الإسلام بين توجيه النبوة وتفريط الأمة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المرأة بين حضارتين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عاشوراء بين ظهور الحق وزوال الباطل (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حق المسلم على أخيه المسلم (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • دورات إسلامية وصحية متكاملة للأطفال بمدينة دروججانوفسكي
  • برينجافور تحتفل بالذكرى الـ 19 لافتتاح مسجدها التاريخي
  • أكثر من 70 متسابقا يشاركون في المسابقة القرآنية الثامنة في أزناكاييفو
  • إعادة افتتاح مسجد تاريخي في أغدام بأذربيجان
  • ستولاك تستعد لانطلاق النسخة الثالثة والعشرين من فعاليات أيام المساجد
  • موافقة رسمية على مشروع تطويري لمسجد بمدينة سلاو يخدم التعليم والمجتمع
  • بعد انتظار طويل.. وضع حجر الأساس لأول مسجد في قرية لوغ
  • فعاليات متنوعة بولاية ويسكونسن ضمن شهر التراث الإسلامي

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 29/1/1447هـ - الساعة: 20:14
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب