• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من مائدة الصحابة: حفصة رضي الله عنها
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أقوال ومواقف للسلف الصالح عن الرضا بقضاء الله
    د. أنس محمد الغنام
  •  
    بحث في حال ابن إسحاق (WORD)
    د. سليمان بن عبدالله المهنا
  •  
    السوق بين ضوابط الشرع ومزالق الواقع (خطبة)
    د. مراد باخريصة
  •  
    فوائد من توبة سليمان الأواب (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    رعاية الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم وحمايته ...
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    حياة مؤجلة! (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    الرد على المقال المتهافت: أكثر من 183 سنة مفقودة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    التسبيح عون للمنافسة في الطاعات
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    اقرأ كتابك
    صلاح عامر قمصان
  •  
    زكاة الجاه (خطبة)
    د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم
  •  
    مرويات الهجوم على بيت السيدة فاطمة الزهراء رضي ...
    محمد نذير بن عبدالخالق
  •  
    الطريق إلى سعادة القلب
    إبراهيم الدميجي
  •  
    تفسير قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    أقوال العلماء في الصداقة
    الشيخ صلاح نجيب الدق
  •  
    كثرة السجود... طريقك لرفقة الحبيب (صلى الله عليه ...
    د. محمد جمعة الحلبوسي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

أقوال ومواقف للسلف الصالح عن الرضا بقضاء الله

أقوال ومواقف للسلف الصالح عن للسلف الصالحبقضاء الله
د. أنس محمد الغنام

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/12/2025 ميلادي - 19/6/1447 هجري

الزيارات: 115

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أقوال ومواقف للسلف الصالح عن الرضا بقضاء الله

 

من أعظم الأبواب الموصِلة إلى الله، التي تَمنحك حبَّه ورضاه: باب الرضا، فالله يُحب من عبده أن يَرضى عن قضائه، ويَصبر على بلائه، ويَشكُره في السرَّاء، ويلجأ إليه في الضراء.

 

والرَّاضون عن الله هم أقوى المؤمنين إيمانًا، وأكملهم يقينًا، وأسكنهم قلوبًا، وأهدؤهم نفوسًا، لم تُزعزعهم الحوادث، ولم تَنل منهم المصائب، بل يتلقَّونها بقلوب راضية، وأنفسٍ مُطمئنة، لذلك عاشوا في هذه الحياة في جنة من الأُنس والرضا قبل جنة الآخرة؛ يقول ابن القيم: على العبد أن يَعلَم أن أعظم راحته وسروره ونعيمه في الرضا عن ربه تعالى وتقدَّس في جميع الحالات، فإن الرضا باب الله الأعظم، ومُستراح العارفين، وجنة الدنيا، فجديرٌ بمن نصَح نفسه أن تشتدَّ رغبته فيه، وألا يَستبدل بغيره منه[1].

 

ومن أكبر الأسباب التي تُعين على تحقيق الرضا: قراءة سِيَر بعض سلفنا[2] الصالح، ومعرفة أقوالهم عن الرضا، وأحوالهم في تحقيقه، فهم خيرُ هذه الأمة وأبرُّها قلوبًا، وأقلها تكلفًا، وأسلمها قلوبًا، وهم لنا موضع الأُسوة والقدوة، لذلك تجد في أقوالهم وأحوالهم مسحةً من أنوار النبوة، وقبسًا من ضيائها، تضيء ظلام القلوب القلقة، وتُذهب غَبَشَ النفوس المضطربة، فتَجعلها راضية مطمئنة.

 

لذلك جمعت في هذا المقال كثيرًا من أقوالهم وأحوالهم؛ حتى تعيننا على تحقيق مقام الرضا، والارتقاء في مدارجه.

 

أولًا: بعض أقوال السلف عن الرضا:

1- كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما يقول: "أما بعد، فإن الخير كله في الرضا، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبِر" [3].

 

2- قال عمر بن الخطاب أيضًا: «ما أُبالي على أي حال أصبحت؛ على ما أحب، أو على ما أكره؛ لأني لا أدري، الخير فيما أُحب أو فيما أَكره؟»[4].

 

3- قال عبد الله بن مسعود: «ما أُبالي إذا رجعت إلى أهلي على أي حال أراهم أبسرَّاء أم بضرَّاء، وما أصبحت على حال، فتمنَّيت أني على سواها»[5].

 

4- وقال ابن مسعود أيضًا: «إن الله تبارك وتعالى بقسطه وحِلمه جعل الروح والفرح في اليقين والرضا، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط»[6].

 

5- وقال أيضًا رضي الله عنه: «لأن يَعَضَّ أحدُكم على جَمرة حتى تبرُد، أو يُمسك عليها حتى تبرد، خير من أن يقول لأمر قضاه الله ليتَه لم يكن»[7].

 

6- قال أبو الدرداء رضي الله عنه: "ذِروة سَنام الإيمان أربع خلال: الصبر للحكم، والرضا بالقدر، والإخلاص للتوكل، والاستسلام للرب عز وجل" [8].

 

7- عن مجاهد في قوله: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ﴾ [الفجر: 27]، قال: الراضية بقضاء الله التي علمت أن ما أصابها لم يكن ليُخطئها، وما أخطأها لم يكن ليصيبها[9].

 

8- قال عمر بن عبد العزيز: «ما لي في الأمور هوى سوى مواقع قضى الله عز وجل فيها» [10].

 

9- وكان كثيرًا ما يدعو فيقول: اللهم رضِّني بقضائك، وبارِك لي في قدرك؛ حتى لا أحب تعجيلَ شيء أخَّرته، ولا تأخير شيء عجَّلته" [11].

 

10- قال شريح القاضي: إني لأصاب بالمصيبة، فأحمَد الله عليها أربع مرات؛ أحمد إذ لم يكن أعظم منها، وأحمد إذ رزَقني الصبر عليها، وأحمد إذ وفَّقني للاسترجاع لِما أرجو من الثواب، وأحمد إذ لم يجعلها في ديني [12].

 

11- قال أبو سليمان الداراني: «أرجو أن أكون قد رُزقت من الرضا طرفًا لو أدخلني النار، لكنت بذلك راضيًا» [13].

 

12- قال عبد العزيز بن أبي روَّاد ليس الشأن في أكل خبز الشعير والخل، ولا في لبس الصوف والشعر - يقصد الزهد - ولكن الشأن في الرضا عن الله عز وجل [14].

 

13- قال الثوري يومًا عند رابعة: اللهم ارضَ عني، فقالت: أما تستحيي من الله أن تسأله الرضا وأنت عنه غير راضٍ، فقال: أستغفر الله، فقال: جعفر بن سليمان الضبعي: فمتى يكون العبد راضيًا عن الله تعالى؟ قالت: إذا كان سروره بالمصيبة مثل سروره بالنعمة[15].

 

14- قال أبو عبد الله البراثي: «لن يَرِد الآخرة أرفع درجات من الراضين عن الله عز وجل على كل حال»[16].

 

15- قال ابن عون: «ارضَ بقضاء الله على ما كان مِن عُسر ويُسر، فإن ذلك أقلُّ لهمك، وأبلغُ فيما تطلب من آخرتك، واعلَم أن العبد لن يُصيب حقيقة الرضا؛ حتى يكون رضاه عند الفقر، والبلاء كرضاه عند الغنى والبلاء، كيف تستقضي الله في أمرك، ثم تَسخط إن رأيت قضاءه مخالفًا لهواك، ولعل ما هَويت من ذلك لو وفِّق لك، لكان فيه هلكتك، وترضى قضاءه إذا وافَق هواك، وذلك لقلة علمك بالغيب، وكيف تستقضيه إن كنت كذلك، ما أنصفت من نفسك، ولا أصبتَ باب الرضا»[17].

 

16- قال أبو معاوية الأسود في قوله تعالى: ﴿ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ [النحل: 97]؛ قال: «الرضا والقناعة»[18].

 

17- قال شيبان الراعي لسفيان الثوري: يا سفيان، عُدَّ منعَ الله إياك عطاءً منه لك، فإنه لم يمنعك بخلًا، إنما منعك لطفًا [19].

 

18- عن زمعة بن صالح قال: "كتب بعض بني أمية إلى أبي حازم يَعزم عليه إلا رفع إليه حوائجه إليه، فكتب إليه: أما بعد، فجاءني كتابك تَعزم عليَّ إلا رفعت إليك حوائجي، وهَيْهات، رفعت حوائجي إلى مَن لا يختزن الحوائج، وهو ربي عز وجل، فما أعطاني منها قبِلت، وما أمسك عني قنعت"[20].

 

19- قال ميمون بن مهران: من لم يرضَ بالقضاء فليس لِحُمقه دواء[21].

 

20- سُئِل يحيى بن معاذ: متى يبلغ الإنسان مقام الرضا؟ قال: إذا أقام على نفسه أربعة أصول يعامل بها ربَّه؛ يقول: إن أعطيتني قبِلت، وإن منعتني رضِيت، وإن تركتني عبَدت، وإن دعوتني أجبَت"[22].

 

21- قال عبدالواحد بن زيد: "ما أحسب أن شيئًا من الأعمال يتقدَّم الصبر إلا الرضا، ولا أعلم درجة أشرف ولا أرفع من الرضا، وهو رأس المحبة"[23].

 

22- عن بشر بن بشار المجاشعي - وكان من العابدين - قال: لقيتُ عُبَّادًا ثلاثة في بيت المقدس، فقلت لأحدهم: أوصني، فقال: "ألقِ نفسَك مع القدر حيث ألقاك، وهو أحرى أن يَفرُغ قلبُك، ويَقل هَمُّك، وإياك أن تسخط ذلك، فيحل بك السخط وأنت في غفلةٍ لا تشعر به".

 

وقلت للثاني: أوصني، فقال: "التمِس رضوانه في ترك مناهيه، فهو أوصلُ لك إلى القربى لديه".

 

وقلت للثالث: أوصني، فبكى وقال: "لا تبتغِ في أمرك تدبيرًا غيرَ تدبيره، فتَهلِك فيمن هلَك، وتَضِل فيمن ضلَّ"[24].

 

23- قال ابن القيم: سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدَّس الله روحه يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة؛ يقصد بجنة الدنيا الأنس بالله والرضا بقضائه.

 

وقال لي مرة: ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحتُ فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وكان يقول في محبسه في القلعة: لو بذلت ملء هذه القاعة ذهبًا ما عدل عندي شكرَ هذه النعمة، أو قال: ما جزيتهم على ما تسبَّبوا لي فيه من الخير، ونحو هذا [25].

 

ثانيًا: مواقف للسلف عن الرضا بقضاء الله:

1- قال عمر بن الخطاب لزوجته عاتكة رضي الله عنهما: "والله لأسوأنَّك - وكان قد غضب عليها - فقالت: أتستطيع أن تصرفني عن الإسلام بعد إذ هداني الله له؟ قال: لا، قالت: فأيُّ شيء تسؤني به إذًا؟"، تريد أنها راضية بمواضع القدر لا يسؤها منه شيء إلا صَرْفُها عن الإسلام، ولا سبيل له إليه[26].

 

2- قدم سعد بن أبي وقاص إلى مكة، وكان قد كُفَّ بصره، فجاءه الناس يُهرعون إليه، كل واحد يسأله أن يدعو له، فيدعو لهذا ولهذا، وكان مجاب الدعوة، قال عبد الله بن السائب: فأتيته وأنا غلام، فتعرَّفت عليه فعرَفني، وقال: أنت قارئ أهل مكة؟ قلت: نعم، فقلت له: يا عم، أنت تدعو للناس فلو دعوت لنفسك، فردَّ الله عليك بصرك، فتبسم وقال: يا بُني قضاء الله سبحانه عندي أحسنُ من بصري[27].

 

3- عن مُطرف قال: أتيت عمران بن حصين يومًا، فقلت له: والله إني لأَدَعُ إتيانَك لِما أراك فيه ولِما أراك تَلقى، قال: «فلا تفعَل، فوالله إن أحبَّه إليَّ أحبَّه إلى الله»، قال جرير: وكان أصابَه استسقاءٌ في بطنه، فمكث ثلاثين سنة على سرير مثقوب[28].

 

4- أصابت مرةً عروةَ بن الزبير إصابةٌ في قدمه، فقالوا له: "ألا ندعو لك طبيبًا؟ فأخبرهم أنه لا بأس، فقالوا له: نسقيك شرابًا يزول فيه عقلُك، فلم يُعجبه ذلك، وقال: "ما كنتُ أَظنُّ أن خلقًا يشرب ما يزيل عقلُه؛ حتى لا يُعرف به"، فوضع المنشار على رُكبته اليسرى، فما سمعنا له حسًّا، فلما قطعها جعل يقول: لئن أخذت لقد أبقيت، ولئن ابتليتَ لقد عافيتَ"، ولم يترك وردَه من قراءة القرآن [29].

 

5- لَما مات عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز، وسهل بن عبد العزيز، ومزاحم مولى عمر في أيام متتابعة - دخل عليه الربيع بن سبرة، فقال: عظَّم الله أجرك يا أمير المؤمنين، فما رأيت أحدًا أُصيب بأعظم من مصيبتك في أيام متتابعة، والله ما رأيت مثل ابنك ابنًا، ولا مثل أخيك أخًا، ولا مثل مولاك مولًى قط، فطأطأ رأسه، فقال لي رجل معه على الوساد: لقد هيَّجت عليه، قال: ثم رفع رأسه، فقال: «كيف قلت لي يا ربيع؟»، فأعدت عليه ما قلت أولًا، فقال: "لا والذي قضى عليه، أو قال: عليهم الموت، ما أحب أن شيئًا كان من ذلك لم يكن"[30].

 

6- ولَما دفنَ عمر بن عبد العزيز ولده عبد الملك قال: «رحمك الله يا بني، فقد كنت برًّا بأبيك، وما زلت منذ وهبَك الله لي مسرورًا بك، ولا والله ما كنت قط أشدَّ سرورًا ولا أرجى لحظِّي من الله فيك منذ وضعتك في الموضع الذي صيَّرك الله، فرحِمك الله وغفر لك ذنبَك، وجزاك بأحسن عملك، وتجاوز عن سيئه، ورَحِمَ كلَّ شافعٍ يشفع لك بخير مِن شاهدٍ وغائبٍ، ورضينا بقضاء الله، وسلَّمنا لأمره، والحمد لله رب العالمين»، ثم انصرف[31].

 

7- ولما دخل عليه سليمان بن الغاز معزيًّا، قال له عمر بن عبد العزيز: "وأنا أعوذ بالله أن يكون لي محبةٌ في شيء من الأمور يُخالف محبة الله، فإن ذلك لا يُصلح لي في بلائه عندي وإحسانه إليَّ"[32].

 

8- عن أبي علي الرازي، قال: صحِبت الفضيل بن عياض ثلاثين سنة، ما رأيته ضاحكًا ولا مبتسمًا، إلا يوم مات علي ابنه، فقلت له في ذلك، فقال: «إن الله عز وجل أحبَّ أمرًا، فأحببتُ ما أحبَّ الله»[33].

 

9- وعن إبراهيم النخعي: أن أم الأسود قُعدت من رجليها، فجزِعت ابنةٌ لها، فقالت: لا تجزعي، اللهم إن كان خيرًا فَزِدْ [34].

 

10- قال أبو عبد الرحمن حاتم الجرجاني: بلغني أن لله تبارك وتعالى عبادًا إلا أن بعضهم أرفع من بعض، ذهبت أعزي رجلًا وقد قتَلت الترك ابنَه، فبكى حيث رآني، فقلت: ما يُبكيك وقد قُتِل ابنك في سبيل الله؟ قال: «يا أبا عبد الرحمن، أنت تظن أني أبكي لقتْله، إنما أبكي كيف كان رضاه عن الله؛ حيث أخذته السيوف»[35].

 

11- علي بن الحسن بن موسى، قال: قال رجل: لأمتحننَّ أهل البلاء، فقال: فدخلت على رجل بطرطوس وقد أكلت الأكلة أطرافه، فقلت له: كيف أصبحت؟ قال: «أصبحت والله وكل عرق وكل عضو يألَم على حِدته من الوجع، لو أن الروم في كفرها وشركها اطلعت علي لرحمتني مما أنا فيه، وإن ذلك لبعين الله، أحبه إليَّ أحبه إلى الله، وما قدر ما أخذ ربي مني، وَدِدت أن ربي قطع مني الأعضاء التي اكتسبت بها الإثم، وإنه لم يبق مني إلا لساني يكون له ذاكرًا»، فقال له رجل: متى بدأت بك هذه العلة؟ قال: «أما كفاك الخلق كلهم عبيد الله وعياله، فإذا نزلت بالعباد علة، فالشكوى إلى الله، ليس يُشتكى الله إلى العباد»[36].

 

12- قال علي بن الحسين: كان رجل بالمصيصة ذاهب النصف الأسفل، لم يَبقَ منه إلا رُوحُه في بعض جسده، ضرير على سرير مثقوب، فدخل عليه داخل، فقال له: كيف أصبحت يا أبا محمد؟ قال: «ملك الدنيا منقطع إلى الله، ما لي إليه من حاجة إلا أن يتوفاني على الإسلام»[37].

 

13- عن خلف بن إسماعيل قال: سمعت رجلًا مبتلًى من هؤلاء الزَّمنى يقول: «وعزتك لو أمرتَ الهوام فقسَّمتني مُضغًا، ما ازددت لك بتوفيقك إلا صبرًا، وعنك بمنِّك وحمدك إلا رضا»، قال خلف: وكان الجذام قد قطع يديه ورِجليه، وعامة بدنه[38].

 

14- وكان صلة بن أُشيم في غزوة ومعه ابن له، فقال: أي بني، تقدم فقاتِل حتى أحتسبك، فقاتل حتى قُتل، فاجتمعت النساء عند امرأته معاذة العدوية، فقالت: مرحبًا، إن كنتنَّ جئتنَّ لتُهنئنني فمرحبًا بكنَّ، وإن كنتنَّ جئتنَّ لغير ذلك فارجِعنَ [39].

 

15- وذكر ابن حبَّان في الثقات عن عبد الله بن محمد قال: "خرجت إلى ساحل البحر مرابطًا، فلما انتهيت إلى الساحل إذا أنا بخيمةٍ فيها رجلٌ قد ذهب يداه ورجلاه، وثقُل سمعه وبصره، وما له من جارحة تنفعه إلا لسانه، وهو يقول: اللهم أوزِعني أن أحمدك حمدًا أكافئ به شكرَ نعمتك التي أنعمتَ بها عليَّ، وفضَّلتني على كثير ممن خلقتَ تفضيلًا، فقلت: والله لآتينَّ هذا الرجل، ولأَسألنَّه أنَّى له هذا الكلام؟! فأتيت الرجل فسلَّمت عليه فقلت: سمعتك وأنت تقول: اللهم أوزِعني أن أحْمَدك حمدًا أكافئ به شكرَ نعمتك التي أنعمت بها عليَّ، وفضَّلتني على كثير ممن خلقتَ تفضيلًا، فأيُّ نعمة من نعم الله عليك تَحمَده عليها؟ وأي فضيله تفضَّل بها عليك تشكُره عليها؟ قال: أوما ترى ما صنع ربي؟! والله لو أرسل السماء علي نارًا فأحرَقتني، وأمر الجبال فدمَّرتني، وأمر البحار فغرَّقتني، وأمر الأرض فبلعَتني، ما ازددت لربي إلا شكرًا لِما أنعم عليَّ من لساني هذا، ولكن يا عبد الله، إذ أتيتني فإن لي إليك حاجة، قد تراني على أي حالة أنا، أنا لست أقدِر لنفسي على ضرٍّ ولا نفعٍ، ولقد كان معي ابن لي يتعاهدني في وقت صلاتي فيوضِّيني، وإذا جُعت أطعمني، وإذا عطِشت سقاني، ولقد فقدته منذ ثلاثة أيام، فتحسَّسه لي رحمك الله، فقلت: والله ما مشى خلقٌ في حاجة خلقٍ كان أعظم عند الله أجرًا ممن يمشي في حاجة مثلك، فمضيت في طلب الغلام، فما مضيت غير بعيد حتى صرت بين كثبان من الرمل، فإذا أنا بالغلام قد افترَسه سَبُعٌ وأكل لحمَه، فاسترجَعت وقلت: بأي شيء أُخبر صاحبنا؟ فبينما أنا مُقبل نحوه إذ خطر على قلبي ذكر أيوب النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما أتيته سلَّمت عليه، فرد عليَّ السلام، فقال: ألست بصاحبي؟ قلت: بلى، قال: ما فعلت في حاجتي؟ فقلت: أنت أكرم على الله أم أيوب النبي؟ قال: بل أيوب النبي! قلت: هل علِمت ما صنع به ربُّه؟ أليس قد ابتلاه بماله وآله وولده؟ قال: بلى، قلت: فكيف وجده؟ قال: وجده صابرًا شاكرًا حامدًا! قلت: لم يرضَ منه ذلك حتى أوحَش من أقربائه وأحبَّائه؟ قال: نعم، قلت: فكيف وجده ربُّه؟ قال: صابرًا شاكرًا حامدًا!، قلت: فلم يَرضَ منه بذلك حتى صيَّره عرضًا لِمارِّ الطريق، هل علمت ذلك؟ قال: نعم، قلت: فكيف وجده ربُّه؟ قال: صابرًا شاكرًا حامدًا!، أوجِز رحمك الله! قلت له: إن الغلام الذي أرسلتني في طلبه وجدتُه بين كثبان الرمل وقد افترسه سبعٌ فأكل لحمَه، فأعظم الله لك الأجر، وألْهَمك الصبر، فقال المبتلى: الحمد لله الذي لم يَخلق من ذريتي خلقًا يَعصيه، فيُعذبه بالنار، ثم استرجع وشهِق شهقة فمات، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، عظُمت مصيبتي في رجل مثل هذا، إن تركتُه أكلته السباع، وإن قعدت لم أقدر له على ضرٍّ ولا نفع، فسجَّيته بشملةٍ كانت عليه، وقعدت عند رأسه باكيًا، فبينما أنا قاعد إذ جاء أربعة رجال، فقالوا: يا عبد الله، ما حالك؟ وما قصتك؟ فقصصتُ عليهم قصتي وقصته، فقالوا لي: اكشِف لنا عن وجهه، فعسى أن نَعرِفه، فكشفت عن وجهه، فانكبَّ القوم عليه يقبِّلون عينيه مرة ويديه أخرى - أي ما بقي من يديه - ويقولون: بأبي عين طالَما غضَّت عن محارم الله، وبأبي جسم طالما كان ساجدًا والناس نيام، فقلت: من هذا يرحمكم الله؟ فقالوا: هذا أبو قلابة الجرمي صاحب ابن عباس رضي الله عنه، لقد كان شديدَ الحب لله وللنبي صلى الله عليه وسلم، فغسَّلناه وكفنَّاه بأثواب كانت معنا، وصلينا عليه ودفنَّاه، فانصرف القوم وانصرفتُ إلى رباطي، فلما أن جنَّ عليَّ الليل وضعتُ رأسي، فرأيتُه فيما يرى النائم في روضة من رياض الجنة، وعليه حُلتان مِن حُلل الجنة، وهو يتلو الوحي: ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 24]، فقلت: ألست بصاحبي؟ قال: بلى، قلت: أنَّى لك هذا؟ قال: إن لله درجات لا تُنال إلا بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرَّخاء، مع خشية الله عز وجل في السر والعلانية [40].

 

16- خرجت قرحةٌ في رِجل محمد بن واسع، فقال له رجل: إني لأرحمك من هذه القرحة، فقال محمد بن واسع: إني أشكر الله منذ خرجت أنها لم تخرج في عيني[41].

 

17- قال ابن الجوزي: "دخلت على شيخنا عبد الأول وهو مريضٌ، قد بَلِيَ لحمُه ووَهَن عظمُه، واشتدَّ به الألم، قال: فدمَعت عيني لِما نزَل به، فنظر إليَّ، وقال: "يا بني، إن الله لا يُتَّهَم في قضائه"[42].

 

فهذه هي أقوال سلفنا الصالح وأحوالهم عن الرضا بقضاء الله عز وجل، فيها عبرةٌ لكل معتبر، وعظةٌ لكل متَّعظ، بها يَقْوى الإيمان، ويَزداد اليقين، ويُنال الرضا، ويتحقَّق الصبر.

 

والحمد لله رب العالمين



[1] مدارج السالكين 2/ 200 بتصرف.

[2] لا أقصد بالسلف هنا القرون الثلاثة المفضلة، وهم الصحابة والتابعون وأتباع التابعين، وإنما أقصد بالسلف معناه العام، وهم كل مَن سبقنا من أهل الصلاح والتقوى، حتى لو كانوا في القرون المتأخرة؛ كابن تيمية مثلًا.

[3] الرسالة القشيرية 2/ 345.

[4] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 65.

[5] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 85.

[6] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، ص 111.

[7] المعجم الكبير للطبراني ( 9171).

[8] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 85.

[9] تفسير القرطبي 20/ 57.

[10] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 49.

[11] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 74.

[12] سير أعلام النبلاء 4/ 105.

[13] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 52.

[14] إحياء علوم الدين 4/ 346.

[15] إحياء علوم الدين 4/ 347.

[16] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 59.

[17] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 92.

[18] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 93.

[19] صيد الخاطر لابن الجوزي صـ 328.

[20] حلية الأولياء 3/ 237.

[21] إحياء علوم الدين 4/ 365.

[22] صلاح الأمة في علو الهمة، سيد العفاني 4/ 494.

[23] روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، ابن حبان، صـ 161.

[24] حلية الأولياء 10/ 133.

[25] الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم، صـ 48.

[26] صلاح الأمة في علو الهمة 4/ 512

[27] إحياء علوم الدين للغزالي 4/ 368.

[28] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 86.

[29] سير أعلام النبلاء 4/ 430.

[30] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 103.

[31] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 104.

[32] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 102.

[33] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 108.

[34] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 88.

[35] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 95.

[36] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 88.

[37] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 89.

[38] الرضا عن الله بقضائه، ابن أبي الدنيا، صـ 90.

[39] سير أعلام النبلاء 3/ 498.

[40] الثقات لابن حبان 5/ 3.

[41] إحياء علوم الدين 4/ 365.

[42] موسوعة نضرة النعيم في أخلاق الرسول الكريم 6/ 2123.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • البركة عند السلف الصالح
  • اتباع السلف الصالح بإحسان بلا طغيان
  • حال السلف الصالح وخوفهم من سوء الخاتمة
  • البركة عند السلف الصالح (خطبة)
  • الاعتصام بالسنة وسبيل السلف الصالح
  • السلف الصالح

مختارات من الشبكة

  • من أقوال السلف في فاحشة اللواط(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أقوال السلف في اليتيم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أقوال السلف في الحسبلة "حسبي الله ونعم الوكيل"(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أقوال السلف في حكم الاحتفال بالمولد النبوي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أقوال السلف في البخل والشح(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أقوال السلف في الإنصاف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: الودود(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أقوال السلف في معاني أسماء الله الحسنى: (الواسع، المقيت، المحسن)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: المؤمن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (اللطيف، الخبير)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • أكثر من 40 مسجدا يشاركون في حملة التبرع بالدم في أستراليا
  • 150 مشاركا ينالون شهادات دورة مكثفة في أصول الإسلام بقازان
  • فاريش تستضيف ندوة نسائية بعنوان: "طريق الفتنة - الإيمان سندا وأملا وقوة"
  • بحث مخاطر المهدئات وسوء استخدامها في ضوء الطب النفسي والشريعة الإسلامية
  • مسلمات سراييفو يشاركن في ندوة علمية عن أحكام زكاة الذهب والفضة
  • مؤتمر علمي يناقش تحديات الجيل المسلم لشباب أستراليا ونيوزيلندا
  • القرم تشهد انطلاق بناء مسجد جديد وتحضيرًا لفعالية "زهرة الرحمة" الخيرية
  • اختتام دورة علمية لتأهيل الشباب لبناء أسر إسلامية قوية في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/6/1447هـ - الساعة: 16:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب